منصة "إكس" (تويتر سابقاً) أصبحت بيئة خصبة لظاهرة غريبة تتجذر بشكل واضح في الأوساط اليمنية، حيث نجد مجموعة من الناشطين اليمنيين يجتمعون في مساحات صغيرة، غالباً ما تقتصر على ثلاثة أو أربعة أشخاص، وكأنها مجموعات مغلقة تدير حوارات لا تتعدى حدود نقاشات متكررة ومحدودة الأفق.
كل مجموعة تبدو وكأنها "أرضية هوائية" لا تحمل إلا الفراغ، وكل مساحة باتت تمثل امتداداً لصراعات وأفكار خاصة لا تهدف إلى البناء أو تقديم أفكار جديدة، بل إلى استعراضات فارغة من العمق والمعنى.
ما يثير الاستغراب هو أن تلك المساحات تعجّ بظاهرة "الهَيَالة"، حيث يُعظم المشاركون بعضهم البعض في مديح وتصفيق متبادل لا يتوقف، كأنهم قد حققوا إنجازات عظيمة لمجرد حضورهم أو لتمثيلهم مجموعة صراعية معينة، رغم عدم وجود أي قيمة حقيقية تذكر في أغلب الأحيان.
هذه الديناميكية تولد بيئة مليئة بالاستعراض والتمجيد الفارغ، مع غياب أي رؤية واضحة أو محاولة لتقديم محتوى يثري النقاش العام.
تتجلى "الهَيَالة" في كل زاوية من زوايا تلك المساحات، حيث يتسابق الأعضاء لنقل أخبار لا تتجاوز نطاقهم الخاص أو يخدم مجموعات صراعية معينة، وتُمدح إنجازات لا تحمل أي أثر حقيقي على أرض الواقع. بينما نجد الأشخاص أصحاب التأثير والمعرفة العميقة-العلماء والمفكرين والمهنيين الذين يعملون بجد-غالباً ما يقابلون بالتجاهل وعدم الاهتمام على هذه المنصة.
إن هذا التوجه لا يعكس فقط سلوكاً فردياً بل هو انعكاس لثقافة تتشكل على منصة "إكس" بين بعض المستخدمين، وهي ثقافة تقدير "الهواء"، حيث يحتفي البعض بالمظاهر دون الجوهر، ويتحول النقاش إلى سلسلة من الإطراءات الفارغة والحوارات السطحية.
في وقت تحتاج فيه اليمن، بل والمنطقة عموماً، إلى نقاشات جادة وأفكار بناءة، نجد أن منصة "إكس" بدأت تتحول إلى ساحة من "الهَيَالة" المتجددة، حيث يسود التباهي بما لا يستحق، وتُهمل القيم الحقيقية والمحتوى المؤثر.
هذه الظاهرة قد تؤدي في النهاية إلى تراجع مستوى النقاش العام، وتثبيت ثقافة التفاخر بما لا قيمة له، مما يساهم في نشر الجهل والسطحية، ويفوت الفرصة على تقديم مساهمات حقيقية تعود بالنفع على المجتمع ككل.