5 ديسمبر 2025
16 نوفمبر 2025
يمن فريدم-إشراق علي عبدالله
(اندبندنت عربية - حسن حامد)


واجه الفارون من جحيم الانتهاكات التي تمارسها قوات "الدعم السريع" في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور عقب سيطرتها عليها أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلى وجهات آمنة مختلفة، معاناة بالغة الصعوبة بخاصة النساء اللاتي لا زلن يدفعن الثمن الفادح لهذا الصراع الدائر بين الجيش و"الدعم السريع" لأكثر من عامين، وذلك نظراً إلى طول المسافات ووعورة الطرق والتضاريس.

وبين تلك الوجهات التي قصدتها نساء الفاشر النازحات في الفترة الأخيرة مدينة الدبة في الولاية الشمالية، إذ قطعن مسافة 1200 كيلومتر في غضون تسعة أيام منها السير على الأقدام، وأحياناً أخرى يتنقلن بواسطة عربات تقليدية تجرها الدواب تسمى "كارو"، إضافة إلى المركبات ذات الوزن الثقيل (الشاحنات)، وهي رحلة تجسد مأساة إنسانية حقيقية وتعد واحدة من أسوأ تداعيات هذه الحرب، بخاصة أن غالبيتهن جئن برفقة أطفالهن وبلا معيل (زوج).

وبحسب وزير التنمية الاجتماعية معتصم أحمد صالح، فإن عدد النازحين الذين جاءوا من الفاشر إلى مدينة الدبة تجاوز 50 ألف شخص، غالبيتهم من النساء، واصفاً ما يحدث بأنه كارثة تهز الضمير الإنساني.

وأوضح أن مجتمع الدبة سيعمل على تقديم الدعم لهؤلاء النازحين لضمان استقرارهم النفسي، وبذل كل المجهودات اللازمة لاحتواء هذه الأزمة وإنقاذهم من الأوضاع الصعبة في ظل تصاعد موجات النزوح.

جحيم لا يطاق

تقول النازحة فاطمة خميس التي وصلت إلى مدينة الدبة قبل خمسة أيام "قررت النزوح من الفاشر برفقة أطفالي الصغار ووالدي الطاعن في السن، لأن المدينة أصبحت جحيماً فور سقوطها بيد قوات ‘الدعم السريع‘ التي نشرت القتل بجميع أشكاله بهدف عرقي مخلفة فصول مأسوية لا تطاق".

وأضافت خميس، "أثناء حصار الفاشر فقدت أحد أبنائي جراء القصف العشوائي، والآخر عقب سقوطها، إذ قام جنود ‘الدعم السريع‘ بإطلاق النار عليه أمام عيني وسط إذلال وإساءات عنصرية رافضين الاستجابة لجميع التوسلات لتركه وعدم قتله، لكنهم نفذوا رغبتهم بقتله بدم بارد".

وتابعت، "لم أتوقع مغادرتي الفاشر يوماً ما، وأن أقطع مسافات طويلة تستغرق أياماً متتالية، لكن شدة الخوف على باقي أفراد أسرتي قادني إلى الابتعاد ما أمكن بحثاً عن الأمان الذي بات مفقوداً في مسقط رأسي وموطن أجدادي، فتحملت مشقة السفر تفادياً للترويع الذي تعايشنا معه منذ بدء الحصار".

وزادت المتحدثة قائلة "النزوح إلى منطقة الدبة كان بمحض الصدفة، إذ كنا في حال تخبط نتلمس طرق الفرار، وحين وصولنا إلى مليط، إحدى مدن ولاية شمال دارفور رأينا شاحنات تنقل مئات المواطنين وانضممنا إليهم من دون معرفة إلى أين تتجه، وظللنا نتنقل من مركبة لأخرى في رحلة قاسية سالكين طرقاً ترابية وعرة نعاني نقص الغذاء ومياه الشرب، لكن لا خيار أمامنا سواء الصبر للوصول إلى بر الأمان".

وأشارت النازحة إلى أن "بلوغ مدينة الدبة لم يكن سهلاً، إذ هون أمرنا المال الذي نحمله، وعلى رغم الإفلات من عناصر ‘الدعم السريع‘، فإننا لم ننج من الاستغلال التجاري والابتزاز على أوسع نطاق، لكن تكاتف النازحين الذين كانوا يتقاسمون اللقمة وجرعة الماء سهل معاناة الوصول إلى المدينة".

فقد وتشرد

أما زهرة إسحاق التي لم تستطع حبس دموعها وهي تروي مواجع الفقد والتشرد أثناء حصار الفاشر حتى سقوطها وكيفية فرارهم، قالت "منذ بدء الحصار لم نكن في وضع طبيعي، إذ كنا نختبئ في خنادق قمنا بحفرها حتى نحمي أنفسنا من هول القصف العشوائي والمتعمد، وهو ما اتبعه أهالي الفاشر، وعند هدوء الأحوال نخرج نتزود بأي نوع من الطعام نصادفه خلال بحثنا في ظل نقص حاد في الغذاء والمياه وإغلاق الأسواق".

وأردفت، "لم نتوقع سقوط مدينة الفاشر التي صمدت في وجه أعنف المعارك، لكن المؤسف أن عقب سقوطها حدثت أبشع الانتهاكات وأصبحت الحياة قاسية. ووسط الدمار والتخريب والحرائق والقتل هربنا متوجهين نحو منطقة طويلة سيراً على الأقدام، لم تكن وجهتنا الأخيرة إذ كانت عزيمتنا الهرب ما استطعنا بسبب مخاوفنا من اتساع رقعة الصراع".

وواصلت إسحاق "مجازر الفاشر الدامية التي تمادى عناصر ‘الدعم السريع‘ في ارتكابها أفقدتني زوجي، إلى جانب مخاوفي في تعرضنا للاغتصاب لا سيما أنهم استباحوا أجساد النساء منذ أن انتقل الصراع إلى إقليم دارفور".

واستطردت، "كان نزوحنا جماعياً، مررنا بمناطق قرني وطرة وأم مراحيك ومليط ثم عبرنا مناطق الكبابيش في كردفان وصولاً إلى الدبة، على رغم الوجع والألم جراء فقدان المعيل، والآن استقررنا في المخيمات التي خصصت للنازحات وبالنسبة إلي كان الخيار الأمثل على رغم صعوبة الرحلة التي تفوق الوصف، إذ كنا نضطر أحياناً قطع مسافات طويلة سيراً على الأقدام حتى لا تنفد الأموال التي بحوزتنا، وأحياناً قد نستعين بالمركبات الكبيرة (الشاحنات) التي تقل نازحين بأسعار مناسبة حين يباغتنا التعب".

ولفتت النازحة إلى أنه "ليست لديها الرغبة في العودة إلى الفاشر قريباً، إذ أصبحت وحيدة، بعد فقدها زوجها وعدد مقدر من أهلها، وهناك آخرون لا تعرف مصيرهم إن كانوا أحياء أم في عداد الموتى.

تفتيش ونهب

في السياق، أوضحت النازحة أميمة عبدالرحمن قائلة، "نجوت وأطفالي وشقيقي بأعجوبة من الموت بعدما تمكنا من الفرار ليلاً بعد سقوط الفاشر بيوم واحد واحتراق منزلنا نتيجة سقوط الدانات، مستقلين عربة ‘كارو‘ تجرها الدواب إلى منطقة طويلة، وكان أفراد ‘الدعم السريع‘ يستوقفوننا للتفتيش الدقيق لنهب الأموال والهواتف والذهب ويضربوننا بالسياط".

ومضت في القول، "الطريق من الفاشر إلى طويلة صادمة بصورة لا يمكن وصفها لتبعثر الجثث الملطخة بالدماء، وظللنا في حال نزوح مستمر حتى وصلنا الدبة، فقد قطعنا مسافة طويلة في الصحراء في ظل ظلام مخيف، الطرقات تخلو تماماً من الإنارة وهناك عشرات الأسر تبحث عن وسائل نقل من مليط لمواصلة النزوح إلى مناطق أكثر أمناً".

أزمة متفاقمة

من جهته، أوضح المتطوع في العمل الإنساني بمدينة الدبة حسن محجوب أن "أوضاع النازحين القادمين من مدينة الفاشر بعد وصولهم إلى الدبة سيئة للغاية، بخاصة النساء اللاتي فقدن أطفالهن أو ذويهن أثناء النزوح، إلى جانب الأطفال الذين وصلوا منفصلين عن أسرهم".

وتابع محجوب، "مجتمع مدينة الدبة خرج لاستقبالهم وتقديم المساعدات من طعام ومياه وإيواء، لكن المشكلة في أعداد النازحين المتزايد، وهناك مخاوف في عدم احتواء هذا الوضع الذي يشكل ضغطاً على الولاية لأنه يفوق مقدراتها".

وأردف، "السلطات خصصت ثلاثة معسكرات لإيواء نازحي دارفور وكردفان في منطقة العفاض بعد تكبدهم مشاق رحلة طويلة مرهقة ومحفوفة بالأخطار، بينما نشطت مبادرات شعبية أطلقها سكان مدينة الدبة والمناطق المجاورة تتمثل في تقدم الوجبات الجاهزة، وآخرون يسهمون بالمواد الغذائية ومياه الشرب".

وأشار المتطوع إلى أنه "من الضروري الالتفاف حول النازحين من كل الجهات الداعمة بما فيها المنظمات العاملة في المجال الإنساني والمبادرات المجتمعية لتقديم العون بخاصة الجانب الصحي من خلال توفير الأدوية والأمصال وسيارات الإسعاف، إذ هناك حالات تصل في أوضاع حرجة، إلى جانب توفير دورات المياه جراء تزايد أعداد النازحين".

تأثيرات نفسية

على الصعيد نفسه، أفادت المتخصصة النفسية والاجتماعية أسماء محمد جمعة بأن "وصول النساء النازحات إلى مدينة الدبة يترافق مع تأثيرات كثيرة تشمل مشاعر الخوف والقلق نتيجة فقدان المأوى بسبب ما تعرضن له من الظروف التي فرضتها الحرب التي تقود إلى الصدمة، وإذا لم يجدن المساندة قد يؤدي الأمر إلى تأثيرات سلبية طويلة الأمد تتمثل في عدم قدرتهن على التعامل مع الضغوط اليومية وإدارة شؤون أسرهن والخاصة بهن".

وأضافت جمعة أن "فقدان شبكة الدعم الاجتماعي التقليدية يجعل النساء أكثر اعتماداً على المساعدات الخارجية، وقد تواجه النساء صعوبة في الاندماج داخل المجتمع المستضيف لأسباب عدة أبرزها الفوارق الثقافية، فضلاً عن تزايد مسؤولياتهن تجاه أبنائهن مما يضعهن تحت ضغط إدارة الأسرة من دون دعم كاف، إلى جانب المعاناة الاقتصادية وعدم القدرة على تلبية حاجاتهن وحاجات أطفالهن التي تعد مصدر ضغط إضافي عليهن".

وأشارت المتخصصة الاجتماعية والنفسية إلى أن "تعرض الأطفال لكثير من المشكلات النفسية نتيجة التغيرات البيئية والاجتماعية والصحية قد يفرز سلوكيات نفسية تقع على كاهل النساء، وتزيد عليهن الأعباء والضغوط. وبتقديري فإن رحلة النزوح نفسها لها أثرها البالغ على النساء، بخاصة إذا تكرر نزوحهن وما يحمل ذلك من مشكلات صحية، فالنساء لهن ظروف خاصة ويواجهن مشكلاتها في ظل غياب الرعاية لفترة طويلة داخل مدينة الفاشر".

وختمت جمعة قولها، "النازحات أمام تحديات نفسية واجتماعية كبيرة تؤثر في استقرارهن وحياتهن وقدرتهن، لذلك فإن التدخلات السريعة تعد ضرورة لتخفيف هذه الآثار".

(اندبندنت عربية)
 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI