مع إحكام القوات الإسرائيلية سيطرتها على شمالي قطاع غزة، انطلقت رحلات نزوح للأطباء والمصابين من مستشفيات في تلك المنطقة إلى الجنوب، حيث مستشفيات مثل غزة الأوروبي ومجمع ناصر الطبي في خان يونس.
لكن رحلة المرضى لا تكون سهلة أبدًا، حيث باتت رحلة لا تتجاوز في الوضع العادي 45 دقيقة، تصل مدتها إلى حوالي 5 ساعات أو أكثر، في ظل حاجز تفتيش إسرائيلي على الطريق الرئيسي الواصل بين شمالي قطاع غزة وجنوبه.
وتحدث مدير مستشفى غزة الأوروبي، يوسف العقاد، لموقع "الحرة"، وكشف عن طبيعة الحالات المرضية القادمة من مستشفيات الشمال، وكيفية التعامل معها، إلى جانب الاستعداد لاستقبال حالات أخرى، في ظل شح المستلزمات الطبية والظروف الإنسانية الصعبة.
يذكر أن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة وصلت إلى مرحلة غاية في الصعوبة، ويأمل كثيرون في أن هدنة الأربعة أيام التي توصلت إليها إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، ستتيح المجال لإدخال مساعدات حيوية لمستشفيات القطاع التي هي في أمس الحاجة إليها.
وشنت حركة حماس هجوما غير مسبوق في السابع من أكتوبر الماضي، أدى إلى مقتل نحو 1200 شخص غالبيتهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، وفق السلطات الإسرائيليّة.
وتوعدت إسرائيل بـ"القضاء على حماس"، وشنت حملة قصف جوي ومدفعي كثيف، بالإضافة إلى توغل بري داخل القطاع ردا على الهجوم، مما تسبب بمقتل 14854 شخص غالبيتهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، وفقا للسلطات الصحية هناك.
رحلة "غير إنسانية"
ونشر مستشفى غزة الأوروبي على مدار الأيام الماضية صورا لاستقبال مصابين ومرافقيهم، وصلوا من مستشفيات الشمال، وخصوصا مجمع الشفاء والمستشفى الإندونيسي.
وقالت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، الخميس، إن القوات الإسرائيلية "قصفت وضربت بالمدفعية" محيط وبوابات المستشفى الإندونيسي، ومولدات الكهرباء فيه.
ولم يصدر تعليق رسمي عن الجيش الإسرائيلي بشأن المستشفى، ولم يرد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي.
وقال مدير مستشفى غزة الأوروبي، يوسف العقاد، لـ "الحرة"، إن "نقل المرضى يتم في ظروف غير إنسانية".
وأضاف: "وصل طفل إلى المستشفى قبل أيام، وهو مصاب في رأسه وجزء من دماغه خارج الجمجمة.. كان من الضروري نقله في سيارة إسعاف بمفرده، لكنه نُقل في حافلة مع عشرات المرضى الآخرين المكدسين فوق بعضهم البعض، رغم إصابة بعضهم أيضا بكسور متعددة".
وحول ظروف نقل المرضى، واصل بالقول: "يتم تفتيش تلك الحافلات وإجبار بعض المرضى على النزول عند مرورهم بالحاجز الإسرائيلي الفاصل بين شمالي غزة وجنوبه".
وبدأت هدنة إنسانية في غزّة صباح الجمعة، على أن تليها عملية الإفراج عن دفعة أولى من الرهائن المدنيين لدى حركة حماس بعد الظهر، وفق ما أعلنت قطر، الخميس، بينما أكدت حركة حماس مبادلة رهائن إسرائيليين بمسجونين فلسطينيين لدى إسرائيل.
وزار فريق من منظمة الصحة العالمية مستشفى الشفاء، الأسبوع الماضي، لتقييم الوضع، واصفا أكبر مجمع طبي في القطاع المحاصر بأنه "منطقة موت".
وضم الفريق في مهمة وصفتها المنظمة بأنها "عالية الخطورة"، خبراء في الصحة العامة وموظفين لوجستيين وموظفين أمنيين من مختلف إدارات الأمم المتحدة.
وألقت القوات الإسرائيلية، الخميس، القبض على مدير مستشفى الشفاء، محمد أبو سلمية، وعدد من الكوادر الطبية، خلال انتقالهم من الشمال نحو جنوبي قطاع غزة ضمن قافلة طبية.
"حالات خطيرة ومساعدات قليلة"
وواصل العقاد حديثه للحرة، بالقول إن "الحالات التي وصلتنا من المستشفى الإندونيسي الأيام الماضية خطيرة، وإصاباتها متعددة، حيث المريض الواحد يكون مصابا بالرأس والصدر والأقدام والأيدي وأحيانا العيون، أي أن مريضا واحدا يحتاج إلى تخصصات مختلفة، ويحتاج إلى دخول غرفة العمليات أكثر من مرة".
ولفت إلى أنه نظرا للأوضاع السيئة في المستشفى الإندونيسي "كان بعض المصابين بحاجة لتغيير على جراحهم التي تعفنت، والتي كانت رائحتها كريهة وبعضها تخرج منها الديدان".
كما قال: "وصلنا طفل بإصابة في الرأس، كان جزء من الدماغ خارج الجمجمة وجرحه متعفن. أدخلناه على الفور لغرفة العمليات وأجرينا التنظيف اللازم".
وبدأت المساعدات في التدفق إلى قطاع غزة بصورة أكبر من معبر رفح الحدودي مع مصر، تزامنا مع بدء الهدنة، صباح الجمعة.
وبحسب رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، ضياء رشوان، فإنه "سيتم تسليم 130 ألف لتر من الديزل (السولار)، و4 شاحنات غاز يوميا إلى غزة".
وأضاف رشوان، في بيان في وقت مبكر الجمعة، إنه سيتم "يوميا إدخال 200 شاحنة، محملة بالمواد الغذائية والأدوية والمياه" وذلك للمرة الأولى منذ بدء الحرب.
ويحتاج الفلسطينيون في قطاع غزة إلى مثل هذه الزيادة في معدل تدفق المساعدات، حيث الأوضاع الصعبة، وخصوصا في المستشفيات.
وقال العقاد إن المستشفى الأوروبي "سعته 240 سريرا، لكن لديهم حاليا نحو 700 مريض"، لافتا إلى أنه "لا يزال هناك مرضى في مستشفى الشفاء وآخرين في مستشفى كمال عدوان شمالي غزة، بانتظار إجلائهم نحو مستشفيات الجنوب المكتظة بالفعل".
وتابع: "بعض المرضى اضطررنا لوضعهم ومرافقيهم في مدرستين بجوار المستشفى الأوروبي. حتى الآن هناك مرضى على الأرض إذ لا توجد أسرّة لهم. بدأنا باستخدام ما تعرف بأسرّة جيش، التي تستخدم في معسكرات الجيش دون فرش وغير مناسبة للإنسان العادي، فما بالك بالمريض الذي يحتاج إلى أسرّة طبية مخصصة للكسور وغيرها، حيث يتم تغيير وضع السرير على حسب حالة المريض".
وأكد أيضا أن المساعدات حاليا "لا ترقى إلى الحد الأدنى من احتياج القطاع الصحي في غزة".
وقال: "منذ بداية الحرب لم يصلنا إلا القليل جدا.. نحن بحاجة إلى كميات كبيرة جدا من المستلزمات الطبية والوقود لتقديم الحد الأدنى من الخدمات الطبية، فالوضع خطير جدا".