حذر كبار المسؤولين من أن التحول "المقلق" نحو الحمائية الاقتصادية يهدد بتقويض التعافي الاقتصادي العالمي، وذلك في وقت يقترب سباق الرئاسة الأمريكية من مراحله الأخيرة.
أثناء حديثهم على هامش الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن هذا الأسبوع، أعرب المسؤولون عن ارتياحهم للمؤشرات التي توحي بأن الاقتصاد العالمي يسير نحو هبوط سلس، متجنباً الوقوع في الركود بعد أسوأ موجة تضخم شهدها العالم منذ جيل.
ومع تقارب النتائج بين دونالد ترمب وكامالا هاريس في استطلاعات الرأي، قد يشهد أكبر اقتصاد في العالم تحولاً كبيراً في السياسة العام المقبل.
وتعهد ترمب بفرض رسوم جمركية شاملة بنسبة 20% على شركاء الولايات المتحدة، إضافة إلى ضريبة بنسبة 60% على الواردات الصينية، إلى جانب تنفيذ عمليات ترحيل جماعية للمهاجرين غير النظاميين وإجراء تخفيضات ضريبية واسعة النطاق.
وحاول صندوق النقد الدولي تقدير الأضرار التي قد تنجم عن حرب تجارية متبادلة تشمل الرسوم الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة وأوروبا والصين، متوقعاً أن الاقتصاد العالمي سيشهد نمواً بنسبة 3.2% هذا العام والعام المقبل، لكن الرسوم الجمركية الواسعة، والتخفيضات الضريبية، وانخفاض معدلات الهجرة، وارتفاع كلفة الاقتراض قد تخفض الناتج العالمي 0.8% في عام 2025 وبنسبة إضافية تبلغ 1.3% في عام 2026.
ويتوقع الاقتصاديون في بنك "مورغان ستانلي" من أن يؤدي مخطط الرسوم الجمركية الذي يطرحه ترمب إلى تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 1.4% في الولايات المتحدة، مع ارتفاع أسعار المستهلكين بنسبة 0.9%.
وقدر مركز "مختبر الموازنة" بجامعة ييل، وهو مركز أبحاث سياسات، تأثيراً مشابهاً على النمو، لكنه توقع ارتفاعا أكبر في الأسعار، مشيراً إلى أن إجراءات ترمب التجارية قد تكلف الأسر ما يصل إلى 7600 دولار.
من جانبه حذر رئيس قسم الاقتصاد الكلي العالمي في شركة إدارة الأصول "أموندي"، محمود برادهان، من أن التوقعات قد تصبح أكثر قتامة، قائلاً "إذا كان هناك تأثير سلبي في النمو وتراجع في الأجور الحقيقية أو القوة الشرائية للمستهلكين نتيجة ارتفاع الأسعار للسلع الأساسية اليومية، فهذا بالنسبة إليَّ يشير إلى حالة من الركود التضخمي".
تصاعد المخاوف الاقتصادية
وعلى رغم التفاؤل السائد في الاجتماعات السنوية في شأن النجاح العالمي في مواجهة التضخم بعد أسوأ صدمة منذ عقود، تتصاعد المخاوف حول التوقعات الاقتصادية. ويبدو أن الضغوط السعرية على وشك التلاشي، إذ بدأت البنوك المركزية في مراحل مبكرة من دورات التيسير النقدي، النقاش حول مدى سرعة خفض أسعار الفائدة إلى مستويات لا تعوق النمو.
وقالت رئيسة صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، للصحافيين الخميس الماضي، "الحيلة الآن هي استكمال مهمة كبح التضخم من دون الإضرار بسوق العمل دون داع". وأكدت أن النجاح في هذا الأمر ضروري في وقت يواجه فيه الاقتصاد العالمي خطر الوقوع في مسار منخفض للنمو ومرتفع للديون.
ويتوقع الصندوق أن يتجاوز الدين العام العالمي حاجز 100 تريليون دولار بحلول نهاية هذا العام، وأن يقترب من 100% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول نهاية العقد. ويشعر بعض الحضور أن الأسواق المالية لم تدرك بعد تأثير مستويات الدين الهائلة التي تواجهها السلطات في الاقتصادات المتقدمة والناشئة.
سندات الخزانة الأمريكية عرضة للتقلب
وحتى سوق سندات الخزانة الأمريكية، وهي الكبرى والأهم عالمياً، قد تصبح عرضة للتقلب إذا استمرت مستويات الدين في الارتفاع، بحسب برادهان، الذي حذر من احتمالية تراجع الإقبال على هذا الملاذ الآمن من قبل المستثمرين الأجانب، وهو ما قد يشكل تحدياً خطراً.
لكن القلق الأكبر بين صانعي السياسات الجمعة الماضي، مع استعدادهم لمغادرة واشنطن، كان من تدهور العلاقات القائمة إلى خصومات.
وقال رئيس "يورو غروب"، باسكال دونوهو، لـ"فايننشال تايمز"، "هذه تحديات لأوروبا نظراً إلى اعتمادنا الكبير على التجارة. ويمكن أن تكون مخاطرة أيضاً بالنسبة إلى أمريكا، لأن أي صعوبات تجارية ستؤثر حتماً في الأسعار التي يدفعها المستهلكون الأمريكيون مقابل سلعهم... هذا يحمل إمكانية التسبب في حالة كبيرة".