21 نوفمبر 2024
6 سبتمبر 2024
يمن فريدم-اندبندنت عربية-محمد غندور
أدانت الأمم المتحدة قوانين طالبان الجديدة وأعربت عن قلقها بشأن فرضها (رويترز)


دعونا نستعرض سوياً، ماذا يمكن للمرأة أن تعمل في أفغانستان، بعد استعادة حركة "طالبان" السيطرة على البلاد في أغسطس/ آب 2021.

بإمكانها المشي داخل المنزل بكل حرية، ومن دون أن تعيق تحركاتها أي حواجز أمنية، ولن تلاحقها شرطة الأخلاق. ويمكنها أيضاً الأكل والشرب والاستحمام، وتنظيف المنزل، والخروج إلى الحديقة إن وجدت، شرط أن تكون مسيجة ولا تطل على أي منظر غير لائق، وبإمكانها أيضاً الحبَل والإنجاب، وإمتاع الرجل، والحديث مع نفسها، ومشاطرتها أفكارها. وإذا أرادت الخروج إلى السوق أو المستشفى مثلاً، يجب أن يرافقها محرم، وإلا لا حاجة إلى التبضع أو الاستشفاء.

وبإمكان الأفغانية أيضاً، الحلم لكن بصمت، والتأمل والانتظار الذي قد يطول إلى أن تغادر الحياة، والقراءة داخل المنزل كتباً دينية، أو قرآن، لأنها ممنوعة من الذهاب إلى المدرسة أو الجامعة، بعد إتمامها السنة الدراسية السادسة. كما يمكن لها الغضب حين تكون بعيدة من أعين "طالبان"، وتخيل تظاهرة تندد بأفعال الحركة القمعية، وإلقاء خطبة ثورية في منامها.

ويمكن أيضاً لهذه السيدة الحزينة، العمل بالخياطة داخل المنزل، أو موظفة أمن لتفتيش الركاب الإناث في المطار، أو ممرضة في مستشفى عند الحاجة، بخاصة بعد سلسلة الزلازل التي أصابت البلاد عام 2023، إذ سمح النظام بتشكيل فرق نسائية لزيارة المناطق المتضرِّرة وتقديم الرعاية للضحايا من النساء.

ولأنها ممنوعة من السفر إلى الخارج، سمح النظام الجديد لسيدات أعمال، بالمشاركة الافتراضية عبر الإنترنت بمعرض في دبي للترويج للسجاد والمجوهرات. وبهذه الحركة، أسهمت "طالبان"، في تعزيز دور المرأة في المجتمع، ومساواتها مع الرجل!

هذا ما يحدث فعلاً في الأفغانيات اللواتي بتن يعشن في سجن كبير المنزل – الوطن. لسن قادرات على فعل شيء، وأي مواجهة جريئة مع السلطات، تعرضهن للقتل أو التعذيب أو الاحتفاء ربما.

أسامة

بعد تجربة "طالبان" الأولى في الحكم (1996-2001)، قدّم المخرج الأفغاني صديق برمك تحفته الفنية "أسامة" عام 2003، والذي عرض للمرة الأولى في مهرجان كان، ويروي قصة فتاة، ترفض واقعها فتتنكر في زي فتى طوال الوقت لا تعاني ما تعانيه بنات جنسها.

ويعرض الفيلم مئات النساء أشبه بظلال متماثلة في البرقع يتظاهرن في شوارع قرية أفغانية مكسوة بالغبار وهن يرفعن لافتات كتب عليها "نريد عملاً" و"نحن أرامل" و"ليس الأمر سياسياً"، والتي تعتبر آخر انتفاضة نسائية للمطالبة بحقوق المرأة، سرعان ما سحقتها حركة "طالبان" بخراطيم المياه.

وإزاء استحالة الخروج من منزلها، تقرر الفتاة بمساعدة والدتها التنكر في ثياب صبي في محاولة لإيجاد عمل وإعالة ذويها بعدما حصدت الحرب جميع رجال عائلتها. ويقودنا المخرج عبر هذه الحبكة في رحلة إلى فضاءات عالمين مغايرين عالم الرجال وعالم النساء في هذا البلد.

ويقول برمك إنه استوحى فيلمه من قصة حقيقية، وصوّره عام 2002 في كابول مفضلاً اختيار ممثلين غير محترفين لتجسيد شخصياته. شكل العمل صدمة لكثير ممن لا يعرفون شيئاً عن وضع المرأة في أفغانستان، وعرض بواقعية المشكلات التي تواجهه النساء في هذا البلد.

قيود

قيدت حركة "طالبان" حصول المرأة الأفغانية على العمل والسفر والرعاية الصحية إذا كانت غير متزوجة أو ليس لديها ولي أمر. ووفقاً لتقرير جديد للأمم المتحدة، نصح مسؤولون من وزارة الرذيلة والفضيلة امرأة بالزواج، إذا أرادت الاحتفاظ بوظيفتها في منشأة للرعاية الصحية، قائلين إنه من غير المناسب أن تعمل امرأة غير متزوجة.

مقابل كل هذه الامتيازات و"الحرية الفردية التي منحتها الحركة للأفغانيات"، منعتهن من الظهور في الحياة العامة والمدارس والجامعات وصالونات التجميل والوزارات والمؤسسات الحكومية، وألغتهن من خططها المستقبلية. كما أبعدت وسائل الإعلام مذيعات الأخبار عن عملهن، واستبدلت البرامج السياسية بمناقشات حول العقيدة الإسلامية.

وتشير تقديرات منظمة العمل الدولية، إلى أن 25 في المئة من وظائف النساء قد فقدت منذ استيلاء الحركة على السلطة. وفي أعقاب إغلاق مدارس الفتيات فوق الصفِّ السادس، بدأت حركة "طالبان" بتعيين فائض المعلِمات للعمل في مناطق نائية، ما أجبرَ العديد منهن على ترك وظائفهن بسبب صعوبة المواصلات والتحديات اللوجستية التي تفرض عليهنّ أن يُرافقهنَّ "محرم" أثناء التنقُّل.

ونتيجةً لذلك، لجأت العديد من النساء العاملات إلى الأعمال المنزلية مثل الخياطة، ما أدَّى إلى انخفاض دخلهنَّ بشكلٍ كبير.

ووجدت النساء في الكثير من القطاعات الأخرى أنَّه لم يعد بإمكانهنَّ ربط أعمالهنَّ بالفُرص المتاحة في الخارج. وفي ظلِّ القيود المتعلِّقة بالتأشيرات والأوامر الحكومية، بقيت هذه الأعمال محلية بالكامل، وظلَّت محصورة ضمن نطاق ضيق، مكتفِية بتلبية الحاجات المحلية المتضائلة.

لم تكتف الحركة بكل ذلك، بل أصدرت أواخر الشهر الماضي، قوانين جديدة تهدف، كما أوضحت، إلى "مكافحة الرذيلة وتعزيز الفضيلة". وتحظر هذه القوانين على النساء الحديث بصوت عالٍ في الأماكن العامة، وتحرّم كشف وجوههن خارج منازلهن.

وأدانت الأمم المتحدة القوانين الجديدة وأعربت عن قلقها بشأن فرضها. وحذر مسؤول كبير فيها من تطبيق القوانين الجديدة، ووصفها بأنها تطرح "رؤية مؤسفة لمستقبل أفغانستان".

وصدّق على القوانين الجديدة زعيم "طالبان" الأعلى، هبة الله آخوند زاده. وأكدت وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأفغانية عدم استثناء أحد في البلاد من تطبيق هذه القوانين.

وتتضمن الوثيقة الجديدة المؤلفة من 35 مادة، مجموعة من القوانين القاسية، منها أن أصوات النساء "أدوات محتملة للرذيلة"، و"لا يجوز للنساء الغناء أو القراءة بصوت عالٍ في الأماكن العامة، ولا السماح لأصواتهن بتخطي جدران منازلهن".

وينص القانون بالتفصيل على ضرورة تغطية المرأة لجسمها بالكامل، بما في ذلك الوجه، "لتجنب إغراء الرجال والفتنة".

ولكن كيف ردت الأفغانيات على هذا القانون؟

نشرت نساء داخل البلاد وخارجها مقاطع فيديو لأنفسهن وهن يغنين، احتجاجاً على قانون "طالبان" الذي يحظر أصوات النساء في الأماكن العامة. وبدأت أفغانيات بتسجيل مقاطع فيديو لأنفسهن وهن يغنين، في تحد لسياسات "طالبان" لإخفاء النساء عن المجال العام.

وقالت امرأة تبلغ من العمر 23 سنة بعد نشر مقطع الفيديو الخاص بها "لا يمكن لأي أمر أو نظام أو رجل أن يغلق فم امرأة أفغانية". وظهرت هذه السيدة في مقطع الفيديو طوله 39 ثانية التقط في الهواء الطلق، وقالت فيه "أنا لست تلك الضعيفة التي ترتجف في كل ريح. أنا من أفغانستان".

وفي مقطع فيديو آخر يعتقد أنه سُجل في كابول، تظهر امرأة وهي تغني مرتدية ملابس سوداء تغطيها من الرأس إلى القدمين، وتقول "أسكتّم صوتي في المستقبل المنظور. سجنتموني في منزلي بسبب جريمة كوني امرأة".

وفي مقاطع فيديو أخرى، ظهرت نساء أفغانيات يغنين بمفردهن أو في مجموعات صغيرة، مستخدمات وسوماً مثل "صوتي ليس ممنوعاً"، و"لا لطالبان"، بينما يرفعن أصواتهن ضد ما وصفه مسؤولون من الأمم المتحدة بأنه "فصل عنصري قائم على النوع الاجتماعي".

ودعت المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى إلغاء القيود الجديدة التي تستهدف النساء، ووصفتها بأنها "غير مقبولة على الإطلاق".

الحقبة الأولى

تميزت فترة حكم "طالبان" الأولى بين عامي 1996 و 2001، بأعمال وحشية ضد النساء مثل قطع الرأس والرجم حتى الموت والإجبار على ارتداء البرقع، وحكمت الجماعة أفغانستان بموجب تفسير متزمت للشريعة الإسلامية، وحظرت التلفزيون والموسيقى والسينما.

وفي دراسة أجرتها منظمة "أفغان ويتنس"Afghan Witness ، وجدت ادعاءً بانتهاك حقوق الإنسان في أفغانستان منذ استحواذ "طالبان" على السلطة في البلاد. وأفادت الدراسة بوجود مئات التقارير المتعلقة بنساء قُتلن بعنفٍ على يد "طالبان" مع إظهار الأرقام "زيادة تدريجية" في قضايا قتل النساء. وورد في التقرير أنه "منذ يناير 2022، سجلت منظمة "أفغان ويتنس" تقارير لنساء قُتلن بشكلٍ فردي وغالباً في ظروف عنف شديد ووحشية كبيرة".

وأشار الباحثون إلى أنهم سجلوا 188 حالة مماثلة في أنحاء البلاد، وتضمنت التقارير حالات عن نساء قُطعت رؤوسهن أو أطلق النار عليهن فضلاً عن القتل طعناً. وبحسب دراسة "أفغان ويتنس"، أُلقيت جثثهن في معظم الأحيان في الأنهار أو الشوارع، وكشفت التقارير أحياناً بأن أجسادهن أظهرت تعرضهن للتعذيب أو الخنق.

وفي هذا السياق، قال دافيد أوزبورن من مشروع "أفغان ويتنس"، "لقد نكثت حركة طالبان بالعديد من الوعود التي قطعتها سابقاً في ما يتعلق بحقوق الإنسان وخصوصاً حقوق النساء والفتيات، منذ ذلك الحين، رأينا تزايداً في حالات قتل الإناث المبلغ عنها، وإعادة تطبيق عمليات الجلد والإعدامات العلنية وارتفاعاً مطرداً لحالات قتل، واحتجاز أفراد الأمن والقوات المسلحة السابقين، واستمرار قمع المجتمع المدني ووسائل الإعلام والناشطين".

بعد الإطاحة بالحركة عام 2001، حققت المرأة الأفغانية تقدماً كبيراً، وشغلت مناصب مهمة مثل وزيرة ورئيسة بلدية وقاضية وضابط شرطة. لكن اليوم لا يمكن للمرأة الأفغانية التنبؤ بالمستقبل الذي ينتظرها بعد عودة "طالبان" مجدداً إلى السلطة.

البداية

في أول مؤتمر صحافي لها في أغسطس/ آب 2021 في العاصمة الأفغانية كابول، بعد استيلائها على البلاد، قالت "طالبان" إنها لن تسمح بأن تكون أفغانستان ملاذاً آمناً للإرهاب، ووعدت باحترام حقوق المرأة وفق الشريعة الإسلامية.

وقال المتحدث باسم الحركة، ذبيح الله مجاهد، إن "المرأة ستكون نشطة للغاية في مجتمعنا، وسيسمح لها بالعمل في إطار قوانيننا الإسلامية"، لكن ما عناه سابقاً، بات واضحاً الآن عبر إقصائها من الحياة العامة، وحصرها في المنزل فقط، وحرمانها الطبابة والتعليم والتنفس أحياناً.

وفي واحدةٍ من أولى خطواتها بعد الاستحواذ على السلطة، ألغت "طالبان" وزارة شؤون المرأة الأفغانية، وأعادت إنشاء "وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وهي هيئة تُعنى بفرض المبادئ الأخلاقية وتسعى إلى منع انتهاكات الشريعة الإسلامية.

وبينما بدأت النساء بالاختفاء من الحياة العامة، فإن عدد النساء المعوزات، اللواتي حُرمن من الحق في العمل والقدرة على إعالة أسرهن، واللواتي يتسولن طلباً للمساعدة بدا ملحوظاً بشكل متزايد في الشوارع.

وعلى رغم أن النساء غير محظورات من العمل، إلا أن معظم وظائف الخدمة المدنية تمنع توظيفهن، مع بعض الاستثناءات القليلة - بخاصة في مجالي الصحة والتعليم. وقد تم استبعاد العديد منهن من الوظائف في الوزارات الحكومية. أما في القطاع الخاص المحدود الذي يُهيمن عليه الذكور، فإن فرص النساء في التوظيف نادرة.

وأدى حل "طالبان" للإطار المؤسسي لدعم الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي إلى زيادة تقويض حقوق النساء والفتيات الأفغانيات على هذا الأساس. ويقدم مرسوما 24 ديسمبر/ كانون الأول 2022 و4 أبريل/ نيسان 2023 اللذان يهدفان إلى منع النساء من العمل في المنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة، على التوالي، دليلاً إضافياً على التمييز القائم على النوع الاجتماعي.

واشتراط سفر النساء مع محرم، أو وصي ذكر، في الرحلات الطويلة، والمرسوم الذي ينص على ملازمة النساء المنزل ما لم تكن مغادرتها ضرورية، وقواعد اللباس الصارمة لـ"طالبان"، تنتهك حرية المرأة في التنقل وحرية اختيار ما ترتديه في الأماكن العامة.

وتنتهك القيود التمييزية التي فرضتها "طالبان" على النساء والفتيات ضمانات حقوق الإنسان الواردة في العديد من المعاهدات الدولية التي تعد أفغانستان طرفاً فيها، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل.

وأبلغت وزارة الاقتصاد في حكومة "طالبان" كافة المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية العاملة في أفغانستان بأن تطلب من الموظفات العاملات بها التوقف عن القدوم للعمل أو سيتم سحب التراخيص الممنوحة لهن بممارسة عملها داخل البلاد.

كانت آخر الأماكن التي تستطيع فيها النساء التجمع بعيداً من أعين "طالبان" هي صالونات تصفيف الشعر والتجميل، لكن الحكومة أغلقتها. وتفيد التقديرات بأن نحو 60 ألف امرأة كانت تعمل كموظفة في الصالونات.

تقول النائبة البرلمانية السابقة فرزانه كوتشاي "لا نعرف شيئاً عن أجنداتهم، ما يقلقنا هو أنهم لا يتطرقون إلى الحديث عن النساء إطلاقاً"، موضحة أن الحكومة التي تخلو من النساء، لن ينظر إليها المجتمع الدولي والمجتمع المدني على أنها حكومة مسؤولة "لا ينبغي إبعادنا عن المجتمع، يجب أن نواصل عملنا ونظل في الحكومة وفي أي مكان نريد".

وتضيف "ليست كل النساء خائفات ويحبسن أنفسهن في منازلهن، لكن كثيرات تغيرن نفسياً واجتماعياً وسياسياً، وبات معظمنا يختبئ. لا يمكننا حتى أن نكون على مواقع التواصل الاجتماعي أو القيام بوظائفنا أو الخروج من منازلنا".

وخلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي، قالت رئيسة بعثة الأمم المتحدة إلى أفغانستان روزا أوتونباييفا إن "القيود المفروضة على النساء والفتيات"، بخاصة في مجال التعليم، تحرم البلاد من رأسمال إنساني حيوي... وتسهم في هجرة الأدمغة التي تقوض مستقبل أفغانستان". وأشارت إلى أن هذه القيود "تستمر في منع التوصل إلى حلول دبلوماسية يمكن أن تؤدي إلى إعادة دمج أفغانستان في المجتمع الدولي".

أرقام

تفيد منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونيسكو"، بأن ما لا يقل عن 1.4 مليون فتاة في أفغانستان حُرمن من التعليم الثانوي منذ عودة طالبان إلى السلطة عام 2021، ما يعرض مستقبل جيل كامل للخطر.

وتوضح اليونيسكو في بيان أن الوصول إلى التعليم الأساسي تراجع أيضاً بشكل حاد، إذ انخفض عدد الفتيات والفتيان الملتحقين بالمدارس بنحو 1.1 مليون. وأعربت المنظمة الأممية عن قلقها "إزاء العواقب الضارة لهذا المعدل المتزايد لعدم الالتحاق بالمدارس الذي قد يؤدي إلى زيادة عمالة الأطفال والزواج المبكر".

وتوضح "في غضون 3 سنوات فقط، قضت سلطات الأمر الواقع تقريباً على عقدين من التقدم المطرد للتعليم في أفغانستان، ومستقبل جيل كامل أصبح الآن في خطر". وأشارت المنظمة إلى أن هناك الآن نحو 2.5 مليون فتاة حرمن من حقهن في التعليم، وهو ما يمثل 80% من الفتيات الأفغانيات في سن الدراسة.

وأفغانستان هي الدولة الوحيدة في العالم التي تمنع الفتيات والنساء من الالتحاق بالمدارس الثانوية والجامعات.

تظاهرات

منذ عودة "طالبان" إلى الحكم، ثمة محاولات من أفغانيات لتنظيم احتجاجات على سوء أحوالهن، لكنها غالباً ما تنتهي بالاعتقال أو الضرب أو التفريق أو الوصم وربما القتل. ومع مطلع هذه السنة، باتت تظاهرات النساء نادرة في أفغانستان بعد توقيف ناشطات شهيرات.

تستهدف "طالبان" باستمرار النساء والفتيات اللواتي تشاركن في التظاهرات السلمية من خلال اعتقالهن واحتجازهن وإخفائهن قسراً. وأثناء احتجازهن، تعرضت النساء للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، وأجبرن على التوقيع على اعترافات أو تعهدات يلتزمن فيها بعدم التظاهر مرة أخرى.

ففي أغسطس/ آب 2021، خرجت تظاهرة نسائية في كابول للمرة الأولى منذ سيطرة "طالبان" على المدينة والبلاد، يرددن أمام مسلحي الحركة هتافات تطالب بالحصول على حقوقهن في التعليم والعمل في مختلف القطاعات.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، تظاهرت نحو 15 امرأة أفغانية لفترة وجيزة في العاصمة دفاعاً عن "حقوقهن حتى النهاية"، عشية إحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة.

ورفعت المتظاهرات وهن من أعمار مختلفة أيديهن ورددن شعار "نساء، حياة، تضامن".

وكُتب على لافتة رفعتها إحدى المشاركات "سنقاتل من أجل حقوقنا حتى النهاية، ولن نستسلم"، فيما كتب على أخرى "أمريكا والغرب خانا النساء الأفغانيات". وكتب على ثالثة "إن الحالة المروعة للمرأة الأفغانية وصمة عار على ضمير العالم".

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2022، تظاهرت مجموعة صغيرة من النساء الأفغانيات في كابول لفترة قصيرة في تحدّ لنظام حركة "طالبان" التي حظرت عليهن ارتياد الجامعات.

وفي مارس/ آذار 2023، شوهدت مجموعات من الفتيات الأفغانيات ينظمن احتجاجاً خارج جامعة كابول في العاصمة الأفغانية بينما عاد نظراؤهن الذكور إلى مقاعد الدراسة.

وفي أبريل/ نيسان من العام ذاته، تظاهرت أكثر من 20 امرأة لفترة وجيزة في كابول احتجاجاً على اعتراف دولي محتمل بحكومة "طالبان"، وسارت نحو 25 أفغانية في أحد شوارع كابول لمدة عشر دقائق، ورددن "الاعتراف بطالبان انتهاك لحقوق المرأة!" و"الأمم المتحدة تنتهك الحقوق الدولية".

وفي يوليو/ تموز فرقت قوات الأمن تظاهرة نسائية، خرجت احتجاجاً على إغلاق صالونات التجميل. وكُتب على لافتة رفعتها متظاهرات في شارع بوتشر في العاصمة، حيث الكثير من صالونات التجميل، "لا تأخذوا منّي خبزي ومائي".

وعلى رغم الأخطار، تواصل الأفغانيات الاحتجاج ضد المظالم. وشاركت ناشطات مثل ظريفة يعقوبي وباروانا نجارابي تجاربهن المروعة مع التعذيب والسجن بسبب دفاعهن عن حقوق المرأة.

وتسلط هذه الروايات الضوء على المقاومة المستمرة داخل أفغانستان، إذ تتحدى النساء بشجاعة سياسات "طالبان" القمعية، إذ سجلت منظمة "روخشانا ميديا" ما لا يقل عن 221 نشاطاً احتجاجياً من النساء والفتيات على مدى العامين الماضيين.

المنظمات الدولية

تفيد منظمة العفو الدولية ولجنة الحقوقيين الدولية في تقرير جديد بأنه ينبغي التحقيق في القيود الصارمة التي تفرضها حركة "طالبان" وحملتها القمعية غير القانونية على حقوق النساء والفتيات باعتبارها جرائم محتملة بموجب القانون الدولي، بما في ذلك الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الاضطهاد القائم على النوع الاجتماعي.

ويقدم التقرير المعنون "حرب طالبان على النساء: جريمة ضد الإنسانية متمثلة في الاضطهاد القائم على النوع الاجتماعي في أفغانستان"، تحليلاً قانونياً مفصلاً للكيفية التي يمكن أن ترقى فيها قيود "طالبان" الصارمة على حقوق النساء والفتيات في أفغانستان، إلى جانب استخدام السجن والاختفاء القسري والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، إلى جريمة ضد الإنسانية تتمثل في الاضطهاد القائم على النوع الاجتماعي بموجب المادة 7 (1) (ح) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وترى منظمة العفو الدولية ولجنة الحقوقيين الدولية أنه ينبغي للمدعين العامين للمحكمة الجنائية الدولية أن يدرجوا الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الاضطهاد القائم على النوع الاجتماعي في تحقيقاتهم الجارية حول الوضع في أفغانستان.

كما تدعو المنظمتان الدول الأخرى إلى ممارسة الولاية القضائية العالمية أو غيرها من الوسائل القانونية لتقديم أعضاء "طالبان" المشتبه في مسؤوليتهم بشكل معقول عن ارتكاب جرائم بموجب القانون الدولي إلى العدالة.

وقال سانتياغو أ. كانتون، الأمين العام للجنة الحقوقيين الدولية "إن حملة الاضطهاد القائم على النوع الاجتماعي التي تشنها طالبان هي من الحجم والخطورة والطبيعة المنهجية، بحيث تشكل الأفعال والسياسات بشكل تراكمي نظاماً للقمع يهدف إلى إخضاع وتهميش النساء والفتيات في جميع أنحاء البلاد. ويشير تقريرنا إلى أن هذا يفي بجميع المعايير الخمسة المشكلة للجريمة ضد الإنسانية المتمثلة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي".

وأوضحت أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنه "منذ استيلاء طالبان على السلطة، فرضت قيوداً صارمة على حقوق النساء والفتيات في أفغانستان. لا شك في أن هذه حرب ضد النساء – فهن ممنوعات من ممارسة الحياة العامة، ومحرومات من الحصول على التعليم، وممنوعات من العمل، وممنوعات من حرية التنقل، ومعرّضات للسجن والاختفاء القسري والتعذيب، بما في ذلك بسبب معارضة هذه السياسات ومقاومة القمع. هذه جرائم دولية. إنها جرائم منظمة وواسعة الانتشار ومنهجية".

وفي تقرير مشترك إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أشار المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في أفغانستان ريتشارد بينيت، ورئيسة الفريق العامل المعني بالتمييز ضد النساء والفتيات دوروتي إسترادا-تانك، إلى أن وضع النساء والفتيات في أفغانستان هو الأسوأ على المستوى العالمي.

وأكد بينيت "أن النساء والفتيات يعانين في أفغانستان من تمييز شديد قد يرقى إلى حد الاضطهاد الجنساني، أو ما يُعرف بالفصل الجنساني، وهو جريمة ضد الإنسانية، حيث يبدو أن سلطات الأمر الواقع تَحكُم عبر ممارسَة التمييز النُظُمي بقصد إخضاع النساء والفتيات للهيمنة الكاملة."

أمّا إسترادا-تانك فقد أشارت من جهتها قائلة "فيما برزت ردود فعل عنيفة ضد حقوق النساء والفتيات في مختلف البلدان والمناطق خلال السنوات الأخيرة، لم يسجّل أي بلد آخر في العالم هذا الشكل من الاعتداءات الواسعة النطاق والمنهجية والشاملة التي استهدفت حقوق النساء والفتيات، كما هي الحال في أفغانستان".

وأصغى الخبيران إلى شهادات نساء يسعين إلى الطلاق، إلا أن القاضي حذّرهن مطلقاً ملاحظات مثل "ذراعك ليس مكسوراً، ساقك ليست مكسورة، فلماذا تطلبين الطلاق؟". وورد في التقرير أيضاً أن الشرطة تجيب النساء اللواتي يبلغنها بتعرضهنّ للعنف بأنه "يجب ألا يشتكين"، وأنهن "يستحققن الضرب على الأرجح" وأن "مثل هذه الأمور خاصة ويجب أن تبقى داخل الأسرة."

كما أن القيود المفروضة على النساء والفتيات تحدّ من حصولهن على الرعاية الصحية الروتينية والطارئة، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على صحتهن وحقوقهن الجنسية والإنجابية، وفي ظلّ تفاقم الضغوط على النظام الصحي المتدهور أصلاً نتيجة الفقر وسنوات الحرب الطويلة.

في المقابل، شددت نائبة مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان ندى الناشف، على ضرورة عدم تسامح المجتمع الدولي مع التمييز والعنف المنهجي والمتطرف ضد النساء والفتيات في أفغانستان، مؤكدة أنه لا يمكن تحقيق إمكانات البلاد المستقبلية إلا من خلال "دعم تمتع جميع النساء والفتيات الكامل والمتساوي بجميع حقوق الإنسان".

وأشارت إلى أن الاعتداء على المرأة الأفغانية لا يزال يؤثر في جميع حقوقها ويحد منها، بما في ذلك الحق في التعليم والعمل والحصول على سبل الانتصاف الفعالة للمظالم والعنف والتمييز.

وقالت نائبة المفوض السامي إن أفغانستان هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تزال تحرم فيها الفتيات من التعليم بعد المرحلة الابتدائية، مضيفة أنه من خلال هذا الحظر، "تواصل طالبان تقييد فرص تنمية الفتيات وقدرتهن على العيش بشكل مستقل في المستقبل، مما يزيد من تآكل النسيج الغني والمتنوع للمجتمع الأفغاني".

اغتصاب

وفي أول دليل مباشر على جرائم مماثلة، رصد مقطع فيديو مروع يظهر ناشطة أفغانية في مجال حقوق الإنسان تتعرض للاغتصاب الجماعي والتعذيب في أحد سجون حركة "طالبان". ويسلط هذا الفيديو، الذي تحدثت عنه "غارديان" في تقريرها، الضوء على العنف الجنسي الشديد الذي تتعرض له النساء في مراكز احتجاز "طالبان".

وتبدو في الفيديو ناشطة أفغانية تتعرض للاغتصاب الجماعي على يد حارسين في السجن، ويقول لها أحدهما "لقد ضاجعك الأميركيون طوال هذه السنوات والآن حان دورنا".

وتعتقد الناشطة أن تصوير عملية الاغتصاب، تبدو فيها عارية ووجهها ظاهر ويمكن التعرف إليها، جرى عمداً لاستخدام الفيديو لاحقاً في ابتزازها.

وقالت المرأة إنها اعتقلت لمشاركتها في احتجاج عام ضد "طالبان" وفرت بعدها من أفغانستان، وصرحت أنها بعدما انتقدت في منفاها حكم "طالبان"، أرسل إليها مقطع الفيديو مع تهديد بإرساله إلى عائلتها ونشره في الإنترنت في حال استمرت في نقد النظام.

ويسلط الفيديو الضوء على الظروف الوحشية التي تواجهها النساء في حجز "طالبان"، إذ تشيع الاعتقالات والاحتجازات التعسفية. ويسجن عدد من النساء بسبب انتهاك قواعد اللباس الصارمة ويتعرضن لمعاملة غير إنسانية، بما في ذلك العنف الجسدي والتهديدات. وتشير التقارير إلى أن هؤلاء النساء محتجزات في مرافق مكتظة مع الحد الأدنى من الغذاء والرعاية الطبية.
 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI