"إذا تأخرنا دقيقة واحدة عن الدوام وإلا تم الخصم من راتبنا الصغير، نعمل لمدة 6 ساعات يوميًا ونُدرس أكثر من صف وأحيانًا أكثر من مادة، بالإضافة إلى الإشراف والمراقبة"، تقول سماء غالب.
تعود سماء وهي معلمة تعمل في مدرسة خاصة إلى المنزل مرهقة للغاية، لتبدأ بمهام أخرى مثل تصحيح الدفاتر وأوراق الاختبارات والتحضير لدرس الغد، كما أنها تعد أنشطة وخطط سنوية وأشياء كثيرة متعبة، كل هذا مقابل راتب لا يتعدى 40$ في الشهر، هذا وهي أكثر معلمة من بين زميلاتها النساء تحصل على راتب، تبعًا لسنوات الخبرة.
تردف سماء:" تعبتُ نفسيًا واستنفدت كامل قوتي من أجل راتب بخس، ولكن لا بديل، هذا هو المتاح".
تشكو سماء أن المدارس الخاصة تمنح لزملائهن ضعف رواتبهن، مقابل تدريس حصص قليلة ثم يغادروا، "نظام الحصص"، يتحجج المدير بأشياء كثيرة منها أن الرجال معيلين أسر، ولهم القدرة على ضبط الصف أكثر من المعلمات، وأن اغلبهم مُدرسين رسمين في مدارس حكومية.
سبب الفجوة
يقول وفيق صالح، صحفي مهتم بالشأن الاقتصادي، أن السبب يعود إلى المرأة ذاتها وتقبلها العمل برواتب متدنية مقارنة بالأجور التي يحصل عليها الرجال، استغلال المرأة في مسألة الأجور يعود إلى النظرة القاصرة من قبل الهيئات والمؤسسات سواء في القطاع الخاص أو العام.
"فجوة الأجور لها تأثيرات سلبية على تراجع نسبة الإنتاج وساعات العمل في القطاعين، فيؤدي إلى زيادة انتشار الفقر والبطالة في أوساط النساء، وعزوف الفتيات عن العمل وفقدان الحافز؛ مما يخلق وضعًا اقتصاديا مشوهًا، تغيب فيه مبادئ الشفافية والمساواة، ويساهم في انتشار الاختلالات التي تقوض عمل المؤسسات وتعيق ملية الاستقرار والنمو"، يردف وفيق.
من جانبه يوضح محمد البكاري، نائب رئيس مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل في تعز، أن الوظيفية العامة لا يوجد فيها تمييز في الأجور بين الجنسين، فكلا منهم راتبه حسب المؤهلات وسنوات الخبرة.
ويضيف: "بنسبة للقطاع الخاص يتم العمل حسب عقود العمل المنصوص عليها، فيتم قبول الشروط من المرأة وتعمل بإدارتها، لذا المكتب لم يتلق أي شكاوى حول تفاوت الأجور".
أسباب اجتماعية
يرى عصام الأحمدي، مختص اجتماعي، أن العادات والتقاليد في المجتمع اليمني والتي تصنف المرأة كدرجة ثانية، وأنها فقط مسؤولة عن التربية هي السبب الرئيسي لتفاوت الأجور؛ مما يجعل أرباب العمل يميلون لدفع أجور أعلى للرجال مقارنة بالنساء، حتى لو كانت النساء يعملن في نفس الوظائف.
"على الرغم أن الأدوار الاجتماعية تبدلت في الآونة الأخيرة في اليمن نتيجة الحرب، وأصبحت المرأة تتحمل مسؤوليات كبيرة وتعيل أسر، إلا أن الفكرة مازالت"، يضيف الأحمدي.
كما أن هناك بعض القصور في التعليم والتأهيل المهني ونقص الخبرة لدى النساء مقارنة بالرجال؛ بسبب العادات والتقاليد التي تمنع المرأة من السفر للتدريب أو التطبيق؛ أن تحدد لها الأسرة تخصصات معينة لا تستدعي الاختلاط والنشاط، مما يؤدي إلى محدودية الخيارات الوظيفية بنسبة لهن، حسب الأحمدي.
أثار نفسية
توضح أحلام الأديمي، أخصائية نفسية، أن الشعور بالتمييز في الوظيفة يؤثر نفسيًا على النساء العاملات، كالإحباط، القلق، وانخفاض الثقة بالنفس؛ مما ينعكس على قدرتها على تحقيق النجاح والتطور والإنتاجية والابتكار وبالتالي تولد ثقافة عمل غير صحية.
وتتابع الأديمي: "إن التمييز يعوق التنوع والشمول في بيئات العمل، وهما عاملان أساسيان لتحقيق الإبداع واتخاذ قرارات أفضل. عندما يُحرم المجتمع من المساهمات الكاملة للنساء بسبب التمييز، فإن ذلك يضعف من إمكانات النمو والابتكار على المدى الطويل".
تمييز واقصاء
يؤكد تقريرًا للأمم المتحدة، أن النساء حول العالم يجنين رواتب أقل بـ 24% من الرواتب التي يجنيها الرجال، وترتفع هذه النسبة وتنخفض من دولة إلى أخرى، ففي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تمثل نسبة التفاوت 14%، وفي قارة آسيا 33%.
ويلاحظ التقرير أن العائدات التي تحصل عليها المرأة يقابلها أحيانًا عمل لساعات طويلة لا تتناسب مع الأجر، وفي حالات عِدة تشتغل النساء دون الحصول على تعويض. "إن ما تحصل عليه امرأة نشيطة طوال سنواتها المهنية يعادل فقط نصف ما يحصل عليه الرجل"، حسب التقرير.
كشف بيان للمفوضية الأوروبية، أن النساء في دول الاتحاد الأوروبي يتقاضين رواتب لا تزال أقل بنسبة 16,2% من الرجال، مؤكدًا البيان أن هذا ليس مجحفًا من حيث المبدأ فحسب، بل من حيث الممارسة العملية أيضًا، لأنه يضع المرأة في أوضاع غير مستقرة خلال حياتها المهنية.
جهود دولية
أقرت منظمة العمل الدولية سنة 1919 في دستورها على مفهوم المساواة بين الأجور بين النساء والرجال، باعتباره ركيزة أساسية للعدالة الاجتماعية، ووقعت أول اتفاقية بشأن المساواة في الأجور 1951، ووقعت عليه معظم الدول.
إلا أن المرأة ما زالت تعاني من بيئة عمل غير مستقرة أو منصفة، مما دعا الأمم المتحدة إلى تشكيل لجنة من أجل " تمكين المرأة" ومن أهدافها الرئيسية التمكين الاقتصادي للنساء، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول 2035.
القانون اليمني
تمنع القوانيين اليمنية التمييز الوظيفي بين الجنسين، وبدون الرقابة تصبح القوانيين حبر على ورق، تنص المادة (42) من قانون العمل اليمني لعام 1995، أن تتساوى المرأة مع الرجل في جميع شروط العمل وحقوقه وواجباته وعلاقاته من دون أيِّ تمييز.
ووفق القانون، يجب تحقيق التَّكافؤ بين المرأة والرجل في الترقيات والأجور والتدريب والتأهيل والتأمينات الاجتماعية، فيما تحدد المادة (43)، فترة عمل المرأة اليومية بخمس ساعات للحامل والمرضع حتى نهاية الشهر السادس، وإجازة أمومة لمدة 60 يومًا بأجر كامل.
(تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز دور وسائل الإعلام في دعم قضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي)