22 نوفمبر 2024
7 يوليو 2023
يمن فريدم-بي بي سي عربي
Getty Images

 

في عام 2014 تم استعباد آلاف النساء والأطفال من الأقلية الأيزيدية من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا. وأطلق النشطاء الأيزيديون فوراً حملة لإنقاذ المختطفين من قبضة التنظيم، وبعد ما يقرب من عقد من الزمان لا تزال مهمتهم غير مكتملة.

 

في نوفمبر / تشرين الثاني من عام 2015، تم بيع بهار وأطفالها الثلاثة للمرة الخامسة. كانت واحدة من العديد من النساء الأيزيديات اللائي أسرهن التنظيم بعد أن اجتاح قريتها في منطقة سنجار في شمالي العراق قبل 18 شهراً. تنتمي بهار إلى أقلية دينية تعيش في العراق منذ ما يقرب من ستة آلاف عام.

 

يُعتبر الأيزيديون كفاراً حسب رأي التنظيم.

 

تم نقل زوجها وابنها الأكبر إلى جهة مجهولة. وتعتقد بهار أنه تم إطلاق النار عليهما ودفنهما في مقبرة جماعية.

 

تتذكر بهار كيف كانت هي وأطفالها الثلاثة مصطفين بجانب بعضهم في غرفة وهم يبكون إذ كانوا يعتقدون أنه سيتم نحرهم. لكن بدلاً من ذلك تم بيعهم. ومنذ تلك اللحظة بدأت رحلتهم مع العذاب والرعب.

 

تقول بهار إنها اضطرت إلى خدمة مقاتلي داعش الذين أصبحت ملكاً لهم. "كان علي أن أتصرف كزوجة لهم متى يريدون. كانوا يضربونني متى شاءوا" كما تعرض أطفالها الذين تقل أعمارهم عن 10 سنوات للضرب. تم تحطيم وجه إحدى بناتها بعقب بندقية.

 

رابع "مالك" لها كان شخصاً تونسيا اسمه أبو خطاب. "مكثنا في منزله، لكنه أعارني للعمل في تنظيف قاعدتين لتنظيم الدولة الإسلامية. في كل الأماكن التي كنت أذهب إليها للعمل كنت أتعرض للاغتصاب".

 

وأضافت: "كانت هناك غارات جوية طوال الوقت.كان مقاتلو التنظيم يركضون وهم يحملون الأسلحة أو يختبئون من القصف. كانت هناك فوضى والوضع كان أسوأ من كابوس".

 

عندما كانت بهار وأطفالها في منزل أبو خطاب، توقفت سيارة بيضاء ذات نوافذ سوداء امام المنزل ذات يوم. كان السائق يرتدي ثياباً سوداء وله لحية طويلة، ولا يبدو مختلفاً عن أغلب مقاتلي التنظيم الآخرين.

 

أيقنت بهار أنها وأطفالها قد بيعوا مرة أخرى. صرخت في الرجل طالبة منه قتلها، إذ لم تعد تستطع تحمل المزيد. لكن ما حدث بعد ذلك غيّر كل شيء.

 

أثناء مغادرتهم، قال السائق "أنا آخذكم إلى مكان آخر". لم تعرف بهار ما كان يحدث ولم تثق بالرجل وبدأت تشعر بقلق شديد. أوقف السائق السيارة واتصل بشخص ما عبر الهاتف. ثم سلم الهاتف إلى بهار. كان صاحب الصوت هو أبو شجاع، الرجل المعروف الذي رتب إنقاذ الكثير من النساء والأطفال الإيزيديين. أدركت بهار حينها أن السائق قد اشتراها حتى يتم إنقاذها هي وأطفالها أيضاً.

 

تم نقل بهار إلى موقع بناء في مكان بالقرب من مدينة الرقة في سوريا. نزلت من السيارة وقيل لها أن رجلاً سيأتي وينطق بكلمة السر "سعيد" ويجب عليها أن تذهب معه.

 

وصل شخص على دراجة نارية ونطق بالكلمة. طلب الرجل من بهار وأطفالها الثلاثة أن يركبوا دراجته النارية وقال: "اسمعوا، نحن في منطقة سيطرة التنظيم، هناك نقاط تفتيش. إذا طلبوا منك أي شيء، لا تتحدثي بكلمة واحدة حتى لا يتعرفوا عليك بسبب لكنتك المميزة".

 

تقول بهار إن الرجل أخذهم إلى منزله: "لقد كانوا لطيفين معنا. تحممنا وقدموا لنا الطعام والمسكنات وقالوا: أنتم الآن في أيد أمينة".

 

والتقط رجل آخر صوراً لبهار وأولادها وأرسلها إلى أبو شجاع ليبرهن أنهم عنده. ثم في حوالي الساعة الثالثة صباحاً من اليوم التالي، تم إيقاظ الأسرة وطلب منها الاستعداد للتحرك مرة أخرى. أعطى الرجل الذي كانوا يقيمون في منزله بهار بطاقة هوية والدته، وقال لها أنه في حال توقيفهم والاستفسار عن هويتها ووجهتها فعليها أن تقول إنها تصطحب ابنها لزيارة الطبيب. مررنا بالكثير من نقاط التفتيش التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية لكن لم يوقفنا أحد".

 

أخيراً وصلوا إلى قرية على الحدود السورية - العراقية وكان في استقبالهم أبو شجاع وشقيقها.

 

تقول: "كنت على وشك الانهيار، لا أتذكر الكثير مما حدث بعد ذلك".

 

يُعتقد أن أكثر من 6400 من النساء والأطفال الأيزيديين تم سبيهم وبيعهم بعد أن استولى تنظيم الدولة الإسلامية على سنجار. قُتل 5000 أيزيدي آخر فيما وصفته لجنة تابعة للأمم المتحدة بجريمة إبادة جماعية.

 

أبو شجاع، الذي رتب لإنقاذ بهار ليس الشخص الوحيد الذي يشعر بالقلق على النساء والأطفال الذيناختطفهم تنظيم الدولة الإسلامية. كان رجل الأعمال بهزاد فهران، الذي عاش خارج المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، قد أنشأ مجموعة تسمى كنيات لإنقاذ النساء والأطفال الأيزيديين وتوثيق جرائم مقاتلي التنظيم.

 

علمت كنيات أن مقاتلي التنظيم كانوا يشترون ويبيعون النساء والأطفال الأيزيديين المختطفين عبر الإنترنت وخاصة على منصة تليغرام. يقول بهزاد: "كنا نتسلل إلى هذه المجموعات على الإنترنت بأسماء مستعارة أو باستخدام أسماء مقاتلي التنظيم".

 

على جدار مكتبه في المنطقة الكردية بالعراق علق صور منشورات على تليغرام شاهدها خلال عمله في انقاذ الأطفال والنساء الإيزيديات. أحد المنشورات باللغة الإنجليزية عبارة عن إعلان عن بيع فتاة: "تبلغ من العمر 12 عامًا وليست عذراء وجميلة جدًا" بسعر 13 ألف دولار موجودة في مدينة الرقة السورية. ثم أطلعني على صورة لها وهي جالسة على أريكة جلدية تتصرف بطريقة فيها الكثير من الإيحاءات الجنسية أمام الكاميرا.

 

يقول بهزاد إن محادثات تليغرام كانت تعطينا تفاصيل عن مكان وجود الأيزيديين المختطفين، "كنا نتواصل مع الأشخاص الذين يعيشون هناك ونطلب منهم البحث عن هذه الطفلة".

 

كان من الأسهل العثور على الصبية الصغار لأنه كان يسمح لهم بالخروج من المنزل أكثر من النساء والفتيات: "كنا أيضًا نطلب من عائلة الشخص المختطف تقديم معلومات لاننا بحاجة إليها عند مواجهة الصبي بحيث يمكننا أن نقدم له دليلًا على أننا كنا حقيقيين" يقول بهزاد.

 

"عندما كنا نقوم بإنقاذ العائلات مثل النساء مع أطفالهن كان علينا استخدام سلسلة من الرموز ، أو الإشارات لإعلامهم بأننا جئنا لإنقاذهم ولإعلامنا عندما يكونون بمفردهم".

 

كانت عملية الإنقاذ تختلف حسب الظروف، لكن كل عملية تضمنت دفع أموال واستخدام وثائق مزورة لاجتياز نقاط تفت التنظيم.

 

دخول الأيزيديين إلى مناطق سيطرة التنظيم كان يمثل مخاطرة كبيرة، لذلك كان من الضروري تنفيذ عملية الإنقاذ من قبل المهربين المحليين الذين اعتادوا على تهريب السجائر والمشروبات الكحولية المحظورة.

 

يقول بهزاد: "هؤلاء الرجال فعلوا كل شيء من أجل المال". "كان هذا هو دافعهم الوحيد. لقد دفع الكثير من الناس آلاف الدولارات لشراء هؤلاء الفتيات".

 

تقول منظمة كنيات إن 6417 أيزيديًا تم أسرهم، 3568 منهم إما تمكنوا من الهرب أو تم إنقاذهم. أنقذ بهزاد بنفسه 55 شخصًا. وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة التي تدعمها الأمم المتحدة، لا يزال هناك حوالي 2700 امرأة وطفل أيزيدي في عداد المفقودين. ولا يزال الكثير منهم مع خاطفيهم.

 

يقول بهزاد إن تعقب الضحايا أصبح أكثر تعقيدًا. بعد هزيمة التنظيم فر المقاتلون وعائلاتهم إلى مناطق أخرى. بعضهم بات يعيش في تركيا والعراق وسوريا وبعضهم ذهب إلى أوروبا.

 

يقول بهزاد كان هناك أطفال إيزيديون في الخامسة أو السادسة من العمر عندما تم اختطافهم ونسوا لغتهم وهويتهم تمامًا الآن: "إنهم لا يعرفون شيئًا عن أصلهم الأيزيدي. نسوا حتى اسرهم".

 

لا يزال الغموض يكتنف مستقبل الأيزيديين. يقول حيدر الياس، رئيس منظمة يزدا، أكبر منظمة للدفاع عن الأيزيديين: "لقد تعرض الأيزيديون لحملات الإبادة على مدى قرون، وما زال الكثير من المسلمين صغارًا وكبارًا، يعتقدون أنه يجب عليهم التحول إلى الإسلام أو الموت". وهذا الأمر يجعلنا نعتقد أن تنظيم الدولة الإسلامية ليس حالة عابرة أو أنه انتهى. هذا مصدر خوف كبير لدى الإيزيديين.

 

من بين 300 ألف أيزيدي فروا من ديارهم في سنجار بسبب هجوم تنظيم الدولة الإسلامية على المنطقة ما يقرب من نصفهم لا يزالون يعيشون في مخيمات في المنطقة الكردية في العراق.

 

لا يمكنهم العودة إلى منازلهم في منطقة سنجار لأنها تعرضت لدمار شامل، وموقعها الاستراتيجي على الحدود العراقية - السورية يجعلها منطقة خطرة، حيث تتصارع الميليشيات التي جاءت لقتال داعش فيما بينها من اجل السيطرة على المنطقة.

 

يقول إلياس إن المجتمع خائف من تعرضه لمذبحة أخرى في أي وقت وأن العديد من الأيزيديين يهاجرون الآن. "الشعور بالأمن مهم حقًا بالنسبة لهم. إنه شيء كبير. إنهم لا يشعرون بالأمان".

 

بلغت كلفة تحرير بهار واسرتها 20 ألف دولار. تبلغ بهار من العمر 40 عامًا الآن، لكنها تبدو أكبر من عمرها بكثير، أصبح معظم شعرها رماديًا.

 

تعيش بهار منذ تحريرها قبل ثماني سنوات في أحد المخيمات في كردستان العراق. تجلس على فرشة رقيقة داخل خيمتها وتخرج مغلفاً بلاستيكيًا فيه صور أفراد عائلتها المفقودين.

 

إن عدم معرفتها بمصير زوجها وابنها البكر، والمعاناة من صدمة الاغتصاب المتكرر جعلها مريضة جدًا جسديًا وعاطفيًا.

 

ولا يزال أطفالها الآخرون معها لكنها تقول إنهم ما زالوا في حالة صدمة وقلق طوال الوقت. وتوضح: "ابنتي تعاني من جروح نتيجة الضرب الذي تعرضت له". "لا بد لي من الاستمرار في القتال والصمود. ولكن في الوقت الحالي وفي الظروف التي نعيشها نحن أحياء أموات".

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI