22 نوفمبر 2024
26 مايو 2024
يمن فريدم-اندبندنت عربية-جمال عبدالقادر البدوي
حصيلة المعارك الدائرة في الفاشر تسجل عشرات القتلى ومئات المصابين (حسن حامد)


أعلنت منظمة "أطباء بلا حدود" ارتفاع حصيلة القتلى إلى 134 شخصاً بالفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور منذ بدء القتال في المدينة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" قبل أكثر من أسبوعين.

وكتبت المنظمة غير الحكومية عبر منصة "إكس"، اليوم الأحد، "عالجنا بمستشفى الجنوب في الفاشر، بالتعاون مع وزارة الصحة 979 مصاباً حتى الآن منذ بدء القتال قبل أكثر من أسبوعين، وبلغ عدد الوفيات 134 شخصاً".

وكانت المنظمة أحصت الأسبوع الماضي مقتل 85 شخصاً منذ اندلاع المعارك في الفاشر. ومن المرجح أن تكون حصيلة القتلى أعلى بكثير، لكن يصعب التأكد في ظل انقطاع خدمات الاتصالات وصعوبة إيصال مواد الإغاثة والمساعدات.

وتستمر المعارك العنيفة في مدينة الفاشر على رغم دعوات أممية متكررة للطرفين المتحاربين إلى تجنيبها القتال.

وتعد الفاشر مركزاً رئيساً للمساعدات في الإقليم الواقع في غرب السودان الذي يعيش فيه ربع سكان البلاد البالغ عددهم 48 مليون نسمة.

وهي الحاضرة الدارفورية الوحيدة بين عواصم ولايات الإقليم السوداني الغربي التي لا تسيطر عليها قوات "الدعم السريع".

وأمس السبت، قتل أحد أعضاء المنظمة في الفاشر، بحسب ما أفادت، "عندما طاول القصف منزله الواقع قرب سوق المدينة الرئيسة".

وأضافت "أطباء بلا حدود"، "خسر كثير من موظفينا أفراداً من عائلاتهم أو منازلهم خلال القصف أيضاً".

ولا ينحصر استهداف عاملي منظمات الإغاثة في الولايات التي يشتد فيها القتال بين الجانبين، فقد أعلنت منظمة الصليب الأحمر، الجمعة، مقتل أحد المتطوعين ضمن جمعية الهلال الأحمر السوداني بالرصاص في ولاية شمال كردفان.

دوامة العنف

وبعد أسبوعين من القتال الشرس ونيران المعارك المحتدمة التي وصلت قلب مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور، ترزح المدينة تحت دوامة من العنف والرعب وحرب الشوارع والمواجهات الدامية والحرائق والتدمير والقصف العشوائي والرصاص الطائش الذي أودى بحياة عديد من المدنيين.

وضع مضطرب وملتهب تتجسد فيه كل أجواء الحرب وبشاعتها في كسر عظم من أجل السيطرة على المدينة الاستراتيجية بالنسبة إلى الطرفين، التي هي آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور غرب البلاد.

اتساع الحريق

على رغم التحذيرات الدولية المتكررة من اجتياح الفاشر لأسباب إنسانية، فإن دائرة اللهب تتسع في انتظار الحريق الكبير ومواجهة شاملة مرتقبة بين الطرفين، بينما تخيم على المدينة أجواء من الرعب وهي تعيش أعنف المعارك وقتال الشوارع، في وجود مئات الآلاف من السكان العالقين وسط المعارك بلا إمدادات.

مع استمرار المواجهات يتواصل سقوط عشرات المقذوفات المدفعية العشوائية والمتعمدة على معظم أحياء الفاشر، بما في ذلك مستشفيا الجنوبي والولادة، مما أدى إلى وفاة وجرح العشرات وتسبب أيضاً في أضرار كبيرة بتلك المستشفيات.

وفق مصادر أهلية بالإقليم فإن الوضع ينحدر بسرعة فائقة نحو نقطة الانهيار، فالنيران تلتهم المنازل وتتزايد الوفيات والقصف يتوالى بمعدلات كبيرة على أحياء الفردوس والرياض والهجرة وديم سلك والجيل وسط وجنوب المدينة، بينما القتال والقصف يتوسعان، إذ قصفت المستشفيات.

تحد وإصرار

مع توالي الاشتباكات والمعارك الأخيرة تتجه الأوضاع بالمدينة والإقليم نحو منعطف كارثي بسرعة كبيرة، وحيث لم يعد بإمكان الناس الخروج لقضاء حاجاتهم، باتوا يعيشون خطراً مهدداً لحياتهم طوال الوقت بسبب القصف المدفعي العشوائي من قوات "الدعم السريع"، لوسط المدينة ومعسكرات النازحين، وفق تلك المصادر.

أشارت المصادر الأهلية إلى نزوح نصف سكان الفاشر داخلياً نحو الأحياء الآمنة نسبياً في غياب أي تدابير حماية فعالة من المجتمع الدولي تقود إلى إنهاء المأساة المتفاقمة أو مؤشرات لإعلان وقف العدائيات وتوفير ممرات آمنة لدخول الإغاثة.

عدت المصادر نفسها أن دخول قوات "الدعم السريع" إلى معسكر أبو شوك للنازحين، وحصارها المعلن للمدينة لفترة قاربت الشهر ومنع دخول القوافل الإنسانية تحد صارخ لنداءات المجتمع الدولي ومؤسساته، ويعكس كذلك إصرارها الشديد على اجتياح المدينة مهما بلغت الكلفة الإنسانية.

توتر مفتوح

أممياً وصف مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، التقارير الواردة من الفاشر بـ"المروعة"، مشيراً إلى هجمات مميتة على المدنيين وروايات مرعبة عن الاستهداف العرقي، وأن الناس خائفون من نقاط التفتيش لدرجة منعتهم من الفرار.

كما عد بيان لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة (أوتشا) الوضع في مدينة الفاشر بأنه "متوتر ولا يمكن التنبؤ به"، مشيراً إلى أن حصيلة المعارك الدائرة بين الجيش و"الدعم السريع"، بلغت 85 قتيلاً و700 إصابة وسط المدنيين مع ترجيح ارتفاع عدد الضحايا المبلغ عنهم، في وقت توشك فيه الإمدادات الطبية في مستشفى الفاشر الجنوبي على النفاد.

دفع القتال المحتدم داخل المدينة والهجمات على القرى المحيطة في غربها المدنيين إلى الاحتماء في مواقع مكتظة للغاية داخل الفاشر، بحسب بيان (أوتشا)، فيما تصاعدت حركة نزوح الآلاف من السكان إلى المناطق الجنوبية بالمدينة والأحياء المجاورة.

أشار المكتب الأممي إلى تلقيه تقارير عن فرض رسوم على الفارين من معارك الفاشر بينما معظم الطرق الرئيسة خارج المدينة مغلقة أو تفتقر إلى الأمن أو تخضع لعوائق كبيرة أمام الحركة، محذراً في الوقت نفسه من تدهور الوضع الإنساني لنحو 800 ألف من السكان في محيط المدينة وداخلها، إذ يؤدي تمدد دائرة الاشتباكات إلى اتساع تأثيراتها المباشرة في المدنيين.

وجددت منظمة العفو الدولية مناشدتها العالم بسرعة التحرك لحماية المدنيين العالقين وسط أعمال العنف المتصاعدة في الفاشر. ودعا المدير الإقليمي للمنظمة لشرق وجنوب أفريقيا، تيغيري شاغوتا، منظمات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي إلى سرعة التحرك لحماية المدنيين ومنع وقوع فظائع جماعية في المدينة والقرى المحيطة بها وضمان محاسبة الجناة.

مساعدات عالقة

إنسانياً كشفت الأمم المتحدة عن محاولة أكثر من 12 شاحنة عالقة منذ نحو شهر كامل، محملة بمساعدات تغطي أكثر من 100 ألف شخص الوصول إلى الفاشر، ملوحة بخطر نفاد الإمدادات بالمستشفى الوحيد الذي يعمل في الفاشر، إذ يكفي الموجود منها لـ10 أيام فحسب.

بدورها، كشفت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين عن تدهور يومي مريع في الحالة الإنسانية والصحية والأمنية في الإقليم، نتيجة ازدياد وتيرة العنف في الفاشر التي تعيش حصاراً كاملاً ومحكماً من أطراف النزاع يستخدمون فيه سلاح التجويع ضد النازحين والمواطنين، فضلاً عن التضييق والتفتيش بصورة مخيفة على بوابات المدينة وأسئلة باللون والقبيلة عند خروج المواطنين إلى مناطق أخرى.

ووصف بيان للمنسقية الأوضاع الإنسانية والصحية بالمدينة بأنها مزرية ومروعة، يحرم فيها النازحون في المخيمات من أبسط الخدمات الأساسية للحياة، وكأنه حكم عليهم بالموت جوعاً أو القصف المدفعي العشوائي والمتعمد من طرفي الصراع أو بالقصف الجوي أو إطلاق النار المباشر والعنف الجسدي وغيرها.

نزوح النازحين

وأعلن المتحدث باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين في إقليم دارفور، آدم رجال، عن نزوح أكثر من نصف سكان معسكر أبو شوك بالفاشر (250 ألفاً) هرباً من العنف والمواجهات العسكرية.

وأكد رجال تسبب نحو 20 مقذوفاً مدفعياً كبيراً (دانة) على معسكر أبو شوك أطلقتها قوات "الدعم السريع"، في مجزرة بالمعسكر منتصف الأسبوع الماضي، قتل وأصيب فيها أكثر من 27 مواطناً إلى جانب تدمير عدد كبير من المنازل والمدارس ومراكز الإيواء.

مع اشتداد المعارك يتابع الطيران الحربي التابع للجيش عمليات القصف والإسقاط الجوي للمؤن والتشوين للفرقة السادسة مشاة وحلفائه بالفاشر، تزامناً مع اشتداد المعارك بين القوات المسلحة و"الدعم السريع" في الناحية الشمالية للمدينة.

37 هجوماً

ميدانياً تقول مصادر عسكرية إن الجيش تمكن من إبعاد قوات "الدعم السريع" إلى خارج محيط الحدود الشرقية للمدينة يطاردها حتى مشارف منطقة بوابة عبور مدينة مليط الاستراتيجية التي قالت الأخيرة إنها استولت عليها منذ أسابيع عدة.

وأكدت القوة المشتركة للحركات المتحالفة مع الجيش تمكنها مع الجيش والقوة الشعبية للدفاع عن النفس (ق ش ن) وشباب المقاومة الشعبية من صد كل هجمات الميليشيات وكبدتها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.

وكشفت القوة عن إحباط 37 هجوماً شنته الميليشيات على المدينة، مما دفعها للجوء إلى القصف العشوائي للمناطق المأهولة بالسكان ومراكز الإيواء ومعسكرات النازحين، إلى جانب استهدافها الخدمات الحيوية كمصادر المياه والمستشفيات وإخراج عدد منها من الخدمة.

إجلاء أم تهجير؟

رداً على إعلان قوات "الدعم السريع" استعدادها لفتح ممرات آمنة لمغادرة المدنيين المدينة، أبدى حاكم إقليم دارفور رئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، رفضه مغادرة السكان من الفاشر، إذ إن الواجب على أطراف الحرب هو حمايتهم وتفادي الإضرار بهم، موجهاً السؤال إلى من يريد إخراج المدنيين من المدينة (إلى أين يذهب المدنيون في المدينة وهي مكتظة بالنازحين الذين لاذوا بها من مختلف أنحاء دارفور؟).

واتهم "الدعم السريع" بتعمد قتل المدنيين واستهداف مواقعهم بالقصف والحرق، معتبراً مناداتها السكان بالمغادرة تهجيراً وطرداً لهم من المدينة.

خلال مناقشتها الوضع الأمني والإنساني بالإقليم بخاصة ما يجري في الفاشر، دانت حكومة الإقليم قطع "الدعم السريع" طرق الإمداد ومنع دخول المساعدات الإنسانية المقدمة من الدولة والمنظمات الإنسانية إلى المدينة، مستنكرة صمت المجتمع الدولي إزاء الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها الميليشيات من قتل وحصار يهدف إلى تجويع وتهجير قسري لمواطني المدينة.

إصرار على القتال

في السياق وصف والي شمال دارفور السابق، نمر محمد عبدالرحمن، الوضع في الفاشر بأنه في غاية الخطورة وأن الحرب تدور الآن داخل المدينة مع إصرار كبير من الطرفين على مواصلة القتال، ولم يعد أمام المدنيين سوى الابتعاد ما أمكن عن مناطق القتال والاشتباكات حفاظاً على سلامتهم.

الوضع الإنساني بالمدينة وما حولها من قرى في أسوأ الحالات وفي تدهور مطرد، بحسب عبدالرحمن، ولا توجد أي مساعدات إنسانية، وزاد تفاقم الوضع خروج منظمة "أطباء بلا حدود" من المدينة وهي الوحيدة التي تقدم دعم الإمدادات الطبية والأدوية.

في الأثناء ينطلق في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا اليوم المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) ولمدة خمسة أيام يناقش فيها قضايا الحرب والأوضاع الإنسانية الحرجة، واستكمال بناء أوسع جبهة مدنية لإيقاف الحرب بالضغط على طرفي الحرب للعودة إلى المفاوضات.

يشارك في المؤتمر أكثر من 600 شخص من كل تنظيمات وفئات المجتمع داخل وخارج السودان لإجازة الرؤية السياسية والنظام الأساس والهيكل التنظيمي للتنسيقية.

تحقيق إفريقي

إقليمياً طالب مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب شبه القضائية، إجراء تحقيق عاجل في حالة حقوق الإنسان بالفاشر، معرباً عن قلقه البالغ إزاء الوضع في المدينة على رغم الدعوات العديدة للأطراف المتحاربة بوقف القتال والعودة إلى التفاوض.

ولفت بيان للمجلس إلى الخطر الوشيك الذي يشكله الصراع المتصاعد على المدنيين، بما فيه تزايد احتمال وقوع فظائع خطرة، داعياً أطراف النزاع إلى الانسحاب من المباني والمؤسسات المدنية والمنشآت الحكومية. كما طلب من آلية الاتحاد الرفيعة المستوى العمل مع المبعوث الخاص للاتحاد المعين حديثاً، لمنع الإبادة الجماعية لمزيد من المقترحات في شأن منع مزيد من التصعيد في دارفور وتطوير خطة لحماية المدنيين.

أهمية الفاشر

وتعد الفاشر المركز الإنساني الأساس الذي يسيطر عليه الجيش والحركات المسلحة المتحالفة معه، وتمثل خسارتها خطراً على توفير الإمدادات الإغاثية والغذائية لسكان الإقليم المقدر عددهم بنحو 5 ملايين نسمة، فضلاً عن أن سقوطها يشكل ضربة كبيرة للجيش والحكومة كونها حلقة وصل بين مدن شمال السودان وإقليم دارفور.

ومنذ أسبوعين لم تتوقف المعارك والاشتباكات والقصف المدفعي في مدينة الفاشر، وسط هلع وخوف وترقب السكان لانفجار الوضع واشتعال القتال في أي لحظة بين الجيش والحركات المسلحة المتحالفة معه من جهة، وقوات "الدعم السريع" وميليشيات أخرى (فزع) متحالفة معها أيضاً.

ومنذ الأشهر الأولى لاندلاع الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منتصف أبريل/ نيسان 2023، تمكنت الأخيرة من إسقاط الحاميات العسكرية للجيش في أربع من عواصم ولايات دارفور الخمس هي نيالا (جنوب دارفور)، والجنينة (غرب دارفور)، والضعين (شرق دارفور)، وزالنجي (وسط دارفور) وبسطت سيطرتها عليها، وتسعى حثيثاً إلى السيطرة على الفاشر لاستكمال نفوذها في كامل إقليم دارفور.
 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI