لم تكتفِ الميليشيات الموالية لإيران بالاتجار بدماء اليمنيين في جبهات القتال الداخلية التي أشعلتها على مدى عقد كامل، بل توسعت أنشطتها لتشمل استغلال اليمنيين دولياً. فبعد مرور أكثر من عامين على الهدنة غير المعلنة بين الأطراف المتنازعة في اليمن، كشفت صحيفة "فايننشيال تايمز" عن قيام الميليشيات بفتح قنوات جديدة لتجنيد اليمنيين في الحرب الروسية- الأوكرانية.
وبحسب التقرير، تستخدم الجماعة شركة لتوريد المعدات الطبية في سلطنة عمان، مملوكة لأحد قياداتها، كواجهة لتجنيد الشباب اليمنيين وتهريبهم إلى روسيا سراً، مستغلة وعوداً بوظائف ورواتب مغرية لكن بمجرد وصول هؤلاء الشباب، يجبرون على المشاركة في القتال الدائر في الحرب الروسية- الأوكرانية، وفق ما تقصت "اندبندنت عربية" أيضاً من مصادر يمنية في أوروبا تتابع الملف.
مراحل الاستقطاب
بدأت السلطات الروسية باستقطاب اليمنيين المقيمين على أراضيها، وهم غالباً من الطلاب، عبر إغرائهم بمنح الجنسية الروسية وتصحيح أوضاع إقامتهم، إضافة إلى وعود بتقديم رواتب لهم مقابل مشاركتهم المحدودة في القتال إلى جانب القوات الروسية في النزاع العسكري مع أوكرانيا.وتوسعت عمليات الاستقطاب لتشمل يمنيين مقيمين في دول أخرى مثل سلطنة عمان ومئات اليمنيين الذين جلبوا من داخل البلاد على دفعات متتالية عبر سماسرة من خلال الإغراء بالعمل في شركات لتنفيذ مهمات حراسة أمنية وبالرواتب المغرية ومنحهم مبالغ مالية ما بين 5 إلى 7 آلاف دولار عند الوصول إلى موسكو، ولم نتلقَّ رداً حتى الآن من الخارجية العمانية على تلك المزاعم.
وفقاً لتقديرات خاصة حصلت عليها "اندبندنت عربية"، يراوح عدد الشباب اليمنيين الذين جُندوا في روسيا ما بين 200 و300 شاب منذ يوليو/ حزيران الماضي وحتى اليوم ولات زال عملية التجنيد مستمرة.
وأفادت مصادر مطلعة بأن مسارات تجنيد هؤلاء الأفراد تمر عبر خطوط عدة، يبدأ أحدها من سلطنة عمان مروراً بدبي ووصولاً إلى العاصمة الروسية موسكو. أما المسار الآخر، فيبدأ من جيبوتي ثم إلى بيروت، ومنها مباشرة إلى روسيا.
وأشارت المصادر إلى أن الحرب في لبنان أثرت في استخدام هذا المسار، إذ تحولت الضاحية الجنوبية لبيروت إلى منطقة عسكرية بالكامل، مما جعلها مكاناً غير مناسب للانتظار وأدى إلى توقف العمل بهذا المسار على رغم استمرار الرحلات إلى لبنان.وقتل أربعة يمنيين في وقت سابق بينهم دبلوماسي سابق لدى البعثة اليمنية بروسيا، بعد استدراجهم من قبل السلطات الروسية للانضمام إلى صفوف قواتها مقابل وعود بالحصول على المال والجنسية الروسية.
تجربة مؤلمة
معتصم الحميدي، شاب يمني من محافظة إب كان يعمل في سلطنة عمان وأحد الضحايا الذين تم استقطابهم للتجنيد أثناء عمله في سلطنة عمان قال على صفحته بـ"فيسبوك" في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي إنه "تم اقتياد أكثر من 20 شاباً بقوة السلاح إلى جبهات الحرب الروسية- الاوكرانية، وقتل كثير منهم في معارك لا تعنيهم" قبل أن ينقطع نشاطه على "فيسبوك"، لكنه عاد للكتابة في التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قائلاً "نحن في بيئة وأرض غير مألوفة يصعب علينا العيش فيها" قبل أن ينقطع نشاطه على "فيسبوك" وسط دعوات أصدقائه وعائلته له للعودة بسلام.
عقود تجنيد
ويظهر منشور حصلت عليه "اندبندنت عربية"، إبرام شاب يمني يدعى شرف صلاح سيف اتفاقاً مع وزارة الدفاع في الاتحاد الروسي للخدمة العسكرية. وقع العقد رئيس مركز اختيار الخدمة العسكرية في مدينة نيجني نوفغورود، ويشير إلى أن المجند بدأ خدمته في المنطقة العسكرية الجنوبية بتاريخ السادس من أغسطس/ آب الماضي بعد توقيع العقد قبل ذلك بيوم، ولم يتضمن العقد أي تفاصيل أخرى.
وأفاد أحد ضحايا التجنيد في أوكرانيا في حديث إلى "اندبندنت عربية"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، بأنه عالق في الأراضي الأوكرانية ولا توجد وسيلة للفرار أو مغادرة البلاد، موضحاً أن جوازات السفر محتجزة لدى القوات الروسية. وعند سؤاله عن تفاصيل حياته اليومية ومعاناته مع التجنيد، أشار إلى أن هاتفه يخضع للمراقبة، لكنه سيحاول إيجاد وسيلة أخرى للتواصل والعمل على الاتصال بنا لاحقاً.
جهود روسية لتعميق العلاقات مع الحوثيين
وتأتي هذه العمليات وسط تقارير عن محادثات بين الحوثيين وروسيا برعاية إيرانية للحصول على أسلحة متطورة من موسكو، ففي أكتوبر الماضي، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن أن المسلحين الحوثيين في اليمن يستخدمون بيانات الأقمار الاصطناعية الروسية لاستهداف السفن في البحر الأحمر بطائرات من دون طيار وصواريخ. وبحسب ما ورد تم توفير معلومات الاستهداف من خلال فيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، مما مكن الحوثيين من توسيع ضرباتهم.
وظهرت فيديوهات متعددة للشباب اليمنيين الذين تم توريطهم في عملية التجنيد وهم يناشدون الجهات المعنية بالعمل على إعادتهم إلى الوطن، مؤكدين تعرضهم للخداع من السماسرة والمعاملة القاسية من قبل جهات التجنيد الروسية.وفي أحد الفيديوهات، تظهر مجموعة مكونة من خمسة شبان يمنيين من مناطق مختلفة في أحد خنادق القتال، مضربين عن الطعام للتعبير عن رفضهم المشاركة في القتال والضغط من أجل إعادتهم.
ومن خلال فيديو آخر، ظهر سبعة يمنيين كانوا يعملون في سلطنة عمان، تم التغرير بهم من قبل شركة قالوا إنها تسمى "الجابري" وعدتهم بوظائف أمنية برواتب مغرية، ولكنهم فوجئوا بوضعهم في معسكرات روسية قرب أوكرانيا، ولم يحصلوا إلا على جزء صغير من المبالغ الموعودة، وأكدوا أن 25 من زملائهم قتلوا في الجبهات ولم يبقَ منهم أحد.
الإعلامي اليمني محمد الكرامي، أفاد من هولندا بأن عملية التجنيد الروسي في اليمن "بدأت منذ أشهر عدة وأن أول دفعة من المجندين اليمنيين وصلت إلى روسيا في يوليو الماضي وأن عملية التجنيد تتم عبر شركة وهمية مقرها مسقط، أسسها عبدالولي الجابري، وهو عضو البرلمان السابق وأحد قادة الحوثيين الذي كان قائداً لأحد الألوية العسكرية التابعة للحوثيين قبل أن ينتقل إلى مسقط ويؤسس شركة الجابري للتجارة والاستثمار، وأن هناك شكوكاً بأن الشركة كانت في البداية تستخدم لتهريب السلاح للحوثيين، ثم تحولت لاحقاً إلى مركز للتجنيد والتعبئة".
وأشار إلى أن المذكور يملك شبكة من السماسرة في اليمن، إضافة إلى مساعدين له في عمان الذين يعملون على مساعدته في تجنيد الشباب. ويبلغون المجندون عادة أنهم سيعملون في مجالات أمنية أو تقنية، على رغم أن بعضهم ليست له أية علاقة بالحياة العسكرية، مثل طلاب الأمن السيبراني.
ويعتقد الكرامي بأن "العدد الحالي للمجندين الذين سافروا إلى روسيا قد يصل إلى 200 شخص وأن عملية التجنيد مستمرة"، لافتاً إلى أنه "على رغم محاولات تتبع موقع الجابري، لا يزال مكانه غير معروف، إذ تقول السفارة اليمنية في مصر إنه في مصر، بينما تؤكد السفارة المصرية أنه في عمان". وأفاد بأنه حاول التواصل مع السفارة اليمنية في موسكو ومع الملحق العسكري، لكن من دون جدوى، بل تم تهديده بالقتل مرتين.
وأضاف أنه وفقاً لما ورد أخيراً من بعض المجندين، يجري إعداد مجموعة جديدة للسفر من مسقط إلى موسكو، وقد وصلت بالفعل مجموعة أخرى.ولدى اتصال "اندبندنت عربية" بالسفارة اليمنية في موسك، وسفير روسيا لدى اليمن والمتحدث باسم الحوثيين، لم يردنا حتى الآن جواب، وحين يأتي التعليق تتم إضافته.
(اندبندنت عربية)