دخلت المعارك بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال درافور مرحلة تضييق الخناق أو ما يسمى "كسر العظم"، على رغم عمليات الكر والفر، في وقت لعبت المسيرات القتالية لكلا الطرفين دوراً رئيساً في صد الهجمات المباغتة وتشتيت القوات منعاً للتوغل وحسم المعركة.
هذا الوضع العملياتي المتصاعد، فضلاً عن سوء الأحوال المعيشية والصحية لانعدام الغذاء والدواء، أدى إلى موجات نزوح يومية للمواطنين من المدينة مشياً على الأقدام وباستخدام وسائل النقل التقليدية على رغم أخطار الانتهاكات والاعتقالات من جانب "الدعم السريع" التي تسيطر على مداخل المدينة ومخارجها.
وشهدت الفاشر اشتباكات عنيفة دارت بين الطرفين في المحور الشمالي الغربي استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، مما أحدث انفجارات قوية في مواقع عدة. وبحسب مصادر ميدانية، فإن الجيش قصف بالمدفعية الثقيلة مواقع وتمركزات "الدعم السريع" في الأجزاء الشمالية والجنوبية من المدينة، خصوصاً منطقتي قشلاق (ثكنات) الجيش وحي أولاد الريف اللتين توغلت فيهما الأخيرة وباتتا مسرحاً للقتال، إضافة إلى محيط المطار، بينما صوبت "الدعم السريع" مدفعيتها باتجاه المحور الشمالي خصوصاً منطقتي أبو شوك ونيفاشا.
وأشارت المصادر نفسها إلى أن مسيرات الجيش انقضت على تحركات "الدعم السريع" التي تخطط للتقدم باتجاه الجهة الشمالية، في حين هاجمت مسيرات الأخيرة مقر الفرقة السادسة - مشاة وسلاح الإشارة وحي الدرجة الأولى المكتظ بالنازحين القادمين من مخيمي أبو شوك ونيفاشا.
وقال شهود إن طائرة مسيرة تابعة لـ"الدعم السريع" قصفت محيط مستوصف أبو قرون بالفاشر وأودت بسبعة مدنيين وإصابة أكثر من 20 آخرين تم نقلهم إلى "المستشفى السعودي".
خسائر فادحة
في حين، أفادت مصادر عسكرية تابعة للجيش بأن "قوات الفرقة السادسة - مشاة تمكنت من صد هجوم نفذته "الدعم السريع" في المحور الشمالي الغربي، وكبدتها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، فضلاً عن تدمير وتعطيل عدد من المركبات القتالية، وفرار بقية قواتها باتجاه جبال وانا الواقعة غرب المدينة، وأضافت المصادر "استمر القصف المدفعي من قبل الدعم السريع طوال النهار (أمس)، ثم عادت الأوضاع إلى الهدوء والاستقرار النسبي".
ومنذ أغسطس/ آب الماضي توغلت "الدعم السريع" في عديد من المواقع بمدينة الفاشر، بما في ذلك مخيم أبو شوك شمال المدينة، التي تشهد اشتباكات وقصفاً بالمدافع والطائرات المسيرة منذ 11 مايو/ أيار عام 2024، حيث تفرض الأخيرة حصاراً مشدداً على المدينة، في مسعى للسيطرة عليها، باعتبارها آخر فرقة عسكرية للجيش في إقليم دارفور.
وأدى النزاع إلى توقف وتدمير معظم مصادر المياه العامة والخاصة، كما خرجت 95% من المستشفيات والمرافق الصحية عن الخدمة، فيما تعمل البقية بصورة جزئية.
مقتل 73 طفلاً
في الأثناء، ذكرت غرفة طوارئ أبو شوك أن "أكثر من 73 طفلاً دون سن الخامسة، و22 من كبار السن توفوا خلال آخر 40 يوماً جراء الجوع والمرض من سكان المخيم الفارين"، وأوضحت الغرفة في بيان أن "النازحين الذين اضطروا إلى مغادرة المخيم بسبب انعدام الأمن وغياب المساعدات يعيشون أوضاعاً بالغة القسوة، وسط غياب شبه كامل للغذاء والدواء، مما أدى إلى تفاقم حالات سوء التغذية بين الأطفال وكبار السن".
وأشار البيان إلى توقف المطابخ المجانية كافة بسبب ضعف التمويل، إذ وصلت كلفة الوجبة الواحدة لنحو 20 أسرة إلى ما يزيد على 9 ملايين جنيه سوداني (2500 دولار)، وحذر من كارثة صحية جراء تناثر الجثث في أماكن قرب تجمعات النازحين الفارين، بعدما تعذر دفنها لصعوبة الوضع الأمني.
وطالب البيان المنظمات الدولية والإنسانية بضرورة الضغط لتوفير ممر آمن يضمن سلامة المواطنين العزل للخروج من مواقع الاشتباكات.
وظل مخيم أبو شوك، الذي كان يؤوي أكثر من 190 ألف نازح، عرضة للهجمات المدفعية والطيران المسير، مما أدى إلى سقوط أعداد كبيرة من القتلى وإجبار الآلاف على النزوح قسراً.
وعلى رغم تعهدات "الدعم السريع" توفير ممرات آمنة للراغبين في مغادرة خطوط النار في الفاشر، فإن آلاف المواطنين ظلوا يشكون من تعرضهم لانتهاكات واسعة تشمل الاعتقال والتعذيب الجسدي والقتل، بدعوى تبعيتهم للجيش والقوات المشتركة.
غارات بغرب كردفان
وفي محور كردفان، يقوم طرفا القتال بحشد وتجميع قواته، إلى جانب جلب التعزيزات العسكرية من عتاد وغيرها استعداداً للمعارك المتوقعة في محوري شمال كردفان وغربها، في وقت واصلت مسيرات الجيش غاراتها الجوية على مواقع وتمركزات "الدعم السريع" في مناطق عدة بولاية غرب كردفان، منها منطقة أبو زبد، حيث تم استهداف تحركات للأخيرة كانت تحاول التمركز في أطراف المدينة، فضلاً عن تدمير مخزن إمدادات رئيس، ومعدات عسكرية، إلى جانب خسائر بشرية.
كما نفذ الطيران المسير للجيش، وفقاً لمصادر عسكرية، ضربات جوية محكمة استهدفت أربعة مواقع لـ"الدعم السريع" داخل مدينة النهود بولاية غرب كردفان، إضافة إلى استهداف موقع مهم في منطقة ود بنده بالولاية ذاتها يمثل خط إمداد رئيساً كان يستخدم لنقل السلاح والمؤن إلى الأبيض وأبو زبد.
ويرى مراقبون عسكريون أن استخدام الجيش الطيران المسير بكثافة في المعارك الدائرة الآن منحه تفوقاً واضحاً في ميدان العمليات، إذ جرى استهداف العربات القتالية بدقة عالية، مما أدى إلى انفجارات متتالية أربكت صفوف "الدعم السريع" وتشتيتها، ومن ثم إجبارها على التراجع، إضافة إلى مساهمتها في تدمير القوة الصلبة لتلك القوات.
وبيّن المراقبون أن المسيرات تعد بمثابة أداة فعالة في حسم المعارك، خصوصاً في المناطق التي يصعب فيها الاشتباك البري المباشر، معتبرين ما يجري من ضربات جوية مكثفة مقدمة لعمليات أوسع تهدف إلى تأمين منطقة أبو زبد ومحيطها، ومنع "الدعم السريع" من استخدام المنطقة كمعبر لتحركاتها بين دارفور وكردفان.
ويحاول الجيش عقب سيطرته على بلدة أم صميمة الواقعة غرب مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان التوغل نحو غرب كردفان، كما يسعى إلى الانطلاق إلى مدينة الدبيبات بجنوب كردفان عبر محور كازقيل.
وتفقد قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، السبت، قواته المرابطة في الخطوط الأمامية بولاية شمال كردفان، مؤكداً عزمه القضاء على "الدعم السريع".
حوادث اختفاء
حقوقياً، دعت مجموعة "محامو الطوارئ" إلى التحقيق في حوادث اختفاء عشرات الأطفال في ولايات البحر الأحمر والقضارف شرق السودان ونهر النيل شمال البلاد، بعدما رصدت 40 حالة اختفاء، منها 18 طفلة و22 طفلاً تراوح أعمارهم بين 3 و16 عاماً، خلال سبتمبر/ أيلول الحالي.
وأكدت المجموعة تزايد دعاوى اختفاء الأطفال في بورتسودان ومناطق أخرى، مشددة على أن هذا الاختفاء يمثل تهديداً خطراً لأمن المجتمع وسلامته، كما يعد جريمة جسيمة بموجب القوانين السودانية والاتفاقات الدولية.
وطالبت السلطات بإجراء تحقيقات عاجلة في الدعاوى ومحاسبة المتورطين، إضافة إلى تشديد الرقابة الأمنية داخل الأحياء ومداخل ومخارج المدن، بما في ذلك تفتيش المركبات المشبوهة، لافتة إلى أنها تلقت مئات الشكاوى والدعوات والطلبات من أسر ومواطنين بخصوص ظاهرة اختفاء الأطفال.
وأوضحت المجموعة أن المعلومات المتوافرة تشير إلى احتمال وجود أنماط متكررة لاستهداف الأطفال في ظل غياب الرقابة الأمنية الكافية، كما وضعت احتمال تورط شبكات إجرامية أو جهات تسعى إلى الاستغلال أو الاتجار بالبشر أو بث الرعب الاجتماعي.
وشددت على أن أي تقاعس أو تكتم في مواجهة هذه الجرائم يفتح الباب أمام انتهاكات جسيمة، بما في ذلك الاتجار بالبشر والتجنيد والاستغلال.
وتعرض آلاف الأطفال إلى انتهاكات عديدة خلال النزاع القائم، شملت القتل، والاغتصاب، والتجنيد القسري، والاختفاء، والتشريد، والنزوح، والحرمان من التعليم.
مكافحة البعوض
صحياً، نفذت وزارة الصحة الاتحادية حملة التفتيش المنزلي ضمن عملية مكافحة البعوض الناقل لحمى الضنك والملاريا بالعاصمة الخرطوم.
وأشار رئيس قسم مكافحة نواقل الأمراض بوزارة الصحة الاتحادية حمزة الجاك إلى أن 7.8 ألف مفتش يشاركون في تغطية 963 ألف منزل بولاية الخرطوم، تشمل البراميل وأواني مياه الشرب وأجهزة التكييف وخزانات المياه.
وانتشرت حمى الضنك، بصورة كبيرة، في ولاية الخرطوم وسط تحذيرات من وزارة الصحة الاتحادية بضرورة تلبية الحاجات المالية لتأمين المحاليل الوريدية والإنفاق على حملات المكافحة.
وتشير تقديرات وزارة الصحة الاتحادية إلى أن عملية مكافحة حمى الضنك تحتاج إلى 39 مليون دولار في ظل انتقال الوباء إلى 17 ولاية من أصل 18.
ويقول عاملون ومتطوعون في غرف الطوارئ إن عدد المصابين بحمى الضنك في تزايد مستمر في الخرطوم، في وقت قالت لجان المقاومة في أم درمان، إن "هناك انفراجاً كبيراً في المحاليل الوريدية والأدوية المساعدة على تخفيف آثار حمى الضنك".
ووفقاً لـ"شبكة أطباء السودان" فإن الوضع الصحي في ولاية الخرطوم شهد تحسناً نسبياً خلال عام 2025، إذ ارتفع عدد المستشفيات العاملة من سبعة مستشفيات فقط أثناء الحرب إلى 34 مستشفى حالياً، كما عاد إلى الخدمة 214 مركزاً صحياً موزعة على المحليات المختلفة، مما أسهم في تخفيف الضغط على المستشفيات وتوفير خدمات الرعاية الأولية للمواطنين.
وأوضحت الشبكة، في بيان، أن عودة المستشفيات والمراكز الصحية إلى العمل، تمثل خطوة مهمة نحو إعادة تأهيل القطاع الصحي، مشيرة إلى أن 46 مستشفى لا تزال خارج الخدمة، وأن الحاجة لا تزال كبيرة لمزيد من الدعم الفني واللوجيستي لإصلاح ما دمر، وضمان استمرار تقديم الخدمات الطبية في مختلف المحليات.
وأكدت الشبكة أن الوضع العام في الولاية لا يزال هشاً إذ تتفاوت الخدمات بين المحليات، غير أن الجهود المبذولة في إعادة تشغيل المرافق الصحية ساعدت في تحقيق بعض الاستقرار النسبي.