5 أكتوبر 2025
23 سبتمبر 2025
يمن فريدم-عبده عايش


بمجرد أن دلفت إلى داخل مبنى المتحف الوطني في صنعاء، شاهدت تمثالي الملك ذمار علي يهبر، ونجله الملك ثاران، وهما من البرونز، ويعلوهما الغبار والزجاج المتشظي والحجارة المتناثرة وقطع القماش المتمزقة والنوافذ المعدنية الساقطة أرضا.

لم يكن في ذهني وأنا أتفقد مع المختصين بالآثار غرف وطبقات المتحف الوطني، سوى معاينة الأضرار التي أصابته وكنوزه الأثرية، جراء القصف الإسرائيلي الذي تعرضت له العاصمة اليمنية في سبتمبر الجاري.

وثمة شعور أن ما جرى لم يكن اعتداء على اليمن في القرن الـ21، بل طال العدوان الملك الحميري ذمار علي يهبر، ملك مملكة سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت، وهو من أبناء الملك العظيم شمر يهرعش موحد اليمن الأول.

والملك ذمار علي، الذي بقي تمثاله شامخا ومنغرسا في مكانه، حكم اليمن في القرن الرابع قبل ميلاد نبي الله عيسى عليه السلام، وعرف بالملك المقرن (بتشديد الراء) ويقال إنه الرجل الصالح ذو القرنين الذي ورد ذكره في القرآن الكريم والذي جاب الأرض شرقا وغربا.

لكن المشهد كان محزنا أن تتناثر قطع الآثار التي تحكي جانبا من تاريخ اليمن القديم وحضارته العظيمة، وخطه المسند المتفرد، المنقوش على الأعمدة والحجارة العملاقة وعلى القطع الأثرية، كما يحكي تاريخ ملوكه وممالكه، التي ورد ذكرها في القرآن الكريم كملكة سبأ التي كانت تحكم اليمن من مأرب، ذات الجنتين وسدها التاريخي، الذي تعرض في الزمن الغابر للانهيار جراء سيل العرم.

استهداف المواقع الأثرية اليمنية

وبأعقاب القصف الإسرائيلي شددت السلطات في صنعاء، الإجراءات الأمنية والحمائية، وبدأ المختصون بالآثار في أعمال الحصر والجمع للقطع الأثرية والأتربة المنتشرة، وترميم النوافذ المدمرة والسقوف المتشققة، والفاترينات المتفجرة زجاجاتها.

وتحدث للجزيرة نت مدير عام المتاحف بصنعاء، عبد المنان عبد الرؤوف العبسي، قائلا إن الأضرار كبيرة في المتحف الوطني وفي محيطه نتيجة الاستهداف الإسرائيلي، الذي نتج عنه تدمير صالات العرض بالمتحف وبالمعروضات من القطع الأثرية خاصة في قسم الآثار القديمة ما قبل الإسلام مثل حضارة ممالك اليمن الحضارية كمملكة سبأ ومملكة معين وممالك قتبان وحمير وحضرموت.

وأضاف أن "المعروضات التاريخية والأثرية تعرضت لأضرار متعددة منها ما تعرض لخسائر جزئية ومنها أكسار كبيرة، ولذلك نحن الآن في مرحلة تقييم الأضرار وحصر وجمع القطع المتناثرة، بالإضافة لأخذ الآثار السليمة إلى أماكن آمنة لحفظها وحمايتها".

وبشأن تعمد استهداف المواقع الأثرية اليمنية، قال العبسي إن الاستهداف الإسرائيلي يهدف لطمس هوية اليمنيين. واستهداف المواقع الأثرية والتاريخية مشكلة تؤرقنا وهناك مخاوف لدينا من زيادة حدة الاستهدافات خاصة في صنعاء القديمة.

إرث يتجاوز المئة عام

ويتكون المتحف الوطني من 5 طوابق، ويحيط به سور طويل من الطين والقش، وعمره يتجاوز المئة عام، وقد بني في عهد الدولة العثمانية التي كانت تحكم اليمن.

ويقع المتحف الوطني شمال ميدان التحرير، على مرمى بصر من صنعاء القديمة التي نزل بها سام بن نبي الله نوح عليه السلام بعد الطوفان العظيم، وسميت باسمه قديما (مدينة سام)، وما تزال حتى اليوم تنبض بالحياة وسكانها يعيشون في مبانيها التاريخية ويصلون في جامعها الكبير الذي بني بأمر من رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام.

ويلاصق المتحف جنوبا مسجد قبة المتوكل، ومتحف الموروث الشعبي، المطلان على ميدان التحرير، كما يقابله غربا قصر البشائر الذي كان يتخذه سكنا ومقرا للحكم إمام اليمن السابق أحمد يحيى حميد الدين ومن بعده نجله محمد البدر، الذي أسقطت حكمه ثورة 26 سبتمبر/أيلول عام 1962م.

وجرى افتتاح المتحف الوطني في العام 1971، ويحوي آلاف القطع الأثرية من مختلف العصور القديمة، ما قبل الإسلام وما بعده، تحكي فصولا من تاريخ اليمن وحضارته، بالإضافة إلى تماثيل وبرونزيات، وأسلحة قديمة وبحرية، وعملات نقدية ونقوش حجرية بخط المسند وغيرها الكثير من الآثار.

واعتبر عبد الله محمد ثابت، نائب رئيس الهيئة العامة للآثار والمتاحف في صنعاء، في حديث للجزيرة نت أن الأضرار في المتحف الوطني كثيرة، والصورة داخله تحكي عن نفسها.

كما يعتقد أن القصف الإسرائيلي الذي استهدف مواقع ومنازل مدنية مجاورة للمتحف الوطني ليس من قبيل الصدفة بل هو قصف ممنهج ومركز لمحو آثار وحضارة اليمن.

وأشار إلى أن أكثر صالة عرض تضررت جراء القصف الإسرائيلي هي آثار خط المسند اليمني القديم وتطوره الزمني، وأكثر قطعة أثرية تضررت كانت لقطعة من البرونز يتجاوز عمرها 4 آلاف عام.

وأكد على أن "كل القطع الأثرية تضررت، بل المتحف الوطني كله تضرر ونحن الآن في حالة طوارئ لحصر وجمع القطع الأثرية والأكسار والأضرار التي أصابتها جراء الانفجار الكبير الذي هز مبنى المتحف وكامل أركانه".

وكانت الهيئة العامّة للآثار والمتاحف في صنعاء، وجهت نداء استغاثة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، طالبت فيه بحماية المواقع التاريخية والحضارية في اليمن من الاعتداءات الإسرائيلية.

وقالت في بيان لها، إن "الغارات الصهيونية على صنعاء أدت إلى أضرار جسيمة في المتحف الوطني، الذي يقع في دار السعادة التاريخي، مما يهدّد المقتنيات الأثرية الثمينة التي يحتضنها".

وقالت الهيئة إن المتحف الوطني، يُعدّ من أبرز رموز الهوية الوطنية اليمنية، ويحوي آلاف القطع الأثرية التي تمثّل جزءا من التراث الإنساني المشترك، وشدّدت على أن حماية التراث الثقافي اليمني تُعدّ حماية للذاكرة الإنسانية.

كما طالبت "اليونسكو" بالتدخّل العاجل لحماية التراث الحضاري اليمني، مستندة إلى اتفاقية لاهاي لعام 1954 الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية في حالات النزاع المسلح، والتي تُعدّ "اليونسكو" الضامن الرئيس لتفعيلها.

(الجزيرة نت)
 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI