21 أكتوبر 2025
13 أغسطس 2025
يمن فريدم-اندبندنت عربية-أمينة خيري
يبدو الشارع الإسرائيلي منقسماً بالفعل تجاه احتلال غزة (رويترز)


سواء كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يخطط فعلياً لاحتلال غزة جزئياً أو موقتاً أو للأبد، وحتى لو وجهت إليه انتقادات من الداخل والخارج، وأسفرت عن تفعيل للاحتلال أو تأجيله أو إلغائه، وسواء وافقه وزير الدفاع يسرائيل كاتس على رغبته، مؤكداً أن الانتقادات الموجهة إلى قرار الاحتلال "لن تضعف عزيمتنا لهزيمة ’حماس‘"، أو عارضه رئيس الأركان إيال زمير بقرار تقليص حجم القوات النظامية في وقت يفترض أن يحدث فيه العكس، أو اتخذ وزير الدفاع يسرائيل كاتس قراراً باستدعاء 430 ألفاً من جنود الاحتياط.

ورغم مطالبة الأمم المتحدة بوقف خطة الاحتلال فوراً، وسواء كان نتنياهو يستقوى بدعم الرئيس الأمريكي ترمب أو يعتمد على اكتفاء الجانب الأكبر من العالم بالشجب والتنديد أو التلويح بعقوبات أو ترشيد إمدادات أسلحة أو إصدار أوامر اعتقال قضائية لقادة إسرائيل، وسواء صدقت "حماس" وردت على الاحتلال بمقاومة عنيفة في داخل غزة لا في دول الجوار، أو لم تصدق لضعف أصابها أو تكتيك يعدل من قرارها، يبقى صوت الشارع الإسرائيلي غائباً عن المشهد، إن لم يكن فعلياً فنظرياً.

شعبية إسرائيل في خطر

قياسات الرأي العام واستطلاعاته تشير إلى شعبية آخذة في الانخفاض في كثير من دول العالم تجاه إسرائيل، بحسب استطلاع أجرته مؤسسة "بيو" البحثية، وأعلنت نتائجه قبل أيام، فإن النظرة الدولية لإسرائيل حالياً سلبية أكثر منها إيجابية. غالب المستطلعة آراؤهم قالوا إن لديهم رأياً غير جيد تجاه إسرائيل. هولندا (78%)، واليابان (79%)، وإسبانيا (75%)، وأستراليا (74%)، وتركيا (93%)، والسويد (75%).

وتنخفض نسب تأييد إسرائيل أو التعاطف معها بسبب سياسات حرب أو قرارات احتلال أو ما شابه، لكن نسب تأييد الفلسطينيين أو التعاطف معهم أيضاً ليست وجهاً آخر يستفيد بالضرورة من هذا الانخفاض. على سبيل المثال، وبحسب تعليق نشرته مؤسسة "بروكينغز" (السادس من أغسطس "آب") لويليام غالستون وجوردان ماتشنيك، عنوانه "يستمر الدعم لإسرائيل في التدهور، بخاصة بين الديمقراطيين والشباب"، على رغم انخفاض التعاطف في الشارع الأميركي نسبياً مع الإسرائيليين، فإنهم ما زالوا مفضلين على الفلسطينيين من قبل الجمهوريين، لكن ليس من قبل الديمقراطيين.

ويمكن القول إن العمليات العسكرية لإسرائيل في غزة تؤثر كثيراً في مواقف الأميركيين من إسرائيل والفلسطينيين، لكن يظل التعاطف الأكبر لإسرائيل. كما يظل التعاطف الدولي تجاه الفلسطينيين يفرق بين "حماس" التي لا تحظى بتعاطف أو تأييد يذكر باستثناء الدول الإسلامية والعربية، والفلسطينيين الذين يتعرضون للقصف والتشريد والجوع.

كل ما سبق يجري تداوله في قاعات اللقاءات وطاولات المفاوضات والاجتماعات الأممية ووسائل إعلام الأرض، أما الشارع الإسرائيلي فبعيد من الأضواء، باستثناء تلك التظاهرات أو الاحتجاجات التي تجري بين الوقت والآخر، ومعظمها تطالب ببذل مزيد من الجهد لتحرير الرهائن.

الساعات القليلة الماضية شهدت خروج آلاف المتظاهرين الإسرائيليين في مدن عدة احتجاجاً على خطة نتنياهو وحكومته لـ"احتلال" غزة، أو تكثيف عملياتها العسكرية فيها. هذه التظاهرات يفسرها بعضهم "عربياً" بأنها احتجاج على استمرار أو توسيع رقعة الحرب في غزة أو حتى احتلالها، وذلك تضامناً وتعاطفاً مع الفلسطينيين، وهذا تفسير مجتزأ.

قبل أسابيع، صدم كثر جراء نتائج استطلاع أجراه أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة بنسلفانيا ستايت تامير سوراك وأستاذ التاريخ والدراسات اليهودية في جامعة ماريلاند الأميركية شاي هازكاني حول "المواقف الإقصائية لدى اليهود الإسرائيليين وجذورها اللاهوتية". الاستطلاع الذي نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية (مايو "أيار" 2025) أشار إلى تزايد ارتياح الإسرائيليين لفكرة "طرد الفلسطينيين قسراً، سواء من غزة أو حتى داخل دولة إسرائيل".

وأشار الاستطلاع إلى أن غالبية اليهود الإسرائيليين (نحو 56% منهم) تؤيد "نقل" المواطنين العرب في إسرائيل إلى دول أخرى. ومن وجهة نظر دينية، حين سئلوا مباشرة إن كانوا يوافقون على ما يتردد أحياناً بأن على الجيش الإسرائيلي أن "يتصرف كما تصرف بنو إسرائيل لدى احتلالهم أريحا بقيادة يشوع" (أي قتل سكانها جميعاً)، أجاب 47% منهم بـ"نعم". وصفت الصحيفة هذه الاتجاهات بـ"المقلقة"، التي تعكس تطرفاً، وذلك منذ انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005، كذلك رأت أنها تعكس كذلك، إخفاق اليهود الإسرائيليين العلمانيين في صياغة رؤية مغايرة.

يشار إلى أن أسئلة عدة يجري طرحها حول "أخلاقية"، ومدى مناسبة توقيت إجراء وطرح ونشر استطلاع رأي بهذا المحتوى، في ظل ظروف ملتهبة وخطرة كتلك التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، لكن تبقى إجابات الأسئلة كاشفة وصادمة.

رؤى إعلامية ملونة

الإعلام غير الإسرائيلي يرى الرأي العام الإسرائيلي من جوانب مختلفة، لا يمكن إقصاء السياسة بعيداً منها، أو اعتبارها قياسات واستطلاعات منزهة عن الأغراض ما حسن منها، وما ساء. تقول تقارير إعلامية وتحليلات متخصصين عرب إن الرأي العام في إسرائيل يرى أن احتلال غزة لن يهزم "حماس" أو يستعيد الأسرى، وإن غالبية الرأي العام الإسرائيلي يحبذ انسحاباً كاملاً من غزة، وإن ضغوط الرأي العام الإسرائيلي تضغط على نتنياهو من أجل العدول عن احتلال غزة، وإن الشارع الإسرائيلي يغلي والجيش يتحدى رئيس الوزراء.

وتقول تقارير إعلامية وسياسية وتحليلات متخصصين عرب أيضاً إن الشارع الإسرائيلي منقسم بالفعل تجاه احتلال غزة، لكنه ليس انقساماً بين فريق يحبذ الاحتلال ويهدف إلى التخلص من سكان غزة، وآخر يرفض الاحتلال ويتعاطف مع مأساة أهل غزة، لكن الاختلاف قائم على حسابات المكسب والخسارة للاحتلال، وإن مطالبات الشارع الإسرائيلي المتصاعدة بوقف الحرب فوراً والعودة إلى طاولة المفاوضات وتحرير الرهائن لا تعني أن هذا الشارع نفسه لا يميل إلى احتلال غزة في ما بعد، وإن جانباً من الرأي العام الإسرائيلي المعارض للاحتلال يرى أن نتنياهو كذب من قبل حين أكد غير مرة أن تحرير الرهائن يلوح في الأفق، والنصر قاب قوسين أو أدنى من التحقق، مما يعني أن نتائج احتلال غزة بالكامل غير محسوبة أو غير مخططة جيداً، ومن ثم ينبغي العدول عنها.

يشار إلى أن جانباً من التقارير التي تنشرها أو تبثها منصات إعلامية عربية باللغة الإنجليزية تغير أو تعدل أو تجمل نبرتها في ما يختص بخطها التحريري ومحتواها العاطفي الموجه للمتابع العربي، الذي يحب أو يفضل أو يرتاح لدى قراءة وسماع أخبار وتحليلات تفيد بأن الرأي العام الإسرائيلي يعارض نتنياهو، وأن أيامه في الحكم باتت معدودة، وأن الشرخ السياسي والعسكري الإسرائيلي بات فادحاً.

تقارير إعلامية وسياسية غير عربية تصول وتجول كذلك في الرأي العام الإسرائيلي، وذلك بين ما يؤكد أن خطة نتنياهو لاحتلال القطاع أثارت الفرقة والخلاف بين حلفاء إسرائيل التقليديين وبعضهم بعضاً، وكذلك في الداخل الإسرائيلي. وهناك من يقول إن بوصلة الرأي العام الإسرائيلي ضاعت بين رفض متنام للفلسطينيين، لا سيما أولئك المؤيدون لـ"حماس" وغيرها من الجماعات الإسلامية، وبين واقعيين يرون أنه يستحيل محو الفلسطينيين بجرة احتلال، وقلة قليلة ممن كانوا، وربما ما زالوا، يؤمنون بإمكان أن يعم السلام بالمفاوضات والاتفاقات.

لحين تحرير الرهائن

القياس الأكثر واقعية للرأي العام الإسرائيلي، والمنزه إلى حد كبير عن هوى السياسة، وأهواء المصالح الدولية ودور جماعات الضغط واللوبيات (جمع لوبي)، وميول ترجيج كفة على أخرى لأسباب عنصرية أو تفضيلية لأي سبب كان يشير إلى أن معارضة الشارع الإسرائيلي المتزايدة لخطة نتنياهو لاحتلال غزة، سواء موقتاً أو مدى الحياة أو لحين إشعار آخر، تعود في غالبيتها المطلقة إلى الحفاظ على حياة من تبقى من رهائن إسرائيليين على قيد الحياة، وحقناً لدماء الجنود الإسرائيليين، وخشية هزيمة إسرائيلية استراتيجية، ومنعاً لاستنزاف المواطنين الإسرائيليين وإنهاك جيوبهم بسبب أولويات اقتصاد الحرب، وخوفاً من عزلة أو عقوبات أو تضييقات دولية، لا نصرة لغزة، أو دعماً للجائعين، أو إنقاذاً للمعذبين فيها، باستثناءات بسيطة. وبالطبع، لا يتم ذكر "حق أهل غزة في الأرض" من قريب أو بعيد، إلا لو كان يذكر خلف الأبواب الموصدة بإحكام.

صحيفة "هآرتس" في تقريرها المنشور في يونيو/ حزيران الماضي عن نتائج الاستطلاع "المقلق"، الذي طرح فكرة أخلاقية توقيت الاستطلاعات في أوقات الأزمات الشديدة، استعرض كذلك نتائج استطلاعات عدة لتوجهات الشارع الإسرائيلي أجريت من قبل مراكز مختلفة، وأتت بنتائج مختلفة بحسب تغير عواطف الشارع وأولوياته ورؤاه، وما حدث في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، الذي قلب موازين عدة في الشارع الإسرائيلي.

استطلاع "مؤشر السلام" الذي أجرته جامعة تل أبيب في مارس/ آذار الماضي أشار إلى أن 62% من اليهود الإسرائيليين يؤيدون "إجلاء الفلسطينيين من غزة، حتى بالقوة والوسائل العسكرية". وقال 9% من المشاركين اليهود بـ"لا أعرف"، لكن 70% قالوا إنه إذا غادر سكان غزة، فعلى إسرائيل ألا تسمح بعودتهم مجدداً.

وأشارت كاتبة المقال داليا شايندلين إلى أن مركز "بيو" للبحوث أجرى استطلاعاً عام 2016 حول رأي اليهود الإسرائيليين في إذا ما كان "طرد العرب أو نقلهم من إسرائيل" ضرورياً. أجاب بـ"نعم" نحو 48% من المستطلعة آراؤهم، وهو الرأي نفسه الذي وافق عليه 56% في استطلاع أجري حديثاً، أي بزيادة ثمانية في المئة.

وتشير الكاتبة إلى أن المواطنين العرب في إسرائيل ما زال ينظر إليهم من قبل الإسرائيليين بصورة مختلفة عن الفلسطينيين في غزة، الذين أصبحوا مرادفين لـ"حماس"، و"حماس" مرادفة للسابع من أكتوبر، وكلاهما مرادف للنازية!.

استطلاعات رأي الشارع الإسرائيلي متواترة، وشأنها شأن كل الاستطلاعات التي تجرى في جميع أنحاء العالم، لا يخلو الأمر من توجهات سياسية أو أيديولوجية أو دينية مسبقة، وإن بدرجات متفاوتة.

أشار تقرير منشور في موقع "دويتشه فيله" بالإنجليزية (أغسطس 2025) بعنوان "كيف يرى الإسرائيليون الصراع في غزة ومعاناة الفلسطينيين؟" إلى استطلاعات رأي أجراها "معهد الديمقراطية الإسرائيلي" (مركز مستقل) ورصدت تغيرات في المواقف. في منتصف أكتوبر عام 2023، أي بعد وقت قصير من عملية حماس، رأى 17% فقط من الإسرائيليين أن على حكومتهم أن تتفاوض لتحرير الرهائن، حتى لو كان ذلك يعني إنهاء القتال. ومع حلول الذكرى الأولى للعملية، كانت النسبة قد قفزت إلى 53%.

وفي منتصف يوليو/ تموز الماضي، أظهر استطلاع للرأي أجرته "القناة 12" (قناة إسرائيلية محلية) أن 74% من الإسرائيليين يؤيدون توصل حكومتهم إلى اتفاق مع "حماس" من أجل تحرير جميع الرهائن وإنهاء القتال في غزة. التقرير أشار إلى أن أولويات غالب الإسرائيليين هي استعادة الرهائن، وإنقاذ حياة الجنود الإسرائيليين، وهو ما يجعل نسبة الرفض لسياسات حكومة نتنياهو تتزايد، وهو ما لا يعني بالضرورة تعاطفاً مع الفلسطينيين.

وفي نهاية يوليو الماضي، أجرى "معهد إسرائيل للديمقراطية" استطلاعاً حول مدى شعور الإسرائيليين بالقلق أو الحزن إزاء تقارير المجاعة والمعاناة بين الفلسطينيين في غزة. قال أكثر من ثلاثة أرباع المستطلعة آراؤهم (نحو 79%) إنهم لا يشعرون بالقلق على الإطلاق، وإنهم يعتقدون أن الجيش الإسرائيلي يبذل جهداً كافياً لتجنب المعاناة غير الضرورية. في المقابل أعرب 86% من الإسرائيليين العرب عن قلقهم الشديد جراء تقارير المجاعة والمعاناة.

من أهم ما جاء في التقرير، نقلاً عن مواطن إسرائيلي يسكن في تل أبيب وفضل عدم ذكر اسمه لـ"حساسية الموضوع"، فإن أعداداً متزايدة من الإسرائيليين تتحدث عما يجري في غزة، لكن التركيز الأكبر على الرهائن والجنود والرغبة في عدم التورط في حرب لا نهاية لها. وأضاف "سكان غزة والإسرائيليون يعيشون واقعين مختلفين تماماً. الحصار المفروض على غزة منذ 17 عاماً، بكل عواقبه المدمرة على سكان غزة قبل الحرب، وعلى بعد ساعة واحدة فقط بالسيارة من تل أبيب، لم يثر اهتمام الناس في إسرائيل حقاً".

يميناً ويساراً

توسع قاعدة اليمين، وتقلص هامش اليسار، وعملية "حماس" في السابع من أكتوبر التي "أحرجت" اليسار وربما دفعت أجزاء منه ليكون صدى اليمين، وتنامي الشعور بالتهديد في الداخل الإسرائيلي، سواء بفعل عملية "حماس" أو تعالي نبرات سياسة وإعلامية تدق على هذا الوتر لتوسيع قاعدة التأييد لسياسات نتنياهو، وتضاؤل السلام كفكرة، والتعايش السلمي كخطة، والدولتين كحل، أمور تؤثر في الشارع الإسرائيلي وتوجهاته وآرائه بصورة كبيرة.

يضاف إلى ذلك الأثر الكبير لفيديوهات الأسرى الإسرائيليين لدى "حماس"، التي تنشرها الحركة ربما ظناً منها أنها تزيد بذلك الضغط الشعبي الإسرائيلي على الحكومة للوصول إلى اتفاق لإنهاء الحرب، وإطلاق سراح المحتجزين، وكذلك كنوع من الحرب النفسية على الشارع الإسرائيلي. الأثر الأكبر تمثل في تآكل ما تبقى من بقايا دعم أو تعاطف بين قلة من الإسرائيليين، لا سيما من اليسار وبعض وسائل الإعلام الإسرائيلية تجاه "الحق الفلسطيني" عموماً، ومجاعة ومآسي غزة خصوصاً.

تشير الباحثة في "المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية" مريم صلاح في ورقة عنوانها "اليسار الإسرائيلي بعد طوفان الأقصى: أزمة هوية ومستقبل غامض" (أكتوبر 2024) إلى أن عملية "حماس" دفعت اليسار الإسرائيلي إلى التماهي مع الأيديولوجيات اليمينية الإسرائيلية بشكل يناقض شعارات "معسكر السلام"، التي دأب اليسار الإسرائيلي على رفعها. ولوحظ تبني اليسار مواقف تميل للعنف، ومؤيدة للحاجة إلى رد قوي على المقاومة الفلسطينية. وترى الباحثة أن هذا التغيير أسهم في شرعنة الدعوات الإسرائيلية لمواجهة الفلسطينيين "بقوة ووحشية".

تضيف أن الحديث عن حل الدولتين أيضاً انحسر لدى اليسار في أعقاب العملية، وتركز الحديث عن إعادة المحتجزين. واقتصر الخلاف بين اليمين واليسار، لا على استمرار الحرب أو الاجتياح البري للبنان، ولكن مجرد اختلاف سياسي على كيفية التعامل مع التهديدات، مع تجاهل ضمني للقضايا الإنسانية والمعاناة الفلسطينية.

وتشير صلاح إلى تراجع أصوات المنظمات الإسرائيلية التي كانت تطالب بتحقيق سلام، ولو محدود، مع الفلسطينيين من قبل. وتحولت هي الأخرى إلى إعادة المحتجزين. وأصبحت أنشطتها محدودة للغاية، ولا تحظى بتسليط الضوء الإعلامي، ولم تعد لديها القدرة على طرح أي رؤية جادة لمسار السلام.

مأزق اليسار الإسرائيلي الذي تفاقم بعد السابع من أكتوبر طال كذلك اليسار غير الصهيوني، الذي يرفض الصهيونية كأيديولوجي. حتى هؤلاء أصبحوا يتحدثون عن أولوية القضاء على "حماس"، كهدف ملح ينبغي أن يسبق أي وقف لإطلاق النار.

ومع تصاعد الحديث عن قرب احتلال غزة بالكامل، سواء نجم عنه احتلال إسرائيلي فعلي أو كان ورقة ضغط أو تهديداً، وسواء كان احتلالاً موقتاً أم أبدياً، يظل التعرف إلى توجهات الرأي العام الإسرائيلي، ومطالب الشارع بأطيافه السياسية والأيديولوجية مهماً وكاشفاً وعاكساً لدرجات الحرارة السياسية الراهنة في المنطقة، وهي الدرجات التي لا تقتصر على غضب عربي مما آلت إليه الأوضاع في غزة، لكن يحوي - شئنا أو أبينا - رأي عام شارع إسرائيلي أصبح شبه موحد، بما فيه تيارات كانت تميل إلى اعتناق مسار السلام أو حل الدولتين أو فكرة التعايش، ولم تعد كذلك في الأقل في الوقت الراهن.

وإذا أضيف إلى ذلك حديث نتنياهو ضمن تأكيده نية احتلال غزة، سواء لحين القضاء على "حماس" كلية أو لحين الوصول إلى خطة "دولية" لإدارة القطاع، عن "تحرير أسرانا أحياءً أو أمواتاً، والقدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل"، وعدم ممانعة أمريكية لاحتلال إسرائيلي كامل لغزة، تكون الصورة أكثر وضوحاً، وإن كانت أسوأ من المأمول، أو لا تمت بكثير من الصلة لما يتردد عن الشارع الإسرائيلي عبر الحدود.

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI