2 سبتمبر 2025
24 أغسطس 2025
يمن فريدم-توفيق الشنواح
قلعة القاهرة وتظهر خلفها مدينة تعز


ألا يبدو غريباً أن يقبع مروض الجن في أحد سجون اليمن عندما لم تفك أسره العفاريت التي يتعامل معها؟ والأعجب أن يتهمه مدير أمن منطقة "يفرس" بمحافظة تعز بإرسال الجن إلى قريب له فأمر بحبسه منذ 20 يوماً من دون أن يخشى أن يبعث له أرواحاً أخرى تنتقم له.

قصة غريبة تعبر عن الحال التي يعيشها اليمن، حيث يحتفظ الحكي الشعبي والعرف الاجتماعي فيها بكثير من قصص الجن وعوالمهم الأخرى التي تحتل مكانة بارزة في الوعي والتراث الاجتماعي والديني والأدبي العربي، بدأت تفاصيلها التي أثارت اهتمام الناس، عندما أمر مدير أمن منطقة "شمير" بمديرية جبل حبشي التابعة لمحافظة تعز (جنوب غرب) بالقبض على المواطن عبده ناجي شعبان "64 سنة من فئة المهمشين السود" بتهمة التعامل "مع الجن والزيران" وإرسالها لأذية أحد الأشخاص من غير فئته.

اعتقال وانتقادات

وعلى رغم الانتقادات التي نشرها بعض نشطاء مواقع التواصل حول التهمة واعتقال شعبان الذي تذكر التقارير الطبية المنشورة أنه يعاني من أمراض مزمنة واكتئاباً بشهادة أهالي المنطقة، فإن أمن المنطقة لم يصدر توضيحاً حول حيثيات الواقعة.

في الأساطير والمرويات الشعبية داخل اليمن، يذكر "الزيران" أو "الزار" باعتباره أحد أنواع الجان، وترتبط به خرافات شائعة تزعم أن بعض الفئات المهمشة قادرة على امتلاكه والتحكم به، بما يشمل الإضرار بالآخرين أو التأثير في وعيهم ونفسياتهم.

وهذه المرويات المتداولة عمقت الصور النمطية السلبية في بعض المجتمعات الريفية، مما أدى أحياناً إلى التعامل معهم بنظرة متوجسة أو سلبية. غير أن المعتقدات المرتبطة بالشعوذة والتعامل مع عالم الجن ليست محصورة بهذه الفئة، بل تمارس داخل مجتمعات يمنية عدة كجزء من إرث شعبي واسع قائم على الموروثات والأساطير.

المهمشون، وهم فئات اجتماعية من ذوي البشرة السوداء يُعرفون في بعض المناطق بأسماء شعبية مختلفة، مثل "الأخدام".

ويعدون من الطبقات التي عانت تاريخياً التمييز الاجتماعي والتهميش في اليمن، حيث استقر كثير منهم في أطراف المدن والقرى، داخل مساكن بسيطة من مواد متوافرة كالخيام أو الصفيح.

وغالباً ما ارتبطت أعمالهم بمهن شاقة مثل النظافة أو خدمات الصرف الصحي أو إصلاح الأحذية، مما زاد من عزلتهم الاجتماعية. وتحيط بحياتهم اليومية وطقوسهم الخاصة في الزواج والأفراح والجنائز صور نمطية كثيرة، يغلب عليها ما يشاع داخل المجتمع أكثر من الحقائق الموثقة.

كيد وراء التهمة

وما بين تساؤلات الناس المستغربة عن امتلاك المهمش شعبان الجن من دون أن يفك أسره، تساءل آخرون عن صحة التهمة قانوناً، وعللوها بعدم اكتراث المسؤول الأمني لتحذيرات الناس من ضرر قد يناله من السجين شعبان عبر "أصحابه من الجن"، خصوصاً وقد احتجزه بتهمة أذية الآخرين.

يعبر رئيس اتحاد المهمشين والمجلس الوطني للأقليات في اليمن نعمان الحذيفي عن أسفه إزاء قضية اعتقال المواطن عبده محمد ناجي شعبان، الذي ينتمي إلى فئة المهمشين السود.

يوضح الحذيفي خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية" أنه تم احتجاز شعبان "وسجنه من قبل إدارة أمن شرطة يفرس التابعة لسلطة الحكومة الشرعية، منذ أكثر من 20 يوماً من دون أي مبرر قانوني بناءً على تهمة كيدية من بعض النافذين في المنطقة، زاعمين أنه قام بعمل زيران لأحد أبناء المنطقة".

ويكشف عن أن "قضية المعتقل المسن عبده شعبان الذي يعاني أصلاً مشكلات نفسية وعصبية ليست سوى واحدة من عشرات القصص المماثلة التي لم يسلط الضوء عليها"، ووفقاً للشكوى المقدمة يطالب المشتكون السجين بـ"مسح يده" على رأس وجسد شخص مريض، زاعمين أن "الزيران" الذي يمتلكه هو السبب، في قرية لم يزرها المعتقل منذ خمسة أعوام، ولم يسبق له معرفة بالمشتكين أصلاً.

ويعتبر أن هذا الإجراء جزء من سلوكيات "لا نستغربها لأنها تطلق غالباً ضد المهمشين السود مثل اتهامهم بامتلاك 'جن الزيران'، إذ تندرج هذه الإشاعات والخرافات ضمن سياقات الظلم الاجتماعي والممارسات العنصرية المتفشية ضد السود في المجتمع اليمني".

حجة للاعتداء.. ألم العدل والضبط

كما يكشف الحذيفي أن الهدف من وراء نشر مثل هذه التهم "تبرير مصادرة حقوق المهمشين وطردهم من مناطقهم أو الاعتداء عليهم بالضرب والعنف اللفظي ومختلف صور التمييز".

ويضيف "الأكثر إيلاماً ومأسوية انسياق المؤسسات الأمنية والعدلية مع هذه الروايات المجتمعية، مما يؤدي إلى تضاعف الظلم في حق السود ظلماً اجتماعياً ورسمياً مؤسساتياً، بخاصة أن هذه الإشاعات تتجذر بصورة كبرى في المناطق الريفية ليس في تعز فحسب، بل في كثير من مناطق اليمن".

وعلى رغم ذلك "طالب السلطات المحلية في تعز ووزارة الداخلية والنائب العام في الحكومة الشرعية بالتدخل العاجل للإفراج عن المعتقل عبده محمد ناجي شعبان، والتحقيق في الشكوى المقدمة ضد المشتكين، والتأكد من صحة هذه الادعاءات الواهية".

مساعي الخلاص

ويخلص الحذيفي إلى أن "استمرار مثل هذه القضايا والممارسات التمييزية المرتبطة بالموروثات الاجتماعية العنصرية ضد السود يعكس واقعاً مظلماً يسعى المهمشون جاهدين إلى الخروج منه، وهم على رغم هذا يبذلون قصارى جهدهم ليكونوا مواطنين صالحين قادرين على المساهمة في الحياة الاجتماعية والعامة على قدم المساواة مع بقية أبناء الشعب اليمني".

ولا توجد إحصاءات رسمية عن حجم فئة المهمشين، لكن الأمم المتحدة أفادت أن هناك نحو 3.5 مليون مهمش في اليمن تنتشر الأمية والفقر بينهم ولا يلحقون أبناءهم بالمدارس. ويوجد أكبر التجمعات البشرية لهم في محافظات الحديدة وتعز وإب ولحج والمحويت والمناطق الساحلية في حجة وحضرموت، مما يؤكد حضورهم في جميع المحافظات اليمنية.

(اندبندنت عربية)

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI