وفقاً للذاكرة الشعبية في محافظة تعز جنوب غربي اليمن، يرتبط المسجد التاريخي الذي يحمل اسم مسجد "أهل الكهف" بالقصة المذكورة في القرآن الكريم، وهو ربط منسوج من خيال الذاكرة الشعبية، ولا علاقة له بالحقائق التاريخية.
قاربت مخيلة الناس هذه القصة بالمسجد التاريخي المشيّد على قرية المعقاب أعلى قمة جبل صبر الذي يرتفع 3000 متر عن سطح البحر، فهو موجود في مغارة عميقة في الجبل تشبه الكهف، ويبعد مسافة ساعة عن مدينة تعز.
كما يتطابق موضع المسجد مع شروق الشمس وغروبها بما يتوافق مع القصة المذكورة في القرآن الكريم، ويحتوي على قفص بجانب المحراب يفصل موضع المغارة أو الكهف الذي يقع بين المسجد وعين الماء بين اتجاهي الشرق والغرب. وزاد ذلك تعلّق الناس بالأساطير المنسوجة حول مسجد أهل الكهف إلى حدّ الاعتقاد بأنه المذكور في القرآن الكريم.
يقول المؤرخ اليمني بلال الطيب لـ"العربي الجديد": "لا يزال التاريخ الدقيق لمسجد أهل الكهف مجهولاً، وهو يُحدد بالاعتماد على الذاكرة الشفهية التي يغلب عليها الطابع الأسطوري، وقد يوصلنا تتبع وثائق أوقاف الجامع التاريخي إلى بعض الحقائق".
بُني المسجد بشكله الحالي على الطراز الرسولي، ويتضمن بيت صلاة، وهو الأساس الذي تقام فيه الصلوات الخمس، وهو بلا نوافذ ويحتوي على أعمدة خشبية تحمل السقف الذي يضم أيضاً غرفاً وأروقة ملحقة تستخدم بعضها لسكن المعلمين والطلاب الأيتام. كما هناك طابق أسفل المسجد كان يستخدم بحسب الأهالي لتخزين الحبوب. وكانت حلقات العلم تقام في المسجد نفسه، أما الطلاب الصغار الذين يدرسون القرآن الكريم فكانت لهم غرفة خاصة في جوار المسجد.
وللمسجد ثلاثة أبواب، وعلى بابه توجد عين ماء تسمى "عين الكوثر". ويتبع المسجد صهريج كبير للمياه يؤخذ منه الماء للوضوء، والمطاهير التي يتم فيها الوضوء والغسل، وكذلك المنارة المبنية على النمط القديم للدولة الرسولية مثل المظفرية، لكنها لا ترقَ إلى فنية مساجد ومدارس الأشرفية والمعتبية التي بنيت لاحقاً في شكل متطور.
ويحتوي المسجد على ضريح لباحث إسلامي يدعى عبد الرحمن بن بكر جاء من الجزائر للبحث عن موقع قصة أهل الكهف المذكورة في القرآن الكريم. وتقول الروايات إنه تتبع الأوصاف المذكورة في سورة الكهف حتى تأكد أنه الموقع الذي يتضمن قصة أهل الكهف، لكن لا إشارة إلى الفترة الزمنية التي جاء فيها الباحث.
وتُجمع الآراء العلمية والتاريخية على أن تاريخ بناء المسجد بشكله الحالي يعود إلى حقبة الدولة الرسولية التي اهتمت ببناء المساجد، وأنه شُيّد بصفة مسجد ومدرسة في الوقت نفسه نتيجة اهتمام ملوك الدولة الرسولية بالعلم والدين، وهما الأساس الذي قامت عليه الدولة التي حكمت خلال الفترة بين عامي 1229 و1454 ميلادياً، وأسسها عمر بن رسول، وبسطت نفوذها على المساحة الممتدة من ظفار حتى الحجاز، واتخذت من مدينة تعز عاصمة لها.
ويقول الباحث التاريخي توفيق السامعي لـ"العربي الجديد": "بنت الملكة جهة دار الدملؤة واسمها نبيلة، وهي بنت الملك المظفر يوسف بن عمر بن علي رسول، المسجد بعد وفاة أبيها نهاية القرن السابع هجري. واسم المدرسة مدوّن في الوقفية الغسانية".
ويشير إلى أن المدارس انتشرت بكثرة في عهد الدولة الرسولية في مدينة تعز وريفها، وكذلك في مدينة زبيد وما حولها، حتى إنه عدد المدارس في زمن الأشرف الثاني إسماعيل زاد عن 240 في تعز وزبيد، وأنشئت أخرى في عدن ولحج وإب أشهرها على الإطلاق ثلاث مدارس باقية حتى اليوم في مدينة تعز، وهي المدرسة المظفرية التي بناها الملك المظفر يوسف بن عمر، والمدرسة المعتبية التي بنتها جهة الدين معتب زوجة الملك الأشرف إسماعيل، والمدرسة الأشرفية الكبرى التي بناها الملك الأشرف إسماعيل بعد مدرسة زوجته المعتبة بثلاث سنين.
ويعد مسجد أهل الكهف من أهم الأماكن الدينية في تعز، ويتضمن مزاراً دينياً يشهد مراسم سنوية في العاشر من رجب حين يفد الزوار من مناطق مختلفة، ويحيون هذا اليوم بالتواشيح الدينية المعروفة لدى الصوفيين وفعّاليات أخرى.
ويعاني المسجد التاريخي اليوم إهمالاً سبَّب انهيار أجزاء من سقفه في ظل مناشدات للجهات المعنية بسرعة ترميمه. وبحسب أهالي المنطقة خصص وقف أراضٍ كثيرة في مديريات تعز لصالح المسجد، لكن ريعها لم يسخّر لصالح المسجد، وينهبه المسؤولون.
(العربي الجديد)