" أكثر من المهن تنجيك من الفقر" مقولة قديمة لكنها تلامس واقع الحال وملامح الصورة في ظل ارتفاع معدل البطالة وقلة فرص التوظيف في القطاعات الخاصة والعامة، لذا تتجه الكثير من النساء نحو تعلم المهن اليدوية والحرفية لمواجهة الفقر والبطالة والتحول من الاستهلاك إلى الإنتاج.
فتعد الحرف اليدوية واحدة من الأنشطة الاقتصادية التي تمارسها الكثير من النساء والاعتماد عليها كمصدر دخل ورافد اقتصادي للأسرة
"بدأت احتراف صناعة الاكسسوارات وتزيين سعف النخيل عام 2016 في فترة النزوح وبسبب انقطاع الرواتب وفقدان بيتي وممتلكاتي لجأت إلى تصميم أزياء عصرية بلمسة تراث لكي أوفر لي مصدر دخل يؤمن عيشي واخترت التراث تحديداً لإحيائه والمحافظة عليه"
"لقيت إقبال كبير لهذا العمل فشاركت منتجاتي الغرفة التجارية وأصبحت منتجاتي تباع بشكل كبير في الداخل وتصدر إلى بلدان مختلفة".
واضافت أن أعمالها الحرفية واليدوية كان لها مردود مادي كبير ووجدت ذاتها وأصبحت تعرف أهميتها في المجتمع واتسعت دائرة علاقتها
هكذا تلخص رائدة الأعمال هناء الشرجبي مسيرتها المهنية في الحرف اليدوية
الإقبال على المعاهد والمراكز الحرفية ما بين الأمس واليوم
تتزايد عدد الملحقات بالمراكز والمعاهد الفنية التي تنظم تدريبات وورش مهنية حرفية مختلفة للنساء خصوصا خلال سنوات الحرب تعرب عن ذلك الأستاذة جنان طاهر عميد معهد الخنساء قائلة: إن نسبة إقبال الطالبات على المعهد ارتفعت بنسبة كبيرة مقارنة بسنوات ما قبل الحرب حيث كانت نسبة الإقبال قبل عام 2015، 200 طالبة.
فأصبح الآن عدد الطالبات أكثر من 400 طالبة في مختلف الأقسام محاسبه -إدارة أعمال - إنجليزي - جرافيكس - تقنية معلومات.
من جهتها قالت مديرة مركز الأسر المنتجة بمدينة التربة محافظة تعز، أروى أحمد منصور، إن عدد النساء الملحقات في المركز منذ تأسيسه ما يقارب (20) ألف في جميع الاقسام (الخياطة -التصميم -الأشغال اليدوية -التطريز الآلي -حياكة المعاوز تريكو نقش -كوافير -تدبير منزلي -دعم نفسي).
وأضافت أن مركز الأسر المنتجة، يعمل على تمكين المرأة وتأهيلها، كي تصبح امرأة منتجة وليس مستهلكة من خلال تدريبها وتأهيلها على التعامل والبحث فيما يحتاجه سوق العمل، والوقف إلى جانب المتدربات وتأهيلهم في كيفية تسويق المنتجات التي يتم إنتاجها من خلال تدريبها في المركز.
من الاستهلاك إلى الإنتاج
تعمل التدريبات والتأهيل الفني والمهني على إحداث فارق ملموس في حياة الأسر من خلال التغير الجذري للمتدربات من تحولهن من الأسواق الاستهلاكية إلى تواجدهن في سوق العمل والإنتاج.
تعتبر المهندسة أنيسة عبدالكريم السلامي أحد أبرز قصص النجاح والتحول من الاستهلاك إلى الإنتاج.
التحقت أنيسة بمعهد الخنساء، عام 2014، وتوقفت بسبب الحرب ومن بعدها استأنفت الدراسة في المعهد من جديد بعد تحرير جزء من مدينة تعز.
فبعد استئناف دراستها أصبحت أنيسة العامل الرئيس يعتمد عليه في المعهد لصيانة أجهزة الحاسوب بسب شحة الموازنة التشغيلية، فأصبح عمل الصيانة بالنسبة لها ليس قاصراً فقط على أجهزة الحاسوب، بل أكثر من مجال منها (صيانة الطاقة الشمسية وتركيبها - الجوالات - والمولدات الكهربائية - وغيرها من المجالات والمهن) وفتحت لها محل خاص لصيانة وبرمجة الحاسوب والهواتف الذكية وحماية الخصوصيات، وتحولت إلى فرد منتج لديه مشروعاً خاصاً به.
الحرف اليدوية رافد اقتصادي
تساهم الأعمال اليدوية والحرفية بشكل كبير في مواجهة حدة الفقر والبطالة، فعندما يتعلم الأفراد مهارات يدوية محددة ويتمكنون من صنع منتجات ذات جودة عالية، يمكنهم بيع هذه المنتجات وكسب العيش منها.
هذه الأعمال والحرف تعزز المهارات اليدوية الفردية وتزيد من فرص العمل وتعمل على تنمية الاقتصاد المحلي.
على ضوء ذلك قال مدير عام مكتب التعليم الفني والتدريب المهني بمحافظة تعز قائد الصلوي: "من الواضح أن الأعمال اليدوية والحرفية لها أهمية كبيرة في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وأكد أن المشغولات اليدوية له أثر اقتصادي على مستوى الفرد والمجتمع والدولة، فإنه يمكن أن يكون ذو أهمية كبيرة. فعندما يتم تعزيز الحرف اليدوية وتطويرها، يمكن للفرد أن يصبح مشغولًا ويبيع منتجاته، مما يوفر له فرصة لكسب الدخل وتحسين مستوى معيشته. وبالتالي، يمكن للأعمال اليدوية أن تلعب دورًا في تخفيف الفقر وتحسين الظروف المعيشية للأفراد.
وأوضح الصلوي أن الأعمال اليدوية "تعمل على تعزيز التواصل والتواصل الاجتماعي بين المجتمعات المحلية، حيث يعمل الحرفيون والحرفيات على تقديم منتجات فريدة وجميلة، مما يعزز الثقافة والهوية المحلية. كما يتم تشجيع التعاون وتبادل المعرفة والمهارات بين الحرفيين، وهذا يساهم في تعزيز الروابط الاجتماعية وتعزيز التعاون المجتمعي".
وأكد "أنه من الممكن "أن تسهم المشغولات اليدوية في توليد الدخل وتعزيز النمو الاقتصادي، فعندما يتم بيع المنتجات اليدوية على المستوى المحلي والوطني وحتى العالمي، يتم تحقيق إشعاع اقتصادي إيجابي. يمكن للحرفيين أن يصبحوا جزءًا من سلسلة القيمة الاقتصادية، وأن يساهموا في توفير فرص العمل وتنمية الصناعات اليدوية. بالإضافة إلى ذلك، فإن صناعة المشغولات اليدوية يمكن أن تعزز السياحة وتجذب السياح الذين يبحثون عن المنتجات التقليدية والفريدة".
إسهامات حكومية ومجتمعية
تساهم المجتمعات المحلية في محافظة تعز في تعزيز وتشجيع الأسر المنتجة من خلال تدشين مبادرات مجتمعية تنظم ورش تدريبية مجانية للنساء؛ وتولي الجهات الحكومية في المحافظة اهتمامًا كبيرًا للحرف اليدوية للحفاظ على التراث الشعبي.
فالحرف اليدوية تعد جزءًا هامًا من التراث الثقافي والتقليدي للمجتمعات، وتحمل قيمة تاريخية وثقافية كبيرة. بالحفاظ على المهارات اليدوية وتعليمها للأجيال القادمة، ومن خلال ذلك يتم تنظيم برامج ومشاريع للحفاظ على الحرف اليدوية التقليدية وتعليمها للشباب.
وفي هذا السياق يعتبر الصلوي، أن دعم الحكومة للمهن الحرفية واليدوية أمرًا هامًا لتعزيز الاقتصاد المحلي وتوفير فرص العمل وتعزيز المهارات اليدوية التقليدية.
وأضاف أن الجهات الحكومية في تعز تقدم الدعم والتسهيلات للنساء العاملات في المهن الحرفية واليدوية، ويشمل هذا الدعم أنشطة التدريب وورش العمل لتعليم المهارات اليدوية التقليدية والتصميم والتطوير. كما يتم توفير المواد اللازمة والأدوات والمعدات اللازمة لممارسة المهنة.
معارض منتجات مهن يدوية
تبرز المنتجات المختلفة للأسر المنتجة في معارض دورية ترعاها السلطة المحلية بالمحافظة أو معارض مشتركة في بعض المحافظات الأخرى تعرض خلالها المنتجات من أزياء وحباكة وتطريز وأزياء وحرف تراثية.
قد تقوم الحكومة المحلية بتنظيم ورعاية مثل هذه الفعاليات، يتم فيها عرض منتجات الحرفيين والحرفيات المحليين في معارض وأسواق خاصة، حيث يمكن للجمهور شراء هذه المنتجات الأواني المنزلية من القش، والبخور العطورات ومستلزمات التجميل المتنوعة، وحياكة النسيج، قبعات الخيزران، والهدايا والتحف التراثية البسيطة التي تلاقي رواجاً في الأسواق المحلية، وغيرها من الصناعات التي تعدها معظمُ أسر تلك النساء مصدراً رئيساً لدخل
مناشدة ورسالة
تناشد عميد معهد الخنساء الفني المهني، حنان طاهر، الجهات الحكومية بضرورة الاهتمام بالمشاريع الصناعية كونها رافد مهم للاقتصاد الوطني وللمرأة، خصوصاً في هذه الفترة أصبحن كثير من النساء هن المعيلات لأسرهن بعد فقدان العائل، وبسبب تردي الأوضاع ظهرت المرأة بقوة وبرزت في مجال ريادة الأعمال، وعلى الدولة مساعدة النساء في إيجاد أماكن مناسبة لعرض منتجاتهن وتسهيل أعمالهن، كما تقول حنان طاهر.
وشددت على إتاحة الفرص للنساء للالتحاق بالمعاهد الفنية ومراكز الأسر المنتجة، كي تكسب مهارات تعود على المرأة وعلى أسرتها بإدارة المال، وتصبح قادرة على الخوض في سوق العمل ويكون لها دور فعال في المجتمع.