"أردت تعليم أطفالي، ومنحهم مستقبلاً أفضل لتحقيق أهدافهم في الحياة"، هكذا تبدأ داستو حديثها. في إثيوبيا، عاشت داستو في قرية صغيرة مع زوجها وأطفالهما الثلاثة. كانت الحياة بسيطة ولكنها حافلة، حيث كان زوجها يعمل بلا كلل لإعالة الأسرة. كانت داستو، التي تهوى تربية الحيوانات، تقضي الكثير من وقتها في تعلم المهنة من جدها وجدتها، اللذين ساعدا في رعاية الأطفال.
لم يدم هذا السلام. اندلعت الحرب فجأة، وتمسكت داستو وزوجها بالأمل، مصممين على التكيف والبقاء في خضم الفوضى. ولكن تصاعد الصراع، وخطف من داستو شقيقها الوحيد. بعد فترة وجيزة، توفيت والدتها من الأسى على فقدان ابنها.
وفي لحظة، اتخذت داستو وزوجها القرار الصعب بمغادرة بلدهما. لقد تركوا كل شيء خلفهم، وانتقلوا من قرية إلى أخرى بحثاً عن الأمان. ولكن مع انتشار الصراع، أصبح من الواضح أنه لم يعد هناك مكان للهروب. كان الخيار الوحيد هو مغادرة البلاد بالكامل.
"كان اتخاذ قرار المغادرة صعباً علينا، لكن سلامة أطفالنا كانت أكثر أهمية. بعد أن فقدت أخي وأمي، لم يعد لدي ما أبقى من أجل".
داستو- أم مهاجرة
السعي وراء الحلم
على أمل العثور على مصدر دخل ومستقبل أفضل في دول الخليج، خاطروا بالسفر إلى اليمن. لم يكونوا يعلمون أنهم سيحتاجون إلى جوازات للسفر إلى الخارج. ومع عدم وجود خيار آخر، لجأوا إلى المهربين، الذين أخذوهم في رحلة محفوفة بالمخاطر من إثيوبيا إلى اليمن.
اتضح أن الرحلة التي وعدهم بها المهربون كانت أطول بكثير من المتوقع، حيث استغرقت ليلتين في البحر ومروا عبر الصومال وجيبوتي. عندما وصلوا أخيراً إلى ساحل عدن، انتابهم شعور جديد بالأمل في البقاء على قيد الحياة، على الرغم من أن صراخ أطفالهم لا يزال يتردد في آذانهم بعد أن نجوا بأعجوبة من الغرق.
عندما وصلوا إلى عدن لأول مرة، واجهوا صعوبة في التواصل، ولم يكونوا يعرفون سوى بضع كلمات باللغة العربية. وعلى الرغم من مهارات زوجها كمزارع، إلا أن النشاط الزراعي في عدن كان ضئيلاً. ودفعتهم الحرارة الشديدة إلى البحث عن مدينة قريبة ذات طقس أكثر برودة يمكن أن يتحمله الأطفال.
في تعز، كانت إقامتهم قصيرة، حيث اندلعت الحرب مرة أخرى، مما أجبرهم على الانتقال من منطقة إلى أخرى قبل أن يلجؤوا إلى مأرب. بالنسبة لداستو وزوجها، بدا الأمر وكأنه فترة راحة قصيرة في رحلتهما إلى أرض أحلامهما. ومع ذلك، فإن المصير غير المؤكد الذي واجهه رفقاؤهم في السفر على الحدود جعلهما يعيدان التفكير في المخاطر التي يخوضانها.
كفاح أم
في المناظر الطبيعية الخصبة لمزارع مأرب، وجدوا بصيص أمل جديد حيث تمكن زوجها من كسب الدخل. فالمناظر الطبيعية الخضراء، على الرغم من اختلافها، ذكّرتهم بوطنهم. لم يخطر ببال داستو قط أن الانتقال إلى اليمن يعني الابتعاد عن بلدهم لأكثر من ثلاثة عشر عاماً.
وعندما بدأوا في الاستقرار، ساعدهم تواصلهم مع المجتمع المحلي على تعلم اللغة العربية بسرعة. وشجعهم هذا الارتباط الجديد على تسجيل أطفالهم في المدرسة، مما يمثل بداية فصل جديد.
لمدة عامين، عانى زوج داستو من مشاكل صحية توفي على إثرها، لتتولى داستو بعدها رعاية خمسة أطفال بمفردها، واضطرت إلى مواجهة حقائق الحياة القاسية مرة أخرى. كان ثقل المسؤولية طاغياً، لا سيما وأنها كانت تكافح لتوفير ما يكفي من الطعام لأسرتها.
وتقول داستو: "عندما توفي زوجي، شعرت حقاً بثقل مسؤولية إعالة أسرة بمفردي. كنت ممتنة لوجود أطفالي، ولكن في الوقت نفسه، كنت أشعر بالقلق باستمرار بشأن نوع الحياة التي يمكنني أن أقدمها لهم."
بداية جديدة
بالقرب من مخيم الجفينة، سمح مالك مزرعة لداستو وعدد قليل من المهاجرين العالقين الآخرين بالاستقرار على قطعة أرض. وتمكن البعض من إنشاء مآوٍ مؤقتة وفرت لهم بعض الخصوصية. واستجابة لوضعهم الصعب، تدخلت المنظمة الدولية للهجرة بحقائب المأوى الطارئ، والتي ساهمت في استعادة الشعور بالكرامة لدى هذه الأسر. كما ساعدت المنظمة الدولية للهجرة داستو في تأمين الوثائق لأطفالها، وهو مطلب أساسي في أرض أجنبية.
وعلى الرغم من ظروف المعيشة القاسية، أصبحت داستو المعيل الوحيد لأسرتها. وبينما كان أطفالها يذهبون إلى المدرسة، كانت تذهب إلى المطاعم القريبة، وتطلب بقايا الطعام، أو تعتمد على المساعدات التي تقدمها الأسر المجاورة بين الحين والآخر.
وبدافع قوي لتحسين وضعها، استخدمت داستو الدعم الذي قدمته المنظمة الدولية للهجرة لبدء عمل تجاري صغير. وبالاستفادة من خبرتها في تربية الحيوانات، استثمرت في الماشية، فاشترت شاتين لبدء مشروعها الجديد.
وبابتسامتها الدافئة ولطفها، سرعان ما تحول حلم داستو بإدارة مشروع صغير إلى حقيقة. ومع مرور الوقت وتزايد عدد الأغنام، ظهرت فرصة جديدة لداستو لبيع بعضها في السوق، مما سمح لها بتوليد الدخل وتحسين وضع أسرتها.
وتقول: "أنا ممتنة لأن هذا العمل يساعدني في إرسال أطفالي إلى المدرسة، وجدد أملي في تحسين حياتنا".