21 نوفمبر 2024
9 أكتوبر 2024
يمن فريدم-اندبندنت عربية-محمود الجمل
انخفضت إيرادات القناة 50% في أول شهرين من عام 2024 (أ ف ب)


تعد قناة السويس مجرى ملاحياً مهماً لنقل التجارة الدولية حول العالم، إذ كانت ولا تزال القناة جزءاً من قلب العالم النابض، لذلك عند توقف الملاحة بالقناة وتعطل مرور السفن يصاب العالم بالشلل، ويضرب الركود التجارة الدولية في مقتل، وتتصدع أعمدة الاقتصاد العالمي، مثلما حدث قبل أكثر من ثلاثة أعوام، حينما توقف المرور عبر القناة الدولية ستة أيام، عقب جنوح السفينة التجارية العملاقة "إيفر غيفين" نهاية مارس/ آذار 2021.

وإذ كان هذا المجري الملاحي الأبرز في العالم، فالأمر يزداد أهمية للدولة التي يمر من بين أراضيها هذا المجري، فالقناة التي افتتحت أمام الملاحة العالمية قبل 155 عاماً شرياناً أساسياً، يضخ مليارات الدولارات في قلب الاقتصاد المصري، وتظهر أهمية ذلك مع توقف أو تراجع الإيرادات من العملات الأجنبية، خصوصاً الدولار الأميركي وهو ما حدث أخيراً منذ اندلاع حرب السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بين إسرائيل من جانب و"حماس" و"حزب الله" من جانب آخر، إضافة إلى اضطرابات الملاحة في البحر الأحمر على أثر هجمات جماعة الحوثي على السفن العابرة.

9 توقفات عن الملاحة في 155 عاماً

افتتحت قناة السويس أمام الملاحة العالمية في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 1869، وكان طول المجرى المائي آنذاك 164 كيلومتراً، قبل أن يزداد إلى 193 كيلومتراً، واتسع عمقها من ثمانية أمتار إلى 24 متراً، وزاد عرضها من 52 متراً إلى 205 أمتار، بعد توسعات عدة في الأعوام الماضية، غيرت من حجمها بحكم وظيفتها الملاحية والإقبال المتزايد عليها.

على أية حال، تعد قناة السويس مصدراً رئيساً للعملة الأجنبية في مصر، وظلت على مر السنين تمثل المورد الثالث من حيث القيمة، بعد تحويلات المصريين بالخارج والصادرات السلعية.

توقفت حركة الملاحة في قناة السويس على مدار الـ155 عاماً منذ افتتاحها للمرة الأولى تسع مرات، أولها جاء بعد الافتتاح بـ13 عاماً، خلال الغزو البريطاني لمصر، إذ توقفت ثلاثة أيام في عام 1882، بعد نجاح القوات الإنجليزية في هزيمة الجيش المصري في معركة التل الكبير، بينما كانت المرة الثانية في 10 يونيو/ حزيران 1885، حين اصطدمت كراكة تابعة للقناة بالسفينة "كوماس ملثيل" ونتج من التصادم غرق الكراكة وتوقف الملاحة 11 يوماً.

بعد ذلك، استمرت الملاحة في القناة من دون أية مشكلات 20 عاماً، حتى الثاني من سبتمبر/ أيلول عام 1905 بعد تصادم السفينة "غاتام" بالسفينة "كلان كينع"، عقب اشتعال النيران في السفينة الأولى عقب الاصطدام وتسببت الحادثة في توقف الملاحة في القناة مدة 10 أيام.

وتوقفت الملاحة بالقناة في الثالث من فبراير/ شباط عام 1915 في غضون الحرب العالمية الأولى، كذلك الأمر خلال الحرب العالمية الثانية حتى 1942، وبعد الحرب أجريت أعمال تطهير واسعة للتأكد من نظافة المجرى الملاحي استغرق ذلك 76 يوماً توقف فيها عبور السفن.

أطول فترة توقف

وكان عام 1956 بداية لمرحلة جديدة في قناة السويس، إذ قرر الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر تأميم ونقل إدارة قناة السويس إلى المصريين، ولذلك شنت إنجلترا وفرنسا وإسرائيل حرباً أطلق عليها "العدوان الثلاثي" نتيجة لذلك توقفت الملاحة بالقناة 165 يوماً، ولم تعد الملاحة إلا بعد التطهير ورفع العائمات والقطع والسفن الغارقة في التاسع من أبريل/ نيسان 1957.

أما أطول فترات توقف الملاحة بالمجرى العالمي، كان بسبب حرب يونيو/ حزيران 1967 أو ما يطلق عليها إعلامياً "نكسة 1967"، وتوقفت الملاحة في قناة السويس ثمانية أعوام، مما أدى إلى ظهور السفن الضخمة التي تجوب طريق رأس الرجاء الصالح وكساد أسواق وانتعاش أسواق أخرى وكل شيء تغير، حينما أغلقت قناة السويس ولم يعد العالم كما كان من قبل، قبل أن تستأنف النشاط أمام الملاحة في 29 مارس 1975 حينما أعلن الرئيس الراحل محمد أنور السادات افتتاحها.

أما آخر التوقفات فكانت في 2021 بعد جنوح السفينة العملاقة "إيفر غيفن" في نهاية مارس 2021، وأغلقت القناة في وجه الملاحة العالمية ستة أيام.

وعلى رغم أن التوقفات التي شهدتها قناة السويس كانت صعبة للغاية، فإن تراجع إيرادات قناة السويس نتيجة تراجع أحجام الشحن لا يقل صعوبة، بعدما أصبحت القناة من أكثر الشرايين المهمة للاقتصاد المصري.

انخفاض أحجام الشحن بمقدار الثلثين

في مايو/ أيار الماضي قالت منصة "بورت ووتش" التابعة لصندوق النقد الدولي، إن "أحجام الشحن عبر قناة السويس المصرية انخفضت في أبريل الماضي بمقدار الثلثين مقارنة مع مستواها قبل عام، وعزت ذلك إلى التوترات الجيوسياسية التي تشهدها حركة الملاحة في البحر الأحمر".

وأشارت دراسة نشرتها الأمم المتحدة في الشهر نفسه، إلى تضرر إيرادات مصر بالفعل من السياحة وقناة السويس منذ بدء الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، بعدما أدت هجمات "الحوثيين" في اليمن المتضامنة مع "حماس" على السفن المتوجهة لإسرائيل إلى تحويل مسار إبحارها بعيداً من ممر قناة السويس.

ويهاجم الحوثيون سفناً تجارية إسرائيلية أو على علاقة مع تل أبيب في البحر الأحمر منذ أشهر احتجاجاً، كما يقولون، على الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، وتحول كثير من شركات الشحن التجارية سفنها إلى طرق أخرى.

رقم قياسي

وحققت القناة في السنة المالية 2022-2023 عائدات بلغت 9.4 مليار دولار (أعلى إيرادات سنوية تسجلها) بزيادة 35% عن السنة المالية السابقة، وفق ما أعلنت هيئة قناة السويس في يونيو 2023.

وأشار آخر تقرير لصندوق النقد الدولي إلى أن أوقات التسليم للشحنات البحرية عالمياً ارتفعت بمعدل 10 أيام أو أكثر، منذ بدء الاضطرابات في البحر الأحمر الذي تمر عبره 15% من التجارة البحرية عالمياً.

وذكر الصندوق أن حجم التجارة في قناة السويس انخفض 50% في أول شهرين من عام 2024 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، فيما قدرت الزيادة عبر رأس الرجاء الصالح بمعدل 74%.

في مايو أيضاً، أعلنت هيئة قناة السويس تراجع إيرادات القناة إلى نحو 575.1 مليون دولار خلال أبريل الماضي بانخفاض 36.5%، مقارنة بالشهر نفسه من عام 2023 التي سجلت خلاله عائدات بنحو 904.5 مليون دولار.

وحولت "ميرسك" إحدى كبار شركات الشحن ومنافسوها مسار السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح حول أفريقيا منذ ديسمبر/ كانون الأول 2023، تجنباً لهجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الشحن بسبب فترات الإبحار الأطول.

سياسة مرنة في التسعير

وفي منتصف يوليو 2024، قال رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع في بيان، إن إيرادات القناة تراجعت إلى 7.2 مليار دولار في السنة المالية 2023-2024 من 9.4 مليار دولار في السنة المالية 2022-2023.

وأضاف، أن القناة تنتهج سياسة مرنة في التسعير وفي التعامل مع الشركات العالمية، وإنها ستظل الخيار الأفضل والأكثر أمناً بالنسبة للتجارة العالمية.

وأشار إلى أن إيرادات القناة تضررت بصورة كبيرة جراء اضطرابات الملاحة في البحر الأحمر، على إثر هجمات الحوثيين على السفن.

وفي وقت سابق من الشهر الجاري، أظهر بيان للبنك المركزي المصري، انخفاض إيرادات قناة السويس إلى 5.8 مليار دولار في الفترة من يوليو 2023 إلى مارس 2024 (أول تسعة أشهر من السنة المالية الماضية المنتهية في يونيو 2024) مقارنة مع 6.2 مليار دولار في الفترة المناظرة من السنة المالية الأسبق.

وأرجع "المركزي" هذا الانخفاض بصورة أساسية إلى التوترات التي تشهدها حركة الملاحة في البحر الأحمر، مما اضطر عدداً من شركات الشحن التجارية لتحويل مسارها.

خفض رسوم العبور

وأمام هذا التراجع الكبير في الإيرادات، اضطر القائمون على إدارة القناة في الخامس من يونيو 2024 إلى مد العمل بالخفوض في رسوم المرور المقدمة لنحو 12 نوعاً من السفن والناقلات حتى نهاية العام الحالي.

وقررت الهيئة مد العمل بالخفض الممنوح لسفن البضائع الصب الجافة المحملة أو الفارغة العاملة بين موانئ أستراليا وموانئ شمال غربي أوروبا (بداية من ميناء CADIZ وشماله، واستمرار الخفوض الممنوحة لسفن البضائع الصب الجاف (المحملة/الفارغة) التي تعمل بين موانئ منطقة شرق الأميركتين حتى ما قبل موانئ دولة البرازيل من جهة وموانئ منطقة آسيا من جهة أخرى.

وأصدرت الهيئة منشوراً باستمرار العمل بالخفض الممنوح لسفن البضائع الصب الجاف (المحملة/الفارغة) العاملة في الاتجاهين بين موانئ دولة موريتانيا (وجنوبها بغرب أفريقيا) من جهة وموانئ الخليج العربي والهند وشرقها والشرق الأقصى من جهة أخرى.

وشملت القرارات مد العمل بالخفض الممنوح لسفن البضائع الصب الجاف (المحملة/ الفارغة) سواء التي يطبق عليها فئة رسوم "سفن الصب الجاف" العاملة بين الموانئ المصرية على البحر الأحمر من جهة وموانئ منطقة جنوب غربي أفريقيا من جهة أخرى.

أيضاً، مد العمل بالمنشور الخاص بناقلات الغاز الطبيعي المسال (المحملة والفارغة) العاملة بين موانئ الساحل الشرقي للأميركتين وموانئ الخليج الأميركي من جهة وموانئ آسيا من جهة أخرى لناقلات الغاز الطبيعي المسال التي تعبر قناة السويس.

ومدت الهيئة العمل بالخفض الممنوح لناقلات البترول الخام (المحملة بالبترول الخام أو الفارغة) العاملة بين مناطق الخليج الأميركي ومنطقة الكاريبي وأميركا اللاتينية من جهة وموانئ آسيا من جهة أخرى.

المستهلك المتضرر النهائي

في الأثناء، توقع مسؤول رفض ذكر اسمه في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أن تتراجع إيرادات قناة السويس إلى أقل من خمسة مليارات دولار مع نهاية العام الحالي، مقارنة بنحو 10 مليارات دولار في نهاية 2023، موضحاً "إذا استمرت توترات البحر الأحمر وزادت وتيرة تهديدات الحوثيين للملاحة عند باب المندب"، قائلاً "ليس لنا حلول حتى مع تطبيق السياسات التسويقية بخفض أسعار ورسوم العبور"، مضيفاً "الأزمة هنا ليست في ارتفاع الرسوم، بل إن الأزمة هي الخوف من العبور وتجنب ذلك حتى لو من طريق أطول وهو رأس الرجاء الصالح"، متمنياً أن تنتهي أزمة الحرب في المنطقة حتى يستعيد المجرى الملاحي المهم عافيته لصالح العالم أجمع وليس لمصر فحسب، إذ إن تجنب المرور يرفع كلفة الشحن ورسوم العبور ومن ثم ينعكس على أسعار السلع بأنواعها كافة مما ينعكس في النهاية على المستهلك النهائي سواء في مصر أو خارجها.

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI