لفترةٍ طويلة كان الاعتقاد سائداً بأن تحالف أوبك+ لا يسعى سوى خلف أسعار نفط مرتفعة. لكن نتيجة اجتماع الأحد الافتراضي، والذي شهد اتفاق الدول الأعضاء على تمديد اتفاق تخفيض الإنتاج الحالي حتى نهاية 2025، وضعت هذا الاعتقاد في دائرة الشك.
بالعودة إلى تفاصيل الاتفاق المنشورة كاملةً على موقع أوبك، فإن أبرزها هو توصل التحالف إلى صيغة لضخ المزيد من النفط تدريجياً حتى نهاية العام القادم، مع الإبقاء على حجم الإنتاج الكلي منخفضاً مقارنةً بسنة الأساس للاتفاق الأخير.
ومع عودة المزيد من النفط إلى السوق، من المتوقع أن تنخفض الأسعار، وينخفض معها التضخم، وعندئذ نتخلص تدريجياً من أسعار الفائدة المرتفعة.
3 مكاسب
عمليات حسابية معقدة، وجداول للإنتاج الشهري، بين خفض طوعي وخفض غير طوعي لدول أوبك+، فما الذي استفاده العالم والتحالف، وخاصةً السعودية، من هذا الاجتماع الذي يراه كثيرون يصب في صالح المستهلكين، وليس في صالح الدول المنتجة بحد ذاتها؟
أولاً، وهو الأهم، هذا الاتفاق بهذا الوضوح يساعد على استقرار الأسعار، وعندما نتحدث عن استقرار الأسعار فليس المقصود إبقاؤها بطريقة مصطنعة عند مستويات التعادل المناسبة لسد العجز في ميزانيات الدول، بل إبقاؤها ضمن نطاق واضح، أو خلق أرضية مناسبة لها حتى لا تهبط دونه، إذ يصبح من الصعب حينها لكل منتجي النفط، بما فيهم الولايات المتحدة الأميركية، القبول بهذا السعر الهابط.
بفضل جهود التحالف المنتظمة، تمّ الحفاظ على أسعار النفط ما بين 70 دولاراً إلى 90 دولاراً للبرميل لفترةٍ من الوقت، وهذا النطاق مريح لكل من الشركات الكبرى مثل "إكسون موبيل" و"توتال" و"شل" عند تخطيط ميزانياتهم السنوية، كما أنه مريح للدول المنتجة والمستهلكة.
ويكتسب هذا الأمر أهميةً أكبر عندما نفكر في مستويات الفائدة العالية وما تسببه من ضغط على صغار منتجي النفط، بما في ذلك شركات النفط الصخري في الولايات المتحدة التي تعتمد على الاقتراض من أجل الإنتاج.
ثانياً، بقاء مستويات الأسعار مستقرة ضمن نطاق واضح يجعل المستهلكين في وضع أفضل من ناحية الطلب، إذ إن السماح بخروج الأسعار عن السيطرة، ولو مؤقتاً، ذو أثر مؤلم على الطلب على النفط مستقبلاً.
ثالثاً، هذا الاتفاق يزيد من عمق التحالف ويحسن العلاقات بين أعضائه، لا سيما لناحية السماح للدول التي استثمرت لزيادة طاقتها الإنتاجية بضخ المزيد من النفط تدريجياً. حيث أنفقت دول مثل العراق والإمارات العربية المتحدة الكثير لرفع إنتاجها، وبدون السماح لها باستغلال أكبر قدر ممكن من طاقتها الإنتاجية فإن ارتباطها بالتحالف قد يتأثر.
هاجس الـ100 دولار
لكن البعض لا يرون هذه الفوائد عندما يتحدثون عن نتائج الاجتماع ظناً منهم أن أي نتيجة لا تؤدي إلى سعر 100 دولار للبرميل معناها فشل التحالف.
كلنا كمستهلكين لا نحب ارتفاع الأسعار، ونرى أن سعي الدول المنتجة خلف أسعار نفط أعلى هو إجحاف بحق المستهلكين، لكن الدول النفطية كالشركات، تحتاج لدخلٍ أعلى.
مع ذلك، فإن دول أوبك ليست سواسية في قدرتها على التعامل مع تقلبات الأسعار، ولهذا فإن قدرة السعودية والإمارات وبعض الدول القليلة الأخرى في التعامل مع 80 دولاراً للبرميل أعلى من غيرها.
وإن كان لدى السعودية عجز في ميزانيتها هذا العام والأعوام القادمة فهو اختياري، حتى لو زادت أسعار النفط، لأن خطط الإنفاق الحكومية لن تتراجع. لكن هذا لا يعني أن السعودية تصرف بلا حساب؛ بل هناك أولويات وتقليص للمشروعات أو تأجيل لبعضها إن دعت الحاجة.
وقد لا تكون السعودية بحاجة ماسة لسعر 100 دولار للبرميل حالياً، مع الاتجاه لسوق الدين وبيع الأصول وغيره. لكنها حتماً تحتاج لحزمة أسعار مستقرة وواضحة لا تؤذي المستهلكين ولا المنتجين.