إذا كنت تبحث عن طريقة سهلة لزيادة عوائد الأصول، فما عليك سوى شرائها بأموال مقترضة بأسعار فائدة منخفضة... وهذا بالتحديد هو جوهر ما يُعرف باسم "تجارة الفائدة" بالعملات الأجنبية (أو ما يطلق عليه بالإنجليزي Carry Trade).
في هذه التجارة يستغل المستثمرون الفارق في أسعار الفائدة بين بلدين، بحيث يقترضون من الدولة التي يكون سعر الفائدة فيها منخفضاً، ثم يستثمرون في الدولة الأخرى التي تكون فيها الفائدة مرتفعة.
وتنتعش تجارة الفائدة على الأخص عندما تتبنى بنوك مركزية في أجزاء مختلفة من العالم سياسات نقديةً متباينةً، فبينما قد تتجه دولة لكبح التضخم يمكن أن تسعى أخرى إلى تعزيز النمو، ومن هنا ينشأ اختلاف السياسات النقدية.
لكن احذر؛ فهذه الصفقات يمكن أن تؤدي أيضاً إلى خسارة كبيرة، نظراً لأن أسعار صرف العملات عرضة لتصحيحات غير متوقعة. وهو ما حدث بالفعل مؤخراً عندما بدأ الين الياباني في الارتفاع الحاد خلال يوليو، مما أحدث فوضى في الأسواق العالمية.
1- لماذا يطلق عليها اسم "تجارة الحِمل" أو (Carry Trade)؟
في لغة التمويل، فإن "حِمل" الأصل هو العائد المُتحصّل عليه من الاحتفاظ به. لذا فإن تجارة الفائدة تنطوي على شراء عملة و"حملها" حتى تحقق ربحاً.
2- كيف تنجح تجارة الفائدة؟
وفق النظرية الاقتصادية فهذه الاستراتيجية من المفترض أنه محكوم عليها بالفشل. فأسعار الفائدة المرتفعة تعني أن دولة ما لديها أساسيات اقتصادية ضعيفة أو تضخم جامح، وبالتالي يجب أن تنخفض قيمة عملتها. لذا فإن الفرق في أسعار الفائدة بين بلدين يجب أن يعكس المعدل الذي يتوقع المستثمرون به انخفاض قيمة العملة ذات أسعار الفائدة المرتفعة مقابل العملة ذات أسعار الفائدة المنخفضة.
3- إذا كان الأمر كذلك، فلماذا تستمر؟
في الممارسة العملية، عادة ما يكون المستثمرون المتعطشون للعائد على استعداد للتغاضي عن الأساسيات الضعيفة إذا كانت المكافأة عالية بما يكفي. ثم يساعد تجار الفائدة أنفسهم في تعزيز قوة العملة ذات أسعار الفائدة المرتفعة من خلال الاستثمار فيها.
وعندما يحدث ذلك، يرغب المزيد من المستثمرين في المشاركة في هذه التجارة، مما يساعد سعر صرف العملة على الارتفاع أكثر.
غير أن هذه النظرية لا تتطابق دائماً مع الواقع. ففي بعض الأحيان، تصل أسعار الفائدة المرتفعة إلى نقطة تحول عندما يبدأ صناع السياسات في إصلاح اقتصادهم، مما يدفع إلى رفع قيمة أصول البلاد.
4-لماذا يُعد الين الياباني مهماً جداً لتجارة الفائدة؟
كانت تجارة الفائدة حتى تسعينيات القرن الماضي محصورة في عالم مديري صناديق التحوط الذين يراهنون على عملات الأسواق الناشئة الغامضة، وكان المصطلح غير معروف في سبل التمويل السائدة. ثم خفض بنك اليابان أسعار الفائدة إلى ما يقرب من الصفر، وأدرك المتداولون في جميع أنحاء العالم أن بوسعهم تحقيق ربح من الاقتراض بالين لشراء أصول مقومة بالدولار.
لكن هذه الفقاعة انفجرت عام 1998 عندما ارتفع سعر صرف العملة اليابانية 16% مقابل الدولار في أسبوع واحد فقط، لتتخلى عن مسار ربح سلكه مستثمرو تجارة الفائدة طوال عدة سنوات. وتلقت التجارة ضربة أخرى عندما ارتفع سعر صرف الين عام 2007 مقابل الدولار بعد بداية أزمة الرهن العقاري.
5- هل يعيد التاريخ نفسه الآن؟
ربما. فقد أصبحت تجارة الفائدة الممولة بالين شائعةً مرةً أخرى في العقد الماضي مع استمرار انخفاض التقلبات ورهان المتداولين على أن أسعار الفائدة اليابانية ستظل عند أدنى مستوياتها. ثم رفع بنك اليابان أسعار الفائدة لأول مرة منذ 17 عاماً في مارس ورفعها مرة أخرى في أغسطس.
وأدت الخطوة الثانية، إلى جانب خطاب بنك اليابان الأكثر ميلاً للتشديد النقدي والمخاوف من تباطؤ اقتصادي في الولايات المتحدة، إلى زيادة التقلبات في العملة. كما أدى الاندفاع اللاحق لإغلاق مراكز الين البيعية إلى زعزعة الأسواق الناشئة والمتقدمة التي كانت وجهات للمستثمرين الذين يتبنون استراتيجيات تهدف إلى تحقيق عوائد أعلى.
6- ما حجم الأموال المعرضة للخطر؟
يصعب تحديد رقم معين في هذا الصدد. فتجارة الفائدة تتم من خلال معاملات العملة التي يصعب تتبعها. وإحدى طرق الحصول على تقدير تقريبي هي من خلال تفحص العقود التي جمعتها هيئة تداول العقود المستقبلية للسلع.
وتُظهر هذه البيانات أن صناديق التحوط والمستثمرين غير التجاريين الآخرين كانوا يحتفظون بنحو 184 ألف عقد آجل تراهن على انخفاض الين في بداية يوليو.
وكانت قيمتها الاسمية تتجاوز 14 مليار دولار، وفق بيانات الهيئة الأميركية، على الرغم من أن التجارة في الواقع ربما تكون أكبر من ذلك بكثير. وأظهرت أحدث البيانات الأسبوع الماضي أن هذه المراكز تقلصت إلى نحو 6 مليارات دولار.
7- هل تجارة الفائدة مهددة دائماً؟
لا. ولكن عندما تكون كذلك، فقد تحدث مشكلة كبيرة. فخبراء الاقتصاد شبّهوا تجارة الفائدة بالتقاط بضع بنسات ملقاة أمام قطار سريع، حيث يكون المال موجوداً هناك لمن يأخذه، بشرط أن يفعل ذلك بسرعة قبل أن يسحقه القطار.
من الأمثلة البارزة على حجم الخسائر ما حدث في صندوق التحوط الأمريكي "إف إكس كونسبتس" (FX Concepts) عام 2013 بعدما تأخر في الاستجابة لقرارات البنوك المركزية حول العالم التي خفّضت أسعار الفائدة إلى الصفر تقريباً.
كما يمكن أن تتعرض تجارة الفائدة لانتكاسة بسبب تشديد السياسة النقدية في بلد العملة ذات الفائدة المنخفضة، أو بسبب حدث غير متوقع يقلل من جاذبية العملة المستهدفة، أو ببساطة نتيجة إدراك السوق أن العملة المستهدفة لم تعد مرتبطة بالأساسيات الاقتصادية.