عبدالله طفل يبلغ من العمر 5 سنوات يعاني من مرض اللوكيميا منذ ثلاث سنوات ،يأتي من محافظة الحديدة للعلاج الدوري، وتوفيت امُه بعد أن أرهقها مرض ابنها قبل عام ، دخل عبدالله السبت إلى مستشفى كعادته لتلقي العلاج ، إبرة في الظهر لكنه كان رافض ويبكي على غير العادة يقول ابو عبدالله في حديث له عبر إحدى الإذاعات: " بدأ عبدالله يعاني من الألم الشديد برأسه وحلقه بعد أخذه للإبرة وحمى شديدة لم نخرج من المستشفى من يومها نحن والعديد من اهالي المرضى لظهور نفس الإعراض على أطفالهم، أستمرت الحمى والألم كان عبدالله يقول يا اباه سبّحني (أريد أن استحم) لشدة الحرارة والأوجاع بداخله. إلى يوم الخميس توفي عبدالله وكذلك يزن والعديد من الأطفال بجانبهم".
كارثة طبية
يقول مدير قسم اللوكيميا بمستشفى الكويت بصنعاء الدكتور عبدالرحمن الهادي " نحن كأطباء نعطي العلاج للمريض ليشفى، لكن ما حدث ألمنا وجعلنا كعاجزين، اعطيناهم السم بأيدينا".
تضارب في التصريحات
بينما تقول وسائل الإعلام إن عدد الأطفال الذين توفوا (17) طفلا (30) لا يزالون بمرحلة حرجة ينفي الدكتور عبد الرحمن الهادي بالقول: " ما يذكره الإعلام من أرقام للأطفال غير صحيح وفي الحقيقة أن العدد هو (29) طفل تلقوا العلاج ظهرت الأعراض في (19) طفلا، توفي (9) أطفال و(10) مازالوا في العناية المركزة، وهذا لا يعني أن الرقم ليس قليل، يكفي وفاة طفل واحد لكي تتحرك الجهات الرسمية وتضبط لنا سوق الأدوية".
ويمر اليمن بمرحلة صعبة في القطاع الصحي، فقد وصل الإهمال والتسيب لدرجة أن الصيادلة أنفسهم لم يعد بمقدورهم التفريق بين الأدوية الأصلية والمقلدة، وتهريب الأدوية التي يجب أن تكون محفوظه ومخزنه بشكل جيد كي لا تصاب بالتلف.
وعن الجهة الرقابية الي يحتم عليها مراقبة دخول الأدوية بطرق غير قانونية التي تتسببت بحصد أرواح المرضى سألنا رئيس الهيئة العامة للدواء الدكتور محمد الغيلي حول هذا الموضوع وقال: " إنهم ضبطوا دواء (ميثوتركسيت) من جميع الصيدليات، وهذا الدواء ليس له تصريح، ولا يدخل بشكل قانوني، ويدخل مهربا إلى اليمن بنسب صغيرة مع أكثر من شخص".
رئيس الهيئة نفى معرفته بالجهة المتورطة أو الاشخاص الذين أدخلوا الدواء إلى اليمن، وأكد أنهم ما يزالون في مرحلة البحث عن كل المتورطين والجناة وفق ما قال في تصريحه، رغم أن الهيئة هي الجهة المخولة بمراقبة كل أصناف الأدوية التي تدخل إلى البلاد، وتكون على معرفة (بتشغيلة) كل صنف حسب ما هو معروف.
نحن لا نعلم ماذا جرى!
هذا هو رد المتحدث الرسمي لوزارة الصحة أنيس الأصبحي عندما سألناه عن الكارثة، قال إن وزارة الصحة مازالت تحقق بالموضوع وشكلت لجنه طبية ليتواصل مع الشركة المصنعة لمعرفة أن العلاج يسبب تلك الأعراض.
يبدو أن الجميع يتنصل من المسؤولية بالرغم أن هذه كارثة، وقد ألحقت الضرر بالعديد من الضحايا، خاصة أطفال اللوكيميا، لهذا لا نجد من يهتم ويظهر الجناة الأساسين ليقدموا للمحاكمة وهو رأي الغالبية.
حدث من قبل
هناك مصادر تقول إن هذه الحادثة قد حصلت في عام 2019، ولم نجد من يؤكد صحة هذه الأخبار، لكنها ليست الأولى حتى لو اختلف نوع الدواء، فدائما ً ما تكرر هذه الجرائم باختلاف نوع الأدوية، ونفس المبررات، ولا يحاسب أحد على هذا الإهمال الطبي، الذي خلّف العديد من الضحايا.
التصريحات تكشف ما يخافون
بالرغم من البيان الصادر من وزارة الصحة بشأن ما حدث وإلقاء اللوم على من وصفته بـ " العدوان والحصار"، لكن بيانها الأول بشأن توقف تداول دواء داخل المرافق الصحية، واصدار بيان رسمي يدل أن العلاج مصرح به.
الوزارة قالت إنها شكّلت فريقا للتحقق مكون من (رئيس وأعضاء المجلس الطبي، ومختصون من وزارة الصحّة، والهيئة العليا للأدوية، والمركز الوطني لعلاج الأورام، واستشاريون متخصصون بالأورام) وكشفت نتائج التحقيق أن (19) من الأطفال المصابين بسرطان الدم، تتراوح أعمارهم بين (3 -15) سنة، تعرّضوا لمضاعفات إثر تلقيهم دواءً تم تهريبه إلى صيدلية خاصة، ولم تمر التشغيلة المهرّبة من الدواء المستخدم عبر إجراءات الهيئة العليا للأدوية، أو مناقصات المركز الوطني للأورام.
وتبين من النتائج وجود "تلوث بكتيري" في عبوات الدواء المستخدم، وتحديداً التشغيلة التي تمّ تهريبها، وفق ما بيّنته نتائج فحص المختبر الدوائي بالهيئة العليا للأدوية.
وأشارت الوزارة إلى أن طفل في حالة حرجة للغاية، و (8) من الأطفال يعانون من مضاعفات خفيفة، وتم نقل الحالات إلى العناية المركزة في عدد من مستشفيات صنعاء، إلى جانب مستشفى الكويت.
لم تذكر وزارة الصحة التابعة للحوثيين أي جهة أو أفراد تورطوا في هذه الجريمة، بل اكتفت بتحويل ملف القضية إلى النيابة العامة استنادا لنتائج التحقيق وقرار المجلس الطبي، وبتوجيه من النائب العام لاستكمال التحقيق، واتخاذ الإجراءات القانونية.
مؤتمر صحفي
بعد الضغط الإعلامي وتحويل القضية إلى رأي عام، عقدت وزارة الصحة التابعة للحوثيين في صنعاء مؤتمرا صحفيا، اليوم الاثنين 17 أكتوبر/تشرين الأول، لكشف ملابسات حادثة وفاة الأطفال، لكن المسؤولين في المؤتمر لم يكشفوا عن الملابسات الحقيقية للحادثة الأليمة، وتحدثت في العموميات دون الغوص في التفاصيل التي أودت بحياة الأطفال جراء الجرعات القاتلة المهربة.
انتهى المؤتمر دون معلومات واضحة كانت تبحث عنها وسائل الإعلام، التي كررت في مداخلاتها للمسؤولين في وزارة الصحة عن كشفت التفاصيل الغائبة.
المسؤولون في المؤتمر ارجعوا السبب إلى ما يعاني البلد جراء ما وصفوه " الحصار" ومنع دخول الأدوية والسماح للناس بالسفر للخارج لتلقي العلاج.
عقوبات الاخطاء الطبية
يعدّ القانون اليمني الخطأ الطبي جريمةً جسيمةً إذا نجمت عنه وفاة المريض، إذ تنص المادة (241) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني رقم (12) لسنة 1994: (يعاقَب بالدية المغلظة أو الحبس مدةً لا تزيد عن ثلاث سنوات مَن اعتدى على سلامة جسم غيره بأية وسيلة، ولم يقصد من ذلك قتلاً ولكن الاعتداء أفضى إلى الموت).
يقول مستشار قانوني طلب من " يمن فريدم" عدم ذكر اسمه، حول تحليله للقضية من منظور قانوني:" يعتمد على ملابسات القضية اذا كانت جرعة الأدوية منتهية الصلاحية والأطباء والممرضين الذين قاموا بحقن أو تطعيم الأطفال بالجرعات الفاسدة يعلمون أنها منتهية الصلاحية يعتبر قتل عمد، وإذا كانوا لا يعلمون أنها منتهية الصلاحية يعتبر قتل خطأ، وفي كل الأحوال من قام بإدخال هذه الجرعات الفاسدة إلى اليمن وهي منتهية الصلاحية تنطبق عليهم جريمة القتل العمد سواء كانوا تجار أدوية أو منظمات، وإذا دخلت اليمن وهي صالحة وانتهت صلاحيتها لتخزينها في المخازن حتى انتهت صلاحيتها أو لسوء التخزين يتحملون مسؤولية من قام بهذه الوقائع باعتبارها قتل عمد أو شبه عمد".
حلول وعدالة غائبة
مع الحرب وانقسام البلد إلى مناطق جغرافية ومؤسسات متعددة المهام، تراجعت الرقابة على كل ما يتعلق بحياة المواطن اليمني، ولعل جريمة وفاة الأطفال بالجرعات القاتلة، منتهية الصلاحية والمهربة، إلا نموذجا لذلك الضعف والغياب التام للمسؤولية لدى من يتحكمون بالبلد.
حادثة وفاة الأطفال تمثل تهديدا خطيرا للنظام الصحي في اليمن برمته، وتنعدم الثقة بين القطاع الصحي والمواطنين، وهذا يفاقم من المعاناة في ظل تدهور النظام الصحي أصلا، ونقص الأدوية والرعاية الطبية، خاصة تلك المتعلقة بالأطفال والنساء كونهما الحلقة الأضعف في هذه الحرب.
لا ينبغي أن تمر هذه الكارثة والجريمة كما يقول العامة، وهم يتابعون مجرياتها منذ أول لحظة الإعلان عنها، فالسكوت عنها هو استمرار وربما تكرار للمأساة.
وتظل هذه الحادثة معلقة في أذهان الجميع، ويلفها الغموض والحقائق التي قد تغّيب الجناة عن العدالة والانتصار للأطفال الضحايا الذين لم يكن لهم ذنب سوى أنهم مرضى، ولم تترك لهم الجرعات القاتلة متسعا من الحياة.