في ظل تدهور القطاعين الصحي والبيئي في اليمن، يشهد عدد من المحافظات تفشّياً لمرض الكوليرا وسط صعوبة في حصول المرضى على العلاجات اللازمة.
أُصيب الفتى أحمد إبراهيم (16 عاماً) بأعراض لم يعهدها من قبل، فقررت أسرته نقله إلى المستشفى الجمهوري التعليمي العام في تعز جنوب غرب اليمن، ليتبين أنه مصاب بمرض الكوليرا، ويُضاف اسمه إلى آلاف حالات الإصابة التي تم تسجيلها في اليمن منذ بدء العام الجاري.
يقول لـ "العربي الجديد": "عانيت من إسهال مائي حاد، وقيء، ثم أصبت بجفاف شبه تام، مصحوباً بدوار وغثيان، وشعور ببعض التشنجات. توجهت إلى طبيب قريب من منزلنا لكنه لم ينجح في تشخيص مرضي، ولاحظت أن حالتي تزداد سوءاً ليتم إسعافي إلى المستشفى الجمهوري في تعز. شخصت بالإصابة بالكوليرا، وأخبرنا الطبيب أنه في حال تأخر إسعافي، كان من الممكن أن أفقد حياتي نتيجة الجفاف الذي أصابني".
تشهد المحافظات اليمنية الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، وتلك الواقعة تحت سيطرة أنصار الله (الحوثيين)، انتشاراً مقلقاً للمرض، في ظل تدهور الأوضاع الصحية والمعيشية، وانهيار منظومة الصرف الصحي، وانتشار القمامة داخل المدن، وطفح مياه الصرف الصحي، واستمرار موجات النزوح الداخلي الناتجة عن الحرب التي تشهدها البلاد منذ أكثر من عشر سنوات.
وعلى الرغم من أن الإحصائيات تشير إلى تسجيل أعداد كبيرة جداً من الإصابات، تفيد التقديرات بأن العدد الفعلي أكبر بكثير من المعلن، نتيجة الصعوبات التي يواجهها المرضى في الوصول إلى المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية.
تقول الطبيبة مروى عبد الحكيم، لـ "العربي الجديد"، إن "هناك موجة تفشٍّ كبيرة لمرض الكوليرا، وقد زادت أعداد الإصابات خلال الأيام الأخيرة بسبب أزمة المياه التي تشهدها تعز، ما جعل السكان يبحثون عن المياه، وغالباً ما يحصلون على مياه ملوثة، خصوصاً في مخيمات النزوح والأحياء الفقيرة. وتعد المياه الملوثة السبب الأبرز للإصابة بالكوليرا، بالإضافة إلى مياه الصرف الصحي والمجاري في الشوارع والأحياء السكنية".
تضيف أن "قلة الوعي الصحي تساهم كثيراً في انتشار المرض، عدا عن صعوبة تشخيصه من المريض وأسرته، إذ لا يمكنهم التفريق بين أعراض الكوليرا وأعراض الإسهال الطبيعي. وفي بعض الأحيان، تتساهل العائلات في كيفية الوقاية من المرض من جراء عدم إدراك خطورته". وتوضح أنه "يجب على الأسر تجنب المياه الملوثة والمكشوفة، ومياه الصرف الصحي، وبعض الأطعمة النيئة كالأسماك، والفاكهة والخضار غير المقشرة، وغيرها".
وتأتي موجة انتشار الكوليرا في ظل ضعف كبير في القطاع الصحي في اليمن، خلال فترة الحرب التي تشهدها البلاد منذ أكثر من عشر سنوات، ما أثر على البنية التحتية للمؤسسات الصحية. وقد تعرض الكثير منها للتدمير الكلي أو الجزئي، بالإضافة إلى ضعف الخدمات التي تقدمها المؤسسات الصحية في البلاد.
عوامل ساهمت في غياب الإجراءات الوقائية للمؤسسات الصحية في مواجهة انتشار الكوليرا. كما تغيب حملات التلقيح وتنعدم حملات الرش الوقائية.
يقول نائب وزير الصحة في الحكومة المعترف بها دولياً، عبدالله دحان، لـ "العربي الجديد"، إنه "خلال 21 أسبوعاً منذ بداية العام الجاري، تم تسجيل 5730 حالة اشتباه بالإسهال المائي الحاد، وحالة وفاة في المحافظات المحررة". يضيف أن المحافظات التي سجلت أكبر عدد من حالات الإصابة بالإسهال المائي الحاد هي لحج والحديدة وتعز. أما عدد المديريات التي تم الإبلاغ فيها عن الإسهال المائي الحاد فيها، فهو 30 مديرية من إجمالي المديريات، أي بنسبة 22.9%.
ويقول دحان إنه منذ الأول من يناير/ كانون الثاني الماضي وحتى 26 مايو/ أيار الجاري، تم تسجيل 152 حالة مؤكدة بالفحص الزراعي، و872 حالة مؤكدة بالفحص السريع. وبلغ إجمالي عدد العينات المرسلة إلى المختبر 630 عينة، ووصلت نسبة النتائج الإيجابية إلى 24.1% أي 128 حالة، كما أن هناك 872 حالة مؤكدة بالفحص السريع من أصل 1538 حالة أي بنسبة 56.6%".
يضيف أن المحافظات التي سجلت أكبر عدد من الحالات المؤكدة هي شبوة (42 حالة بنسبة 27.6%)، وعدن (38 حالة بنسبة 25%)، ولحج (34 حالة بنسبة 22.3%)، وتعز (27 حالة بنسبة 17.7%). ومن إجمالي الحالات المؤكدة، هناك حالة وفاة واحدة من مديرية تبن في محافظة أبين.
كما يشير دحان إلى أنه "خلال الأسبوع الأخير، تم تسجيل 559 حالة مشتبهاً بإصابتها بالإسهال المائي الحاد، وسجل أكبر عدد من الحالات في محافظات أبين وعدن ولحج". ويوضح دحان أن سبب تفشّي الكوليرا هو ضعف البنية التحتية، وتردي خدمات الصرف الصحي، وانقطاع المياه والكهرباء، لافتاً إلى أنه تم فتح تسعة مراكز استقبال وعلاج في حضرموت، ومأرب، وتعز، وعدن، ولحج، وأبين، وشبوة، والضالع، والحديدة، بالإضافة إلى تنظيم حملة توعية صحية. يضيف: "أطلقنا العام الماضي حملة في 34 مديرية، على أن نعمل بعد عيد الأضحى في الحديدة ولحج".
وتعمل فرق الترصد والاستجابة السريعة، التابعة لوزارة الصحة العامة والسكان في الحكومة المعترف بها دولياً، على رصد الحالات، ويتمثل دورها بعقد اجتماع لفريق القوى والمهام في وزارة الصحة العامة والسكان، مع إشراك وزارة المياه والبيئة، ورصد الحالات والإبلاغ عنها، وجمع وتحليل البيانات، ونشر التقارير والتحليلات لتقديم تقرير يومي للجهات المعنية، وإعداد التقرير الأسبوعي الوبائي لمرض الكوليرا، وتفعيل غرفة العمليات في المحافظات الخاصة بالترصد، ورفع تقرير يومي لحالات الإسهال في المحافظات، ووضع آلية نقل العينات لحالات الكوليرا، ووضع خطة توزيع الفحوصات السريعة للمراكز الصحية وفرق الاستجابة، وقيام فرق الاستجابة بعمل ميداني.
إلى ذلك، قالت منظمة الصحة العالمية، في تقرير أصدرته الأسبوع الماضي، إنه جرى الإبلاغ عن 12.942 إصابة جديدة بالكوليرا والإسهال المائي الحاد في اليمن، وعشر وفيات خلال الفترة ما بين الأول من يناير/ كانون الثاني و27 إبريل/ نيسان الماضيين. وأشار التقرير إلى أن عدد الحالات التي تمّ الإبلاغ عنها في اليمن خلال شهر إبريل وحده، وصل إلى 1352، وتضمن حالة وفاة واحدة، بزيادة 6% عن مارس/ آذار الذي شهد 1278 إصابة جديدة من دون تسجيل وفيات.
(العربي الجديد)