قالت منظمة العفو الدولية، اليوم الخميس، إنَّ التقليص المفاجئ وغير المسؤول للمساعدات الخارجية من جانب حكومة الولايات المتحدة يُعرّض صحة وحقوق ملايين الأشخاص في اليمن الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية للخطر.
ووصف عاملون في مجال تقديم المساعدات لـ "منظمة العفو الدولية" كيف أدى قرار الرئيس دونالد ترامب بتقليص تمويل المساعدات الأمريكية إلى وقف خدمات المساعدة المنقذة للحياة وبرامج الحماية، بما في ذلك علاج سوء التغذية للأطفال، والأمهات الحوامل والمرضعات، والمآوي الآمنة للناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي، والرعاية الصحية للأطفال الذين يعانون من الكوليرا وأمراض أخرى.
وقالت الباحثة المعنية بشؤون اليمن في منظمة العفو الدولية ديالا حيدر: "ستترتب على التقليص المفاجئ وغير المسؤول للمساعدات الأمريكية عواقب وخيمة على أضعف الفئات وأكثرها تهميشًا في اليمن، بما في ذلك النساء والفتيات والأطفال والنازحين داخليًا، مما يعرض سلامتهم وكرامتهم وحقوقهم الإنسانية الأساسية للخطر".
وأضافت: "ما لم تعيد الولايات المتحدة فورًا توفير التمويل الكافي للمساعدات المنقذة للحياة إلى اليمن وتضمن صرف الأموال على وجه السرعة، فإن الوضع الإنساني المروع أصلًا سيزداد تدهورًا وسيترك ملايين الأشخاص في اليمن دون دعم هم في أشد الحاجة إليه. كما يجب على الدول المانحة الأخرى أن تعمل بشكل عاجل للوفاء بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان من خلال تقديم المساعدات الإنسانية ودعم حقوق الإنسان في اليمن".
وتابعت ديالا حيدر: "يجب أن توفر التدابير الأمريكية التي تستهدف سلطات الأمر الواقع الحوثية إعفاءات واضحة وفعَّالة لعمليات المساعدات الإنسانية وإيصال الإمدادات المنقذة للحياة. فغالبية المدنيين الذين هم في أمس الحاجة إلى المساعدات يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في شمال اليمن. يجب ألا يعرقل تصنيف الولايات المتحدة للحوثيين كمنظمة إرهابية تقديم المساعدات وغيرها من الإمدادات التي لا غنى عنها لإبقاء الناس على قيد الحياة، وفي صحة جيدة، وفي بيئة آمنة”.
أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع 10 خبيرات وخبراء في المجال الإنساني وعاملات وعاملين في مجال تقديم المساعدات على دراية مباشرة بالوضع على الأرض، وستة ممثلين وممثلات عن منظمات حقوقية محلية، خمسة منهم يقدمون خدمات مباشرة للفئات الضعيفة. وقالوا جميعًا إن تأثير تقليص المساعدات سيكون مدمرًا، وسيؤدي إلى زيادة المعاناة والوفيات وعدم الاستقرار في بلد يعيش أصلًا وضعًا هشًا. وقد طلب جميع الذين جرت مقابلتهم عدم الإفصاح عن هويتهم.
وأبلغ عاملون في مجال تقديم المساعدات "منظمة العفو الدولية"، أن هذا التصنيف أثار ارتباكًا وقلقًا كبيرَيْن. ولم يشر الأمر التنفيذي باعتماد التصنيف المذكور إلى أي إعفاءات إنسانية وأمر بقطع الأموال عن أي منظمة.
وقال عدة عاملين في مجال تقديم المساعدات لمنظمة العفو الدولية إن المنظمات الإنسانية تُركت لتواجه قرارات مستعصية بشأن الخدمات المنقذة للحياة، في ظل غياب التواصل الواضح مع الهيئات الأمريكية، مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
وقال أحد العاملين في مجال تقديم المساعدات: "أُرغمنا على اتخاذ قرارات متعلقة بالحياة والموت بدون توفر أي معلومات تُذكر. في أغلب الأحيان، لا يمكن التواصل مع أحد لأن موظفي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية صُرفوا من العمل. الأشخاص الذين نراسلهم لم يعودوا في مناصبهم. ويؤثر هذا على المنحة المخصصة لليمن ولبلدان أخرى كثيرة".
في 28 مارس/آذار، أخطرت وزارة الخارجية الأمريكية الكونغرس رسميًا بأنها ستحل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وتُلغي بعض اختصاصات الوكالة وتنقل ما تبقى منها إلى وزارة الخارجية.
تأثير مدمر على النساء والفتيات
لطالما واجهت النساء والفتيات في اليمن تمييزًا ممنهجًا إلى جانب التعرض إلى أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي. فلا يوجد حد أدنى قانوني لسن الزواج، ويتزوج حوالي ثلث النساء دون سن 18 عامًا. ويرتبط زواج الأطفال بأضرار حقوقية تستمر مدى الحياة. كما أن معدلات وفيات الأمهات في اليمن أثناء الولادة هي واحدة من أعلى المعدلات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تلقى نحو 200 امرأة حتفها مقابل كل 100.000 ولادة، وفقًا لصندوق الأمم المتحدة للسكان.
ووفقًا لخبيرات وعاملات في مجال تقديم المساعدات قابلتهن منظمة العفو الدولية، فإنه بحلول مارس/آذار 2025، أجبر تقليص المساعدات الأمريكية بالفعل على إغلاق عشرات المآوي الآمنة في اليمن للنساء والفتيات المخصصة لمنع العنف القائم على النوع الاجتماعي أو الاستجابة له. وحذروا من أنه في حال لم يتم استعادة التمويل، فإن عشرات المرافق الصحية وعيادات الصحة الإنجابية والحماية ستغلق، مما يحرم مئات الآلاف من النساء والفتيات، بمن فيهن الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي، من الحصول على الرعاية الصحية المنقذة للحياة، والدعم النفسي والاجتماعي، والمساعدة القانونية.
وقالت ديالا حيدر: "تقوّض الولايات المتحدة جهود المنظمات التي تقودها النساء اليمنيات لدعم وتمكين النساء الأخريات منذ سنوات”. عندما تفقد الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي إمكانية الوصول إلى المآوي والدعم النفسي الاجتماعي والإحالة إلى المراكز الصحية والمساعدة القانونية وغيرها من الخدمات الحيوية، فإنهن يواجهن عواقب تهدد حياتهن. يخاطر تقليص التمويل بتفكيك شبكة الحماية والدعم القائمة، والتي بنتها المدافعات اليمنيات عن حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية على مدى سنوات طويلة، مما يجعل الفتيات أكثر عرضة للانتهاكات، بما في ذلك زواج الأطفال والاتجار بالبشر والتسول وعمالة الأطفال".
بعد سنوات من الصراع والأزمات المتفاقمة، يعتمد ما يقدر بنحو 19.5 مليون شخص، أي أكثر من نصف السكان، على المساعدات في اليمن. ويعاني اليمن من خامس أكبر أزمة نزوح على مستوى العالم، حيث يقدر عدد النازحين داخليًا بنحو 4.8 مليون شخص، معظمهم من النساء والأطفال، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، خلال فترة ولاية الرئيس ترامب الأولى وولاية الرئيس بايدن، بقيت الولايات المتحدة أكبر مانح لليمن، حيث قدمت دعمًا بقيمة 768 مليون دولار أمريكي في عام 2024، ما شكل نصف مخصصات خطة الاستجابة الإنسانية المنسقة في اليمن.