تتزايد الرهانات على تحالف "أوبك+" وتدخله لمواجهة خفض أسعار النفط أخيراً، وتشديد سياساته إزاء خفض الإنتاج بما يحافظ على استقرار السوق.
وفي التطورات كان من المنتظر أن يعقد التحالف اجتماعه في الـ 26 من الشهر الجاري، إلا أنه وبحسب مصادر لوكالة "رويترز" قد تم تأجيله حتى نهاية الشهر الجاري لخلافات بشأن سياسة المجموعة حول مستوى الإنتاج الحالية لبعض الدول الأعضاء والتخفيضات المحتملة المرتبطة بها.
وقالت ثلاثة مصادر في "أوبك+" إن ذلك مرتبط بدول أفريقية. وذكرت "أوبك+" بعد اجتماعها الأخير في يونيو/ حزيران أن حصص إنتاج أنغولا ونيجيريا والكونغو لعام 2024 مشروطة بمراجعات من محللين خارجيين
في غضون ذلك، توقع محللون ومتخصصون نفطيون في تصريحات لـ "اندبندنت عربية" أن يؤكد تحالف "أوبك+" حصص الإنتاج الحالية لعام 2024، في الأقل مرجحين أن تقوم السعودية، قائدة التحالف، بتمديد تخفيضها الطوعي بمقدار مليون برميل يومياً خلال العام المقبل.
ويجتمع أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها وعلى رأسهم روسيا، فيما يعرف بتحالف "أوبك+" في العاصمة النمساوية فيينا، نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني، الجاري لمناقشة سياسة الإنتاج المشتركة.
وتعهدت السعودية وروسيا ودول أخرى أعضاء في "أوبك+" أن يكون إجمال خفض إنتاج النفط بواقع 5.16 مليون برميل يومياً أو نحو خمسة في المئة من إجمالي الطلب العالمي على النفط في سلسلة من الخطوات التي بدأت في أواخر 2022، وتشمل التخفيضات 3.66 مليون برميل يومياً من جانب "أوبك+" وتخفيضات طوعية إضافية من السعودية وروسيا.
وفي آخر اجتماع لـ "أوبك+" في يونيو/ حزيران الماضي، تعهدت الرياض خفض إنتاجها مليون برميل يومياً في يوليو/ تموز لتكون الأكبر نسبة في خفض أشمل في التحالف لتقييد الإمدادات حتى 2024 مع سعي التحالف لتعزيز أسعار النفط التي تتراجع، ومددت السعودية منذئذ خفضها الطوعي الإضافي حتى نهاية هذا العام.
تخفيضات إضافية
وقالت ثلاثة مصادر من "أوبك+" لوكالة "رويترز"، إن من المقرر أن يدرس التحالف ما إذا كان سيفرض تخفيضات نفط إضافية حينما يجتمع الشهر الجاري، وذلك بعد تراجع أسعار الخام بنحو 20%منذ أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي.
وتشير خيارات النفط الأمريكية إلى أن عديد المتداولين يراهنون على أن مجموعة المنتجين مستعدة لزيادة قيود الإنتاج في محاولة لعكس الاتجاه الهبوطي الأخير في الأسعار.
وخلال الفترة الحالية، شهدت أسعار النفط رحلة مضطربة، إذ تأثرت في البداية باندلاع الحرب بين "حماس" وإسرائيل، إضافة إلى إشارات بزيادة إمدادات النفط من الموردين خارج منظمة "أوبك" أيضاً لا سيما من أمريكا وكندا والبرازيل أثرت سلباً على الأسعار، إذ تعوض الزيادات في الإنتاج تأثير التخفيضات الجماعية والطوعية التي اتفقت عليها منظمة "أوبك" وحلفاؤها بما في ذلك روسيا.
ولا تزال التساؤلات مستمرة في سوق النفط منذ اندلاع الحرب في غزة، حول مدى تلك الاضطرابات في المنطقة والمخاوف في شأنها حول استقرار إمدادات النفط، لكن الذي حصل هو أن الخام تحول إلى هبوط في الأسابيع الأخيرة أو بالأحرى إلى تذبذب "حاد" ليفقد جزءاً من مكاسبه التي سجلها منذ بداية عملية "طوفان الأقصى"، وعكس اتجاهه بعد ذلك لصعود طفيف.
ويظهر في جوهر التراجع أن الأسعار انخفضت بنحو أربعة في المئة في الأسابيع الماضية لتفقد نحو 12%منذ الذروة بعد بداية الحرب، وكان عقد تسليم الشهر التالي لخام برنت يتداول عند 84.58 دولار للبرميل في السادس من أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي، قبل بدء الأزمة في الشرق الأوسط، وبعدها ارتفعت أسعار النفط بشكل قوي ليتجاوز خام برنت مستوى 93 دولاراً للبرميل.
وتم تداول برنت أقل بنحو 4% من مستوياته المسجلة في بداية العام الحالي، فيما يظل الخام الأميركي منخفضاً بأكثر من اثنين في المئة منذ بداية 2023.
هدوء المخاوف
ويشير المحللون إلى أن السبب الرئيس وراء تراجع أسعار النفط على رغم الأزمة المتصاعدة هو أن الحرب الدائرة لم تتسبب في انقطاع يذكر في إمدادات الخام، ولا تعتبر أطراف الصراع الحالي في الشرق الأوسط من المنتجين الرئيسين للنفط ذلك، وهو ما تسبب في عدم وجود أي اضطرابات في المعروض من الخام، وقد يتطلب حدوث تراجع في إمدادات الخام اتساع نطاق الصراع ليشمل دولاً أخرى في الشرق الأوسط.
وبحسب المحللين، فإن من المرجح أن يظل الصراع تحت السيطرة وألا يمتد إلى كبار منتجي النفط في الشرق الأوسط أو ممرات الشحن الرئيسة.
فائض في المعروض
من جهتها قالت رئيس قسم أسواق النفط في وكالة الطاقة الدولية توريل بوسوني، لوكالة "رويترز"، إن سوق النفط العالمية ستسجل فائضاً طفيفاً في 2024 حتى إذا مددت دول "أوبك+" تخفيضاتها إلى العام المقبل.
لكن بوسوني أضافت أن سوق النفط تعاني حالياً من عجز، وأن المخزونات تتراجع "بمعدل سريع".
وقالت بوسوني، "مخزونات النفط العالمية عند مستويات منخفضة، مما يعني أننا نواجه خطر التقلبات المتزايدة إذا حدثت مفاجآت تتعلق بالطلب أو المعروض".
ووفق بنك الاستثمار العالمي "آر بي سي كابيتال ماركتس"، فإن أمام "أوبك+" مجالاً لإجراء تخفيض أعمق، على رغم أن من المتوقع على نطاق واسع أن يحافظ التحالف على تخفيضات العرض الحالية.
تمديد التخفيض
من جانبه، توقع المحلل النفطي فهد بن جمعة، أن تمدد السعودية وروسيا خفضهما الطوعي حتى نهاية الربع الأول من عام 2024 أو النصف الأول من العام نفسه.
وقال جمعة، إن سوق النفط تحتاج إلى مزيد من الدعم وليس فقط تمديد الخفض الطوعي، بل أن يخفض تحالف "أوبك+" إنتاجه في الأقل في النصف الأول من 2024، بينما لا يزال الطلب الصيني يشهد تباطؤاً وكذلك ارتفاع المخزونات والإنتاج الأمريكي.
الخفض الأحادي
وفي الصدد ذاته، قال المتخصص في الشؤون النفطية كامل الحرمي، إنه يتوقع أن تظل تخفيضات إنتاج تحالف "أوبك+" الحالية سارية بالكامل في عام 2024، وإن الخفض الأحادي الجانب بمقدار مليون برميل يومياً الذي تنتهجه السعودية سيتم تمديده وربما تعميقه في العام المقبل.
وأضاف أن الاجتماع المقبل للتحالف لن يكون سهلاً، لا سيما في ظل زيادة إمدادات الخام من كندا وأمريكا والبرازيل علاوة على زيادة إنتاج النفط الإيراني والفنزويلي.
استمرار سياسة الإنتاج
من جهته توقع الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم" للدراسات الاستراتيجية في لندن طارق الرفاعي، أن يستمر تحالف "أوبك+" في سياسة إنتاج النفط الحالية من دون تغيير عند نفس مستوى التخفيضات المتفق عليها منذ بداية العام.
وأضاف أن اجتماع "أوبك+" في فيينا، سيكون أحدث علامة على إعطاء رؤية لأوضاع السوق النفطية من قبل المنتجين وسط منعطف حاسم في ظل الحرب المستمرة في الشرق الأوسط، لافتاً إلى أن تصريحات وزراء "أوبك+" ستمنح نوعاً من التأكيد والراحة للأسواق وأن التحالف مستعد للتدخل لمعالجة أي تحديات في العرض والطلب.
القلق في شأن الطلب
إلى ذلك أعلنت الصين بيانات اقتصادية ضعيفة في الأسابيع الماضية، مما زاد القلق في شأن الطلب على النفط من جانب أكبر مستهلك في العالم، وعادت بكين إلى انكماش أسعار المستهلكين في أكتوبر الماضي، مما يشير إلى ضعف الطلب ويثير القلق حول الاقتصاد.
وتوقعت إدارة معلومات الطاقة خفض استهلاك البنزين في الولايات المتحدة في عام 2024 بسبب زيادة كفاءة محركات المركبات وتزايد أعداد السيارات الكهربائية.
وتثير السياسة النقدية بعض المخاوف أيضاً، إذ قالت رئيسة "الاحتياط الفيدرالي" في سان فرانسيسكو ماري دالي، إنها ليست مستعدة للإشارة إلى ما إذا كان البنك المركزي قد انتهى من رفع معدلات الفائدة.
وذكرت تقارير مصرفية أن الهبوط الأخير في أسعار النفط كان مدفوعاً بشكل كبير بعودة المخاوف في شأن الطلب وليس تلاشي علاوة الأخطار الجارية، فيما يرى محللون أن المخاوف في شأن الطلب على النفط تفوقت على القلق حيال نقص الإمدادات بفعل الصراع في الشرق الأوسط.
نظرة متفائلة
في الوقت ذاته أكدت "أوبك" في تقريرها الشهري الأخير رؤيتها في شأن قوة أساس سوق النفط، مع توقعات بارتفاع واردات الصين من الخام لمستوى قياسي جديد في 2023 بعد تسجيل 11.4 مليون برميل يومياً في أكتوبر الماضي.
وقالت "أوبك"، إن البيانات الأخيرة تؤكد الاتجاهات القوية للنمو العالمي، إضافة إلى أساسات سوق النفط الجيدة.
ورفعت منظمة الدول المصدرة للنفط توقعاتها لنمو الطلب العالمي في العام الحالي بنحو 20 ألف برميل ليصل إلى 2.5 مليون برميل يومياً، بفضل زيادة تقديرات الطلب الصيني.
وأبدت تقارير متخصصة تفاؤلاً حيال الطلب من جانب الصين، إذ رفعت توقعاتها لاستهلاك بكين من النفط بمقدار 200 ألف برميل يومياً في العام الحالي، و300 ألف برميل يومياً في 2024.
ويشير محللون إلى أنه مع ذلك، فإن الأساس ليس صعودياً كما كان متوقعاً في السابق، مع ارتفاع صادرات النفط الروسية.
وعلى رغم ارتفاع إنتاج النفط في الولايات المتحدة إلى مستوى قياسي جديد يتجاوز 13 مليون برميل يومياً، فإن هناك إشارات إلى تراجع محتمل للإمدادات في المستقبل.
ويبدو المسار المستقبلي لسوق النفط متبايناً في أعين المحللين وبنوك الأبحاث، مع الرؤى المختلفة لتطورات الطلب والمعروض.
وأشار المحللون إلى أنه على رغم احتمالية وجود بعض الاتجاه الصعودي على المدى القصير لأسعار النفط، فإن المخاوف حيال تباطؤ الطلب قد تخفف الحماس في شأن حدوث ارتفاعات كبيرة للأسعار في الأسابيع المقبلة.