خرجت الجماهير اليمنية في الحادي عشر من فبراير 2011، في ثورة سلمية تطالب بالتغيير والعدالة والدولة المدنية، وهي امتدادا للحراك الشعبي العربي الذي اجتاح المنطقة في ذلك العام، وكانت ساحات الحرية والتغيير شاهدة على نضوج وعي سياسي غير مسبوق، إذ توحدت مختلف الأطياف حول مطلب رحيل النظام القائم في حينه وإقامة دولة مدنية حديثة قوامها الحكم الرشيد، لكن هذا الحراك الثوري السلمي تعرض لمحاولات الاحتواء والالتفاف من قبل قوى سياسية كانت ترى فيه فرصة للوصول إلى السلطة وليس مدخلًا لبناء الدولة، إذ في الثالث من أبريل 2011 تم توقيع المبادرة الخليجية التي نقلت البلاد إلى مرحلة سياسية جديدة سمتها الأبرز أنها قسمت السلطة بين النظام السابق والمعارضة التقليدية لتشكل السلطة الانتقالية.
لم تكن هذه السلطة سوى أداة لإعادة ترتيب مراكز القوى وإضعاف الدولة أكثر مما كانت عليه، فبدلًا من العمل على تحقيق أهداف الثورة قامت بتفكيك مؤسسات الدولة وتقسيم البلاد وفق توازنات حزبية ضيقة، كما أقدمت على إعادة هيكلة الجيش بطريقة لم تستند إلى أسس وطنية أو مهنية بل كانت مجرد تصفية حسابات بين الأطراف المتصارعة على النفوذ، وفتحت أبواب الحوار لقوى لم تؤمن بالدولة من الأساس، وكان إدخال الحوثيين في العملية السياسية خطيئة كبرى أعطتهم شرعية لم يكونوا يحلمون بها، ثم استكملت هذه السلطة المكونة من النظام السابق والاحزاب التقليدية كما ذكرنا مشروع تدمير اليمن بتسهيل دخول الحوثيين إلى صنعاء وتهيئة الأجواء لانقلابهم على الدولة، مما أدى إلى إسقاط المؤسسات وجر البلاد إلى أتون الصراع المستمر حتى اليوم.
لذلك، تحميل الثورة السلمية مسؤولية ما جرى بعد ذلك ليس إلا مغالطة تاريخية تهدف إلى تبرئة الفاعلين الحقيقيين الذين أوصلوا البلاد إلى هذا الانهيار، فلا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار خروج الشعب مطالبًا بحقوقه هو السبب في سقوط الدولة، بل إن الأحزاب التي تسلمت وتقاسمت السلطة بعد الثورة هي من خانت المبادئ التي رفعتها، وهي من دفعت البلاد إلى الهاوية لأنها لم تكن معنية ببناء دولة حقيقية بل كانت مشغولة بإقصاء بعضها البعض وتقاسم النفوذ على حساب المصلحة الوطنية، وفشلت في إدارة شؤون البلاد وعجزت عن حماية الدولة ومؤسساتها، وكانت معاركها الداخلية على الغنائم والمصالح أكبر من قدرتها على الحفاظ على الثوابت الوطنية، ولم تكتفِ بالفشل بل شاركت في هدم المؤسسات الدستورية وتقويض أسس حماية الأمة اليمنية لصالح مشاريعها الخاصة.
الأحزاب التي تشكلت منها السلطة الانتقالية (سواء من النظام السابق أو المعارضة) مسؤولة مسؤولية كاملة عن الوضع الحالي، فهي من صنعت الفراغ الأمني والسياسي، وهي من سمحت بتمدد المليشيات المسلحة، وهي من أدارت الصراع بطريقة أوصلت اليمن إلى الانهيار الشامل، لذلك فإن محاكمة هذه الأحزاب ليست خيارًا بل ضرورة تاريخية، فليس هناك جريمة أكبر من التفريط في الوطن وإهدار دماء أبنائه وتدمير مؤسساته، واليمن اليوم لن يستعيد عافيته إلا بمحاسبة كل من تلاعب بمصيره ودمر مقومات وجوده وسلمه لمشاريع خارجية تدميرية.