15 إبريل 2025
14 إبريل 2025
يمن فريدم-فخر العزب


تحولت محافظة حضرموت في شرق اليمن إلى مركز الثقل الجيوسياسي في الفترة الأخيرة، ما جعلها محل تنازع للسيطرة عليها من المشاريع المتعددة، بين تمسك الحكومة الشرعية بوحدة البلاد، ومطالبة "المجلس الانتقالي الجنوبي" بالانفصال، فضلاً عن بروز صوت ثالث رفع خيار "الحكم الذاتي" مطلباً لأبناء حضرموت، عبر "حلف قبائل حضرموت" الذي تأسس في 2013، مقدّماً نفسه كحامل سياسي لهذا المشروع.

ويضم الحلف قبائل وعشائر حضرموت، ويملك تشكيلاً عسكرياً وأمنياً واسع الانتشار في ساحل ووادي حضرموت تحت اسم "قوات حماية حضرموت" ومن أبرز مطالبه التي ينادي بها الحكم الذاتي لحضرموت، والحصول على حصة من المخزون النفطي في المحافظة، وتحسين البنية التحتية والخدمات العامة.

تحشيد في حضرموت

واحتشد الآلاف من أبناء محافظة حضرموت، أول من أمس السبت، في منطقة الهضبة في مديرية غيل بن يمين، شرقي المحافظة، في لقاء موسع دعا له "حلف قبائل حضرموت"، للمطالبة بالحكم الذاتي.

وأكد البيان الختامي للقاء الموسع أن الوقت حان ليقرر أبناء المحافظة مصيرهم بأنفسهم، بعيداً عن وصاية ما سماها بـ"الأطراف المهيمنة من خارج حضرموت"، مؤكداً أن المحافظة لن تعود لأي شكل من أشكال التبعية أو المركزية المفروضة.

ودعا البيان المجتمع الإقليمي والدولي، وعلى رأسه السعودية بصفتها قائدة التحالف العربي، إلى "الاستجابة العاجلة لإرادة الشعب الحضرمي"، ودعم خطوات الحكم الذاتي. وشدّد البيان على رفض العودة لأي شكل من أشكال الهيمنة السياسية أو العسكرية الخارجية، مؤكداً التمسك بحق أبناء المحافظة في الدفاع عن أرضهم وإدارة أمنهم واستقرارهم بأنفسهم.

وطالب البيان بفتح باب التجنيد لأبناء حضرموت، بهدف تشكيل قوة أمنية قادرة على حفظ الأمن والاستقرار في الإقليم، مشيراً إلى أن حماية المحافظة "حق مشروع" يجب أن يحظى بالدعم.

في الجانب الخدمي ناشد البيان توفير 500 ميغاواط من الطاقة الكهربائية مرحلةً أولى ضمن خطة إسعافية عاجلة، مجدداً تأكيد الانفتاح على جميع الجهات التي تخدم مشروع المحافظة التنموي، ومشدداً على استمرار الخطوات التصعيدية على الأرض حتى تحقيق كل الاستحقاقات المشروعة.

وبحسب متابعين، فقد أراد حلف قبائل حضرموت من خلال اختيار مكان اللقاء (منطقة الهضبة) القريب من آبار النفط، توجيه رسائل لجميع الأطراف أن عيون الحلف على ثروة المحافظة، التي يجب أن تتمتع بالحكم الذاتي بوصفه مطلباً رئيسياً لأبنائها، وهو ما أكده البيان الختامي للقاء الموسع، كما أن رئيس الحلف عمر بن حبريش، أكد في أكثر من مناسبة أن "نفط حضرموت يتم تهريبه وبيعه بطريقة غير مشروعة لصالح متنفذين ولا يستفيد منه أبناء حضرموت".

وكان بن حبريش قد التقى في 20 مارس/آذار الماضي وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان في مدينة جدة، وقال بن حبريش عقب اللقاء إنه ناقش مع بن سلمان "الأوضاع في اليمن واستحقاقات محافظة حضرموت السياسية والأمنية، والاحتياجات الخدمية الأساسية".

وتأتي هذه الفعالية بعد أسابيع على زيارة رئيس "المجلس الانتقالي" عيدروس الزبيدي لمحافظة حضرموت، إذ أشار في كلمته بحفل أقامه المجلس إلى أن "هناك أياد تعمل لصالح الحوثي وإيران وقوى أخرى في حضرموت".

وكان رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي قد أكد خلال زيارته إلى محافظة حضرموت في يونيو/حزيران 2023، أنه يؤيد "إدارة المحافظة نفسها مالياً وإدارياً وأمنياً، وإذا نجحت التجربة سنُعممها على بقية المحافظات".

معضلات محافظة حضرموت

بدوره، قال أمجد صبيح، مدير إدارة الإعلام والثقافة بالهيئة التنفيذية المساعدة لـ"المجلس الانتقالي" لشؤون مديريات وادي وصحراء حضرموت، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن البيان الختامي الصادر عن فعالية حلف قبائل حضرموت، ركز على قضايا عامة من دون الإشارة الصريحة إلى أبرز المعضلات التي تعانيها المحافظة، وعلى رأسها استمرار وجود القوات العسكرية اليمنية في وادي حضرموت، ونهب ثروات المحافظة عبر شبكات فساد مرتبطة بنخب صنعاء التقليدية.

وأضاف صبيح أن "غياب الإشارة إلى هذه القضايا الجوهرية في البيان والكلمة يمثل ثغرة كبيرة، ويجعل الخطاب الصادر عن الفعالية بعيداً عن المطلب الشعبي الحقيقي لأبناء حضرموت، الذين كانوا ولا يزالون يطالبون بإخراج القوات اليمنية من الوادي والصحراء، واستعادة السيطرة الكاملة على ثرواتهم ومقدراتهم".

وتابع: "رغم أن بعض مضامين اللقاء حملت مطالب حقوقية محقة في ظاهرها، إلا أن تجاهل القضايا السيادية والاقتصادية الكبرى يطرح تساؤلات حول اتجاه هذا الحراك، وما إذا كان يستجيب لتطلعات الشارع الحضرمي فعلاً، أم أنه يسعى لخلق مسار بديل بعيداً عن المشروع الوطني الجنوبي الجامع".

وأكد صبيح "الموقف الثابت للمجلس الانتقالي الجنوبي بأن الحكم الذاتي لحضرموت مرحب به، ولكن تحت مظلة دولة الجنوب المقبلة، التي ستقام بعد استكمال مقتضيات ثورة شعب الجنوب وإعلان دولته المستقلة وفقاً للميثاق الوطني الجنوبي، الذي يضمن الحقوق كاملة لأبناء حضرموت من دون تهميش أو إقصاء".

وأوضح أن "رؤية الانتقالي لإدارة حضرموت تقوم على مبادئ الحكم المحلي الكامل، وتمكين أبناء حضرموت من إدارة شؤونهم بأنفسهم أمنياً واقتصادياً، وحماية ثرواتهم من كل أشكال النهب والعبث، ضمن إطار الجنوب العربي الموحد الذي يجمع ولا يفرق، ويحمي ولا يساوم".

وشدّد صبيح على أن أي محاولة لمعالجة قضية حضرموت بعيداً عن الجنوب ومشروعه الوطني العادل، ستصب حتماً في مصلحة قوى الفساد والاحتلال، وفي مقدمتها المليشيات الحوثية وقوى النفوذ التقليدية التي ما تزال تتربص بثروات حضرموت وتسعى للهيمنة عليها".

من جهته، اعتبر المحلل السياسي عبد الرحمن سعيد، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "اللقاء الموسع لحلف قبائل حضرموت يحمل عدداً من الرسائل السياسية، وأبرزها تلك الموجهة إلى الانتقالي الجنوبي، إذ أراد الحلف أن يعلن أن مشروع الانفصال لا مكان له في حضرموت، وثقافة الانفصال لا مكان لها بين أبناء حضرموت، واللقاء رد عملي على مهاجمة رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي للحلف وتحركاته، خلال زيارته الأخيرة إلى المحافظة قبل أسابيع".

وأضاف أن "حضرموت تمثل واحدة من أهم مراكز رأس المال الوطني، وبالتالي فإن رأس المال هذا يرى أن اليمن هو سوقه التجاري ويرى أن مصلحته تكمن في اليمن الموحد، وفي السوق الحر، ولا مصلحة لحضرموت وأبنائها في الانفصال. لذلك، فإن الدعوات الانفصالية لا تجد آذاناً صاغية في حضرموت التي يسعى أبناؤها إلى بناء يمن موحد وآمن ومستقر، فيه مقومات ومؤسسات الدولة، التي تقوم بتقديم الخدمات العامة للمواطنين، وهذه هي مطالب الحضارم المشروعة".

رسائل تطمين للسعودية

وأشار سعيد إلى أن اللقاء الموسع عُدّ ثمرة للقاء الذي جمع رئيس الحلف أخيراً بخالد بن سلمان، وتضمن رسائل تطمين للسعودية مفادها أن مصالحها محفوظة، خصوصاً أن لارتباط محافظة حضرموت بشريط حدودي مع السعودية بشريط حدودي يبلغ طوله أكثر من 700 كيلومتر، وفيها معبر الوديعة البري الذي يربط البلدين، وبالتالي فمن الطبيعي أن تحتاج السعودية إلى رسائل تطمين في ظل حالة صراع المشاريع المتباينة التي تسعى لبسط نفوذها على حضرموت، ونلاحظ تأكيد بن حبريش في كلمته أن موقف السعودية هو إلى جانب حضرموت، وأشاد بالدور السعودي في دعم التنمية بالمحافظة".

يشار إلى أن حضرموت تتميز بمقومات تجعلها وازنة في أي صراع داخلي، فهذه المحافظة تمثل أكثر من ثلث مساحة اليمن (36% من مساحة البلاد)، كما أنها غنية بالثروات باعتبارها واحدة من أبرز المحافظات النفطية في اليمن (تصدر 80% من صادرات النفط اليمني)، ومركزاً مهماً للثروة السمكية إذ تملك شريطاً ساحلياً يمتد لأكثر من 450 كيلومتراً، وفيها عدد من الموانئ أبرزها المكلا والشحر والضبة، ومطاران دوليان هما الريان وسيئون.

كما أنها مركز للعديد من أصحاب رؤوس الأموال اليمنيين داخل وخارج اليمن، وهذه الميزة تعد من الميزات التي تلعب دوراً في تحديد خيارات حضرموت السياسية، وتحديداً الموقف من وحدة اليمن.

وتعد محافظة حضرموت واحدة من ثلاث محافظات يمنية لم تدخلها الحرب بين الشرعية والانقلابيين الحوثيين (حضرموت والمهرة شرقي اليمن، وسقطرى في المحيط الهندي)، وإن كانت أصداء وتبعات هذه الحرب قد وصلت إليها وأثرت فيها من خلال المشاريع التي تهدف للسيطرة عليها، فهناك طرفان فاعلان يتنازعان السيطرة على حضرموت، هما الحكومة المعترف بها دولياً والتي تحكم قبضتها على ما يعرف بحضرموت الوادي وعاصمتها مدينة سيئون، وهناك المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يحكم قبضته على ما يعرف بحضرموت الساحل وعاصمتها مدينة المكلا والتي تعد عاصمة المحافظة.

(العربي الجديد)

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI