عاد مئات الحجاج اليمنيين أدراجهم بعد تدمير الطائرة الوحيدة التي قدمت صباح اليوم الأربعاء من العاصمة الأردنية عمان، وكان من المقرر أن تقلهم من مطار صنعاء الخاضع لسيطرة الحوثيين قبيل تعرضه لسلسلة غارات إسرائيلية أخرجته عن الخدمة كلياً مجدداً، بعد قصف مماثل مطلع الشهر الجاري.
يأتي ذلك خلال وقت شهد سكان صنعاء احتراق آخر طائرة مدنية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية أمام أعينهم، والتي كانت تحلق بآمال الحجيج والمرضى والطلاب كثمن لمن رهنوا مقدراتهم في معركة لا شأن لهم بها.
بتدمير آخر طائرة ضمن الأسطول والمطار الذي تربض فيه، تتفاقم المشكلات الإنسانية التي ستواجه الكتلة البشرية الأكثر تركيزاً في صنعاء والمحافظات المجاورة لها (شمال البلاد) بذات القدر الذي ألحقته المقاتلات الإسرائيلية بمقدرات اليمنيين واقتصادهم المنهار، وبهذا تدخل البلاد نفقاً جديداً لا يعلم منتهاه.
وشن الجيش الإسرائيلي صباح اليوم هجوماً على مطار صنعاء دمر خلاله الطائرة الرابعة التي استولت عليها الجماعة الحوثية منتصف العام الماضي، ضمن ثلاث أخريات سبق تدميرها خلال السادس من الشهر الجاري إثر قصف إسرائيلي مماثل، فيما تسيطر الحكومة اليمنية الشرعية على أربع أخريات داخل مطار العاصمة الموقتة عدن (جنوب).
وتداول ناشطون مقاطع فيديو تظهر حجاجاً يرتدون الإحرام كانوا يستعدون لصعود الطائرة فارين من المطار على وقع قصف المقاتلات الإسرائيلية.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس في بيان له إن "سلاح الجو استهدف مواقع لجماعة الحوثي داخل مطار صنعاء ودمر آخر طائرة هناك"، وتوعد بـ"تدمير مطار صنعاء كل مرة من جديد"، إضافة إلى "الموانئ في اليمن التي ستتعرض لضربات شديدة".
وكانت إسرائيل قصفت نفس المطار خلال السادس من الشهر الجاري ضمن هجومها الجوي الواسع على اليمن، وقصفت محطات كهرباء مركزية ومصنعاً للإسمنت، ويومها توعدت جماعة الحوثي بالرد، مجددة سرديتها "الدفاع عن غزة" قبل أن تسارع بترميم بمعايير مشكوكة وسط ترقب شعبي باستئناف تشغيله مع اقتراب موسم الحج، قبل أن تخيب آمالهم اليوم.
معاناة وخسائر بلا ثمن
بهذا التدمير تكون البلاد تعرضت لخسائر إضافية تزيد من كلفة المعالجة ومن معاناة آلاف اليمنيين الذين كانوا يعتزمون السفر لأداء الفريضة عبر هذا المنفذ الجوي الرئيس مع تساؤلات وحيرة عن كيفية حل إشكال نقلهم من وإلى العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون.
يقول مصدر في شركة طيران اليمنية إن الشركة تعيش أسوأ فتراتها بفعل ما تتعرض له من تدمير في مقدراتها وطائراتها.
وأكد أن مسألة نقل الحجاج تقع على عاتق الشركة التي من الممكن أن تنقل الحجيج من خلال ثلاثة احتمالات، وهي نقلهم براً إلى مطاري عدن وسيئون أو تسارع بنقلهم عبر إحدى طائرات الشركة التابعة للحكومة الشرعية من مطار صنعاء، عقب تأهيله أو استئجار طائرات.
وعن المخاوف من احتجاز الطائرة كما فعلت الجماعة قبل عام، قال المصدر "إن هذا الإشكال يمكن حله من قبل الشركة والحكومة الشرعية وسلطة جماعة الحوثي بصنعاء والسعودية التي تمتلك جزءاً من أسهم الشركة باتفاق يقضي بنقل الحجاج والنأي بالصراع عنها".
ويشير المصدر إلى إشكال آخر وهو أن طائرات "اليمنية" غير مؤمن عليها وهو ما يضاعف من أعباء الشركة في ظل وضع اقتصادي منهار تضاعفه مخاوف الشركات الأجنبية من التشغيل عبر اليمن، جراء الاضطرابات السياسية والأمنية.
خلية أزمة
وكانت الخطوط اليمنية أعلنت قبل أيام تشكيل خلية أزمة وغرفة عمليات تعمل على مدار الساعة لمتابعة التجهيزات والتحضيرات الخاصة بموسم الحج، وقال إنها تبذل أقصى الجهود للتشغيل وفقاً للجداول المعتمدة، ودعت جميع عملائها إلى البقاء على تواصل مستمر مع الإدارات المعنية لترتيب وإعادة جدولة رحلاتهم بما ينسجم مع التطورات الراهنة.
وإثر تدمير ثلاث طائرات من أسطولها الجوي حينها علقت الشركة جميع رحلاتها من مطار صنعاء الدولي وإليه، وعقب 10 أيام من القصف أعلنت جماعة الحوثي تشغيل المطار مما أثار موجة اتهامات واسعة بتعريضها المسافرين للخطر، كونها لم تراع معايير السلامة في ترميم المطار ومدرجه الذي انتشلت من باطنه صواريخ ضخمة لم ينفجر بعضها.
وتتلخص جملة الاتهامات في مسارعة الجماعة التي تتخذ من العاصمة صنعاء مقراً لها، إلى تشغيل المطار المدمر خلال أيام قليلة من دون إتمام عمليات الإنشاء والبناء، والتزام توفير جميع شروط ومعايير السلامة والحماية المتبعة دولياً في الطيران المدني، ضمن مسعى حوثي إلى إظهار نوع من التحدي أمام اليمنيين والمجتمع الدولي.
ومنذ اندلاع الحرب بين إسرائيل و"حماس" داخل قطاع غزة، ينفذ الحوثيون بين حين وآخر هجمات صاروخية نحو إسرائيل والسفن المارة في البحر الأحمر بحجة إسناد حركة "حماس"، وسط سخرية يمنية تتهمهم بتعريضهم ومقدراتهم للأخطار.
خبر غير مكتمل
واكتفت قناة المسيرة التلفزيونية التابعة للحوثيين بخبر مقتضب عن تعرض مطار صنعاء ومدرجه للقصف، من دون تقديم تفاصيل إضافية عن سقوط ضحايا من عدمه، في الهجوم الذي جاء غداة إعلان الجيش الإسرائيلي اعتراضه صاروخاً ومقذوفاً آخر أطلقه الحوثيون، إضافة إلى إسقاطه صاروخاً أطلق الأحد الماضي وصاروخين آخرين أطلقتهما الجماعة الخميس الماضي.
وأعلن الحوثيون المدعومون من إيران مسؤوليتهم عن هجمات خلال الأيام الأخيرة استهدفت مطار بن غوريون في تل أبيب.
للقصف الإسرائيلي العنيف بلا أدنى اكتراث من الجماعة التي انقلبت على السلطة الشرعية في العام 2014 ويتهمونها بهذا "خدمة المشروع الإيراني".
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن 10 طائرات حربية إسرائيلية شاركت في هجوم اليوم على مطار صنعاء، مشيرة إلى أن الغارات استهدفت طائرة بعد نحو نصف ساعة من هبوطها داخل مطار صنعاء.
(اندبندنت عربية)