14 أكتوبر 2025
10 أكتوبر 2025
يمن فريدم-خاص


تتواصل الانتهاكات بحق العاملين في المجال الإنساني والإغاثي، إذ تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين موجة جديدة من الاعتقالات طالت موظفين تابعين لمنظمات دولية وأممية، ما أثار قلقًا واسعًا في الأوساط الحقوقية والإنسانية، وينذر بمزيد من القيود على العمل الإنساني في اليمن.

تداعيات على العمل الإنساني

تضع حملات الاعتقالات التي يشنها الحوثيون بحق العاملين في المجال الإنساني مستقبل العمليات الإغاثية على المحك، في وقتٍ تتزايد فيه حاجة الملايين من اليمنيين للمساعدات المنقذة للحياة، خاصة مع تراجع تمويلات المانحين للعمليات الإغاثية في اليمن.

تترك هذه الاعتقالات تداعيات خطيرة على الوضع الإنساني والعمليات الإغاثية في البلاد، حيث تخلق بيئة عدائية وغير آمنة ما يعيق المنظمات على العمل بحرية، ما يدفع بعضها إلى تقليص أو تعليق أنشطتها خوفًا على سلامة موظفيها.

كما تؤدي إلى تراجع ثقة المانحين الدوليين في إمكانية تنفيذ البرامج بشفافية واستقلالية داخل مناطق سيطرة الحوثيين، ما قد يُفضي إلى انخفاض التمويل المخصص لليمن.

اعتقالات جديدة

شنّ الحوثيون منذ الخامس من أكتوبر الجاري حملة اعتقالات واسعة في العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرتهم، استهدفت عددًا من الموظفين العاملين لدى منظمات أممية ودولية.

وكشف الصحفي اليمني فارس الحميري عن قائمة بأسماء الموظفين الذين اعتقلهم الحوثيون في صنعاء خلال يومي الأحد والإثنين الماضيين وهم:

-أحمد ضبيان - موظف في إدارة الأمم المتحدة للأمن والسلامة (UNDSS).

-رمزي عبدالقوي صالح الفاردي- مسؤول قسم الشؤون الإدارية (Administration) في برنامج الأغذية العالمي (WFP) - فرع محافظة صعدة.

-محمود سعيد عثمان – موظف في إدارة الأمن والسلامة بمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF).

-غسّان شرف الدين – موظف في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA – Yemen).

-ربيع الشيباني – مسؤول البروتوكول (Protocol Officer) في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP).

- محمد مهيوب المصور -مساعد أمني في مكتب السلامة والأمن التابع للأمم المتحدة.

الأمم المتحدة تجدد إدانتها

في تصريحات جديدة للأمين العام للأمم المتحدة، دان أنطونيو غوتيريش، بشدة استمرار الحوثيين بالاحتجاز التعسفي لمزيد من موظفي المنظمة، مشددا على أن هذه الإجراءات تعيق قدرتها على العمل في البلاد وتقديم المساعدات الضرورية.

وفي بيان منسوب إلى المتحدث باسمه، ستيفان دوجاريك، أكد غوتيريش ارتفاع إجمالي عدد موظفي الأمم المتحدة المحتجزين لدى الحوثيين إلى 54 موظفا منذ عام 2021.

وقال دوجاريك إن مكان تواجد موظفي المنظمة لا يزال غير معروف، مضيفا أن السلطات الحوثية "لم تسمح بأي وصول فعلي إلى أي منهم، على الرغم من الطلبات المتكررة من جانبنا".

وأعرب عن قلق الأمين العام البالغ إزاء سلامة وأمن موظفي الأمم المتحدة. وجدد دعوته العاجلة للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الموظفين الأمميين وموظفي المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية، مشددا على ضرورة احترامهم وحمايتهم وفقا للقانون الدولي.

وأكد على ضرورة السماح للموظفين بأداء مهامهم "باستقلالية ودون عوائق"، مشددا على أن مباني الأمم المتحدة وأصولها "مصونة ويجب حمايتها في جميع الأوقات، بما يتماشى مع مـيثاق الأمم المتحدة واتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة".

كما أكد مواصلة "العمل بلا كلل، ومن خلال جميع القنوات المتاحة، لضمان الإفراج الآمن والفوري عن جميع الموظفين المحتجزين تعسفيا"، وكذلك إعادة مكاتب الوكالات الأممية وأصولها الأخرى. وأكد ثبات التزام الأمم المتحدة بدعم الشعب اليمني "وتطلعاته إلى سلام عادل ودائم".

تصعيد حوثي يعمّق الأزمة الإنسانية في اليمن

أدت حملات الاعتقال والقيود التي يفرضها الحوثيون على العاملين في الوكالات والمنظمات الدولية والأممية إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، وحرمان ملايين المحتاجين من المساعدات الإغاثية، ما جعل الوضع الإنساني في البلاد من بين الأسوأ في العالم.

وفي هذا السياق، عبّرت سفيرة المملكة المتحدة لدى اليمن، عبده شريف، عن قلق بلادها من تصرفات الحوثيين، متهمةً الجماعة بارتكاب ممارسات تزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية.

وأوضحت السفيرة، في منشور عبر حسابها على منصة "إكس" يوم الثلاثاء 7 أكتوبر 2025، أن الحوثيين يواصلون احتجاز ومضايقة موظفي الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني، وهو ما يعرقل وصول المساعدات المنقذة للحياة إلى الفئات الأشد ضعفًا.

وقالت شريف إن "ملايين الأشخاص في شمال اليمن بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية عاجلة لإنقاذ حياتهم، بينما يواجه الآلاف خطر المجاعة"، مؤكدة أن هذه الممارسات "تتسبب في معاناة لا يمكن تصورها".

ودعت السفيرة البريطانية الحوثيين إلى الاستجابة الفورية لدعوات مجلس الأمن، والإفراج عن جميع المحتجزين تعسفيًا، مشددة على أن استمرار هذه التصرفات يعرقل الجهود الدولية الهادفة إلى تخفيف معاناة الشعب اليمني.

ذرائع متكررة

يواصل الحوثيون شنّ حملات اعتقال بحق موظفين يعملون في منظمات دولية وأممية، متذرعين بتهم "التجسس" أو "التعاون مع جهات أجنبية"، أو بمخالفة التعليمات الصادرة عنها. وتقول الجماعة إن هذه الإجراءات تندرج ضمن ما تصفه بـ"الإجراءات الأمنية" أو "التحقيقات الداخلية" المرتبطة بعمل المنظمات.

في المقابل، يرى مراقبون أن هذه الذرائع المتكررة ليست سوى أدوات للضغط السياسي ووسائل لابتزاز المنظمات الدولية، بهدف فرض مزيد من الرقابة والسيطرة على النشاط الإنساني والإغاثي داخل مناطق سيطرة الحوثيين.

ويدّعي الحوثيون أن الحصانة القانونية الممنوحة لموظفي الأمم المتحدة "لا يجب أن تشمل من يثبت تورطهم في أنشطة تجسس"، متهمةً الأمم المتحدة بـ"الانحياز" بعد إدانتها لما وصفته الجماعة بـ"الإجراءات القانونية المتخذة ضد خلايا التجسس".

حماية العاملين وفق القانون الدولي

اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكولات الإضافية لعام 1977، هي النصوص القانونية الرئيسية لحماية العاملين في المجال الإنساني (القانون الدولي الإنساني)، والتي تُلزم الأطراف في النزاعات المسلحة بضمان سلامة العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية والطواقم الطبية وعدم استهدافهم.

كما تفرض قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مثل القرار 2175 (2014) والقرار 2286 (2016)، ضرورة حماية العاملين في المجال الإنساني.

ويحمي القانون الدولي الإنساني، في النزاعات المسلحة الأفراد الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية، بما في ذلك العاملين في مجال الإغاثة، من أي هجمات.

وتشدد هذه الضمانات على ضرورة احترام العاملين في المجال الإنساني والطواقم الطبية والمرافق الطبية في جميع الظروف لضمان استمرار أعمال الإغاثة، كما تلزم أطراف النزاع بذل كل ما بوسعها لضمان سلامة العاملين الإنسانيين.

استهداف العاملين الإنسانيين جريمة حرب تقوّض الثقة الدولية باليمن

رأى رئيس منظمة "سام" للحقوق والحريات، المحامي توفيق الحميدي، أن استهداف الحوثيين للموظفين العاملين في المجال الإنساني يمثل أحد أخطر الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، مشيرًا إلى أن هؤلاء الموظفين يتمتعون بالحماية القانونية بموجب اتفاقيات الإنشاء التي توقعها الجمهورية اليمنية مع المؤسسات الإنسانية والأممية.

وقال الحميدي إن "هذه الاتفاقيات تُعد العاملين في المجال الأممي والإنساني محميين بموجب القانون الدولي، ولا يجوز التنصل منها تحت أي ذريعة أو مبرر قانوني مهما كان"، مؤكّدًا أن "انتهاك اتفاقيات حماية العاملين الإنسانيين يضرب جوهر مبدأ الحياد الإنساني الذي تقوم عليه عمليات الإغاثة، ويحوّل بيئة العمل الإنساني إلى ساحة خطر ومساومة سياسية".

وأشار إلى أن "هذه الانتهاكات تنعكس ميدانيًا بتقليص حركة المنظمات وتجميد أنشطتها داخل مناطق سيطرة الحوثيين، ما يزيد من معاناة المدنيين، ويؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني في البلاد".

وأضاف الحميدي أن "هذه الممارسات تضرّ بصورة اليمن على المستوى الدولي، وتقوّض الثقة بين المانحين والمنظمات العاملة في البلاد، ما يؤدي إلى انكماش الدعم الإنساني والتمويلي، ويجعل من هذه الانتهاكات اعتداءً مزدوجًا على الضحايا وعلى سمعة اليمن في آن واحد".

وعلى الصعيد الدولي، أوضح الحميدي أن "تكرار هذه الانتهاكات يُظهر المجتمع الدولي وكأنه عاجز عن حماية الشركاء الإنسانيين والوفاء بالتزاماته بموجب القانون الدولي، ما ينعكس سلبًا على الثقة بالعمل داخل اليمن، ويؤدي إلى تراجع الدعم وإحجام الخبراء والمنظمات عن الاستمرار في تنفيذ برامجهم الإنسانية".

من يتحمل المسؤولية؟

وفقًا للمعطيات، يتصدر كلٌّ من جماعة الحوثيين والأمم المتحدة واجهة المشهد المتعلق بحملات الاعتقال التي تستهدف الموظفين العاملين لدى الوكالات والمنظمات الأممية في مناطق سيطرة الجماعة.

وأوضح الناشط الحقوقي رياض الدبعي في تصريح لـ"يمن فريدم" أن هذه الاعتقالات "ستستمر إلى ما لا نهاية"، مشيرًا إلى أن الحوثيين يتعاملون مع الأمم المتحدة "كتذكرة لإنجاز مصالحهم"، فيما يُنظر إلى موظفيها "كرصيد".

وأضاف الدبعي أن الأمم المتحدة "أصبحت ضحية مثل بقية الضحايا بدرجة أساسية من الحوثيين"، داعيًا إلى إنقاذها من هذا الوضع.

وأشار إلى أن المنظمة تؤدي – بشكل غير مباشر – دورًا لوجستيًا يخدم الحوثيين، قائلاً: "طالما ظلّ المطار مغلقًا، سيواصل الحوثيون ابتزاز الأمم المتحدة عبر موظفيها ومكاتبها، مستفيدين من التسهيلات المقدمة لهم".

وأوضح أن استمرار حملات الاعتقال والإخفاء التي ينفذها الحوثييون بحق موظفي المنظمات الدولية يعود، بحسب قوله، إلى "تساهل" منسق الأمم المتحدة المقيم للشؤون الإنسانية في اليمن جوليان هارنيس.

وقال الدبعي إن هارنيس "يرسل تقارير داخلية إلى المسؤولين الأمميين في نيويورك، يشير فيها إلى أنه حصل على اتفاقات ووعود من الحوثيين بالإفراج عن الموظفين المحتجزين، غير أن الواقع يثبت عكس ذلك"، مضيفًا أن "ما يجري الآن هو الحملة الثالثة من نوعها، ما يعني أن المعلومات التي يقدمها المنسق الأممي غير دقيقة".

ولفت إلى أن "عدداً من المباني التابعة للأمم المتحدة في صنعاء تم الاستيلاء عليها من قبل الحوثيين، بينما تحدث المنسق الأممي في آخر بيان له عن استهداف مبنى واحد فقط تابع لليونيسف، وهو أمر غير صحيح"، على حد قوله.

وأضاف الناشط الدبعي أن الأمم المتحدة لم تلجأ حتى الآن إلى استخدام ما وصفه بـ"القوة الناعمة" في التعامل مع انتهاكات الحوثيين ضد موظفيها.

وبيّن أن المقصود بـ"القوة الناعمة" هو تعليق أنشطة الأمم المتحدة في مناطق سيطرة الحوثيين، ووقف الدعم الإنساني مؤقتًا، ومنح الموظفين إجازات، وإيقاف العمل الميداني كوسيلة ضغط غير مباشرة، مضيفًا أن المنظمة "لم تستخدم هذه الوسائل رغم أنها لا تمتلك أدوات عسكرية، كونها جهة مدنية تُعنى بتقديم المساعدات الإنسانية، وهو أمر يقدّره جميع اليمنيين، لكنها في المقابل تُعرّض موظفيها للخطر باستمرار".

وأضاف أن هناك تمييزًا في تعامل المنظمة مع الموظفين المحليين مقارنة بالأجانب، مشيرًا إلى أنه "لو كان المعتقلون من الموظفين الأجانب لكان الموقف مختلفًا"، مستدلًا بحادثة اعتقال نائبة ممثل منظمة اليونيسف، لونا شكري وهي أردنية الجنسية، مشيرا إلى أن "تلك الحادثة أثارت تفاعلًا سريعًا من الأمم المتحدة، على عكس ما يحدث مع الموظفين اليمنيين".

وأكد الناشط رياض الدبعي أن المجتمع الدولي ومنظمات المجتمع المدني ما يزالان عاجزين عن اتخاذ أي خطوات فعلية تجاه ما يجري في مناطق سيطرة الحوثيين، مضيفًا أن "البيانات لم تعد تجدي نفعًا، ولم تخدم أحدًا، لأن المجتمع الدولي حرفيًا عاجز عن التحرك أو التأثير"، على حد قوله.
 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI