هذا الصيف، يجذب بريتون وودز – "أفضل منتجع تزلج" في ولاية نيوهامشير – الزوار خارج الموسم بوعد بتوفير "مرح محلق".
قد يرى بعض أن الجولة بمركبات معلقة فوق قمم الأشجار التي يعرضها – حيث يمكن للمغامرين تجربة هبوط طوله 300 ياردة (274.32 متر) بين قمم الأشجار من مركبات تسير على أسلاك معدنية بسرعة 30 ميلاً (48.28 كيلومتر) في الساعة – استعارة مناسبة للاضطرابات السياسية والاقتصادية التي شهدتها الأعوام الـ16 منذ الأزمة المالية.
لا يركز فريق التسويق في المنتجع كثيراً على الاحتفال بالذكرى الـ80 للمؤتمر الذي أوجد سلسلة من القواعد الجديدة للنظام النقدي الدولي بعد الحرب.
في يوليو/ تموز 1944 اجتمع حوالى 44 عضواً من أعضاء الأمم المتحدة الناشئة، بتوجيه من ميثاق الأطلسي الذي أقره تشرشل وروزفلت، وذلك لمدة ثلاثة أسابيع لوضع نظام مالي دولي جديد يستند إلى التجارة الحرة والأسواق الحرة والدعم القصير المدى للاقتصادات التي تواجه صعوبات.
أدى ذلك إلى إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية، الذي أصبح لاحقاً البنك الدولي.
كان مؤتمر الأمم المتحدة النقدي والمالي هذا تتويجاً لعامين من العمل في واشنطن ولندن، وقاد العمل في العاصمة البريطانية العالم الاقتصادي جون مينارد كينز – الذي كان موظفاً صغيراً مستاءً في مؤتمر فرساي للسلام عام 1919.
كان مصمماً على ألا تتكرر حماقة فرض صعوبات اقتصادية قاسية على البلدان المهزومة. كذلك تأثر هو وفريق روزفلت في الدروس المستقاة من سياسات التجارة الحمائية والإنفاق العام المحدود التي طبقتها معظم الحكومات في الأعوام الأولى من الكساد الكبير.
كان الغرض من صندوق النقد الدولي مساعدة البلدان التي تواجه اختلالات (مالية) خارجية قصيرة المدى من خلال منح قروض قصيرة الأجل، بينما يوفر البنك الدولي قروضاً طويلة الأجل للبلدان حتى تتمكن من تنفيذ مشاريع وهيكليات تعزز النمو الاقتصادي.
وكانت هاتان المؤسستان، إلى جانب الأمم المتحدة نفسها وفروعها المختلفة، هما الأساسان اللذان انتعشت عليهما الولايات المتحدة المزدهرة، والمملكة المتحدة المتراجعة، وأوروبا في نهاية المطاف، واليابان المُجددة في ظل النظام العالمي الجديد الذي لم يتحدَّه أحد خلال ما تبقى من القرن.
ومع ذلك تغير العالم اليوم بطرق عدة – وأية إعادة تشكيل لنظام بريتون وودز يجب أن تعكس تلك التغييرات.
ازداد دور الأسواق الناشئة في الاقتصاد العالمي. لقد ارتفعت حصة الأسواق الناشئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من حوالى 18% عام 1988 إلى حوالى 40% العام الماضي.
من الواضح أن صعود الصين يحمل أهمية خاصة، إذ ارتفعت حصتها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من اثنين في المئة عام 1987 إلى 17%ة.
عام 1987، كانت الهند خارج أكبر 10 اقتصادات، لكنها الآن تسهم بحوالى أربعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ولهذه الأهمية التي تتسم بها الأسواق الناشئة في الاقتصاد العالمي تداعيات على التجارة العالمية، والطلب على السلع وأسعارها.
نشهد أيضاً اتجاهاً واضحاً نحو العودة عن العولمة، بدءاً من التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة. لقد أصبحت تدفقات التجارة، مع ذلك، أمراً يتطلب مهارات أكثر ومعرفة أكبر على صعيدي العمالة ورأس المال.
وستسهل البنية التحتية الرقمية المتوسعة التجارة من دون أية حركة فعلية للبضائع. لذلك من غير المحتمل وقف عملية العولمة، بل مجرد تغير شكلها.
في الوقت نفسه، أعادت الجغرافيا السياسية تشكيل العلاقات الاقتصادية العالمية. تعيد البلدان تقييم شركائها التجاريين بناءً على المخاوف الاقتصادية والأمنية الوطنية، بينما تزداد الأخطار الجغرافية السياسية. ويصبح توجه تجارة البضائع وتدفقات رأس المال إقليمياً أكثر. وقد عززت جائحة كوفيد هذه الاتجاهات.
يجب أن تصبح مؤسستا بريتون وودز أكثر شمولية، وأن تحتضنا دور البلدان الناشئة في الاقتصاد العالمي وأن تزيلا الطابع السياسي عن قراراتهما. لقد وُلِدت هاتان المؤسستان في عالم كانت فيه الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة، بلد مزدهر يتمتع بالقوة الاقتصادية لفرض النظام. وانضمت إليها كندا وأوروبا الغربية، ولاحقاً اليابان لتشكيل التحالف الغربي الذي ظل لا يواجه تحدياً حتى صعود الصين أخيراً إلى مستوى القوة الاقتصادية والعسكرية العظمى.
سيكون البديل أن تشكل الأسواق الناشئة تحالفها الخاص، وهو ما بدأت تفعله مع توسع مجموعة "بريكس" (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) هذا العام لتضم ست دول جديدة: الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات.
هذه المجموعة مثيرة للإعجاب في حجمها ونفوذها، ويحاول أعضاؤها تصحيح الأخطاء التي يرونها في النظام العالمي الذي يحابي الغرب بقيادة الولايات المتحدة. ومع ذلك، يتلخص التحدي الذي يواجه كلاً من "بريكس" ومؤسسي نظام بريتون وودز في تجنب أية قفزة سريعة أخرى غير مدروسة.