5 أكتوبر 2025
26 سبتمبر 2025
يمن فريدم-اندبندنت عربية-إنجي مجدي


يترقب السوريون مفاوضات ترسم ملامح فصل جديد في العلاقة مع إسرائيل، الدولة التي كثيراً ما شكلت عدواً للأنظمة السورية المتعاقبة، بعدما ظل البلدان في حال حرب رسمياً منذ عام 1948. وتستعد الحكومة السورية الانتقالية بقيادة أحمد الشرع لتوقيع اتفاق مع تل أبيب ينطوي على ترسيم خطوط للمشهد الأمني داخل مناطق الجنوب السوري الذي يشهد عنفاً وتوتراً.

وفي حين أشارت تصريحات مسؤولي البلدين خلال الأشهر القليلة الماضية إلى "اتفاق أمني" شامل لكن يبدو أن الأمور لم تسر على ما يرام، إذ تحدث المبعوث الأميركي إلى سوريا توم براك الثلاثاء الماضي عما وصفه بـ"اتفاق خفض التصعيد"، تتوقف بموجبه إسرائيل عن هجماتها مقابل التزام سوريا بعدم نقل أية آليات أو معدات ثقيلة قرب الحدود الإسرائيلية.

خطوة أولى نحو اتفاق أوسع

وفق براك فإن الاتفاق سيشكل خطوة أولى نحو الاتفاق الأمني الذي تتفاوض عليه الدولتان، كاشفاً عن أنه على رغم ضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترمب للإعلان عن اتفاق أمني شامل، لكن لم يُحرز تقدم كافٍ حتى الآن، كما أن عطلة رأس السنة العبرية "روش هشناه" التي توافق الأسبوع الجاري، أبطأت العملية.

وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أمس الأربعاء إن مفاوضات تُجرى مع سوريا، وإن النتائج مرهونة بضمان مصالح إسرائيل التي تشمل نزع السلاح جنوب غربي سوريا، وحماية سلامة وأمن الطائفة الدرزية داخل سوريا. ووفق تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأحد الماضي، فإن هناك تقدماً ضمن اتفاق أمني مع سوريا، لكن التوصل إلى اتفاق ليس وشيكاً.

ومنذ مطلع الأسبوع، نشرت الصحافة الإسرائيلية والأميركية تقارير تفيد باقتراب مسؤولي إسرائيل وسوريا من تحقيق اختراق تاريخي، مع تصاعد الزخم في المفاوضات في شأن اتفاق أمني. وأفاد مسؤولون إسرائيليون رفيعو المستوى باحتمال كبير للقاء بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والشرع داخل واشنطن الأسبوع المقبل، إذ يوجدا في الولايات المتحدة لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

التقارير الأولية، ومن بينها تقرير انفردت به "اندبندنت عربية"، أفادت وفق مصادر سورية رفيعة المستوى بأن البلدين سيوقعان اتفاق سلام شامل. وقال الشرع في مقابلة مع صحافيين وباحثين في دمشق الأسبوع الماضي إن اتفاقاً أمنياً يهدف إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي قد يُعلن خلال "الأيام المقبلة". وأضاف أن حكومته تسعى لاستعادة جميع الأراضي التي استولت عليها إسرائيل منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

غير أن صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أشارت إلى أن غياب التفاصيل في شأن أي اتفاق يثير مخاوف بعض السوريين من أن تقدم الحكومة الموقتة تنازلات مفرطة لإسرائيل، التي احتلت أراضي سورية خلال الأشهر الـ10 الماضية. وفي لقاء دمشق الأسبوع الماضي، قال الشرع إن جولة المفاوضات الحالية لا تركز على وضع منطقة الجولان التي استولت عليها إسرائيل من سوريا بعد حرب عام 1967، ونفى أنه يتعرض لضغوط أميركية للتوصل السريع إلى اتفاق، قائلاً إن إدارة ترمب تعمل فقط كوسيط.

وبعدما أطاح مقاتلون معارضون بقيادة الشرع الرئيس السوري بشار الأسد أواخر العام الماضي، نشرت إسرائيل وحدات قرب منطقة القنيطرة جنوب سوريا، وتمركزت داخل المنطقة منزوعة السلاح "خط وقف إطلاق النار" لعام 1974. وتقدمت القوات الإسرائيلية إلى داخل المنطقة نفسها، وسيطرت على الجانب السوري من جبل الشيخ وهي أعلى نقطة في سوريا، وأقامت عدة مواقع عسكرية على الجبل. ومنذ ذلك الحين، شنت إسرائيل مئات الغارات الجوية على مختلف أنحاء سوريا.

ويعد السوريون أن هذه التوغلات خرق لاتفاق فك الاشتباك لعام 1974، الذي فصل بين القوات السورية والإسرائيلية بوجود قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة، وأعاد جبل الشيخ إلى السيطرة السورية. لكن إسرائيل عدت أن الاتفاق أصبح لاغياً بعد سقوط نظام الأسد، ويصر نتنياهو على أنها إجراءات دفاعية تهدف لحماية حدود إسرائيل.

مقترح إسرائيل للاتفاق

ووفق ما نشرته القناة الـ12 الإسرائيلية، يشمل مقترح إسرائيل للاتفاق الأمني تقسيم جنوب سوريا إلى ثلاث مناطق، لكل منها ترتيبات أمنية خاصة تبعاً لقربها من الحدود الإسرائيلية. ويحاكي الترتيب مبادئ اتفاق كامب ديفيد عام 1979 بين إسرائيل ومصر، التي قسمت سيناء إلى ثلاث مناطق، وتحديد نوع وحجم القوات والأسلحة السورية المسموح بها في كل شريط من الشرائط الثلاثة جنوب غربي دمشق.

وينطوي المقترح أيضاً على توسيع المنطقة العازلة على الحدود السورية – الإسرائيلية بعمق كيلومترين داخل الأراضي السورية، ويحظر في هذه المنطقة انتشار القوات المسلحة السورية والأسلحة الثقيلة، مع السماح بنشر قوات الأمن الداخلي، إضافة إلى فرض حظر جوي في المنطقة الممتدة من جنوب غربي دمشق إلى الحدود مع إسرائيل، مع الحفاظ على ممر جوي إسرائيلي عبر سوريا إلى إيران لاستخدامه في أي صراع محتمل مستقبلاً. وأخيراً انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي السورية، مع الإبقاء على موقع للجيش الإسرائيلي أعلى جبل الشيخ.

مخاوف من تنازلات مفرطة

ويقول الباحث لدى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن أحمد شراوي إن القادة السوريين ربما يرون أن المقترح الإسرائيلي إشكالي، فتمسكهم بخطة فك الاشتباك لعام 1974 يعني الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي السورية، من دون فرض قيود على الانتشار العسكري السوري في الجنوب. أما الخطة الإسرائيلية فتعني عملياً تحويل جنوب سوريا إلى منطقة خارج سيطرة الدولة، ومنع الجيش السوري من العمل في مساحة واسعة تبعد 20 كيلومتراً فقط من دمشق.

وعلى رغم ذلك، يقول الشراوي إن القادة الحاليين في سوريا يعدون أن أي اتفاق مع إسرائيل مكسب إذا أدى إلى الحد من الغارات الجوية والتوغلات الإسرائيلية، ويمكن أن يمهد الاتفاق لتعاون أكبر بين سوريا وإسرائيل ضد عدوهما المشترك، إيران. فقد شكل جنوب سوريا لأعوام طويلة معقلاً للوكلاء الإيرانيين خلال الحرب الأهلية، ولا تزال بعض شبكاتهم نشطة. فخلال الـ12 من سبتمبر/ أيلول الجاري، أعلن الجيش الإسرائيلي أن عناصر يعملون جنوب سوريا مرتبطون بالفرقة الرابعة المدرعة التابعة للأسد وبفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

ووفق صحيفة "واشنطن بوست"، فإن بعض السوريين يخشون أن يذهب الشرع بعيداً في تقديم التنازلات بدافع رغبته في إرضاء الولايات المتحدة، التي رفعت بعض العقوبات المفروضة منذ عهد الأسد. ويشيرون إلى أن الحكومة الجديدة في موقف تفاوضي ضعيف بسبب الاضطرابات الداخلية والأزمة الاقتصادية، والتفوق العسكري الساحق لإسرائيل.

وبعد توليه السلطة لأشهر، بدا أن الشرع يتعامل مع التدخل العسكري الإسرائيلي كأمر ثانوي، نادراً ما ينتقده علناً، لكنه اضطر للتعامل مع التهديد خلال يوليو/ تموز الماضي، عندما شنت الطائرات الإسرائيلية غارات على قوات ومبان حكومية سورية أثناء أحداث عنف استهدفت الدروز والمسيحيين في مدينة السويداء، على يد عناصر يعتقد أنها تابعة للأمن السوري العام. ومنذ ذلك الحين، اتهم الشرع إسرائيل مراراً بالسعي لتقسيم البلاد.

وتداولت وسائل الإعلام الغربية عبارة الشرع خلال جلسة حوارية في معهد الشرق الأوسط بنيويورك، الإثنين الماضي، "لسنا نحن من يسبب المشكلات لإسرائيل. نحن نخاف من إسرائيل وليس العكس". وتحدث الشرع ضمن اللقاء قائلاً إن المحادثات مع إسرائيل في "مراحل متقدمة" وإن أي اتفاق "سيحافظ على سيادة سوريا ويلبي المخاوف الأمنية الإسرائيلية".

وعلقت كبيرة المستشارين لدى مجموعة الأزمات الدولية دارين خليفة والتي حضرت لقاء دمشق الأسبوع الماضي مع الشرع، إن الحكومة السورية تعتقد أنها لا تملك خياراً سوى توقيع اتفاق أمني، نظراً إلى الأخطار "المجهولة" لمزيد من التصعيد الإسرائيلي الذي قد يزعزع استقرار الحكومة. وأضافت أن الشرع شعر أيضاً بأنه لا يستطيع "التفريط بحماسة ترمب أو براك"، في إشارة إلى تقييمات إيجابية قدمها الرئيس دونالد ترمب وكذلك مبعوثه براك.
 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI