هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وباب المندب.. تصعيد مدروس خال من العواقب قصيرة المدى
هجمات الحوثيين.. تصعيد مدروس خال من العواقب قصيرة المدى
يرى محللون أن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وباب المندب وإطلاق صواريخ على إسرائيل البعيدة نسبيا تصعيد مدروس خال من أي عواقب قصيرة المدى، وهو ما يفسر تجاهلهم للتحذيرات الأمريكية المتكررة.
ومنذ هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي أطلق الحوثيون وابلاً من صواريخ كروز وطائرات مسلحة دون طيار باتجاه إسرائيل، ومع ذلك لم تتمكن الصواريخ أو الطائرات دون طيار من الإفلات من الدفاعات الجوية الإقليمية لإسرائيل أو الدول الأخرى.
واستهدفت الجماعة المتمركزة في اليمن، والتي تطلق على نفسها اسم “أنصار الله”، عدة سفن تعبر البحر الأحمر بطائرات دون طيار وصواريخ.
وفي 12 ديسمبر الجاري أصاب صاروخ أطلق من الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون ناقلة نرويجية، وفي 19 نوفمبر الماضي اختطف الحوثيون سفينة جالاكسي ليدر، وهي حاملة مركبات مملوكة جزئياً للملياردير الإسرائيلي رامي أونغار.
ويقول الكاتب مايكل هورتون في تقرير نشره معهد جيمس تاون “منذ استيلائهم على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر 2014، قام الحوثيون بشكل منهجي بتطوير وتحسين قدراتهم السياسية والعسكرية.
وقد بدأوا في قتال الحكومة اليمنية في عام 2004 وتطوروا من مجموعة حرب عصابات ذات قدرة عالية إلى منظمة على مستوى شبه الدولة، وهم الآن قادرون على إبراز القوة داخل المنطقة”.
لا حلول جيدة لإدارة التهديد الذي يشكله المتمردون الحوثيون، لكن كلما طال أمدها واتسع تعاظمت المخاطر
ويضيف هورتون أنه بينما فشلت الطائرات دون طيار والصواريخ التي أطلقها الحوثيون في ضرب أهداف في إسرائيل، فإن الحوثيين يشكلون تهديدًا متزايدًا للشحن في البحر الأحمر والبنية التحتية الحيوية للطاقة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
ويدرك الحوثيون، الذين يتمتعون بخبرة كبيرة في الحرب غير المتكافئة، أهمية النفوذ؛ إذ أن قدرتهم على ضرب أهداف في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هي التي دفعت السعوديين إلى طاولة المفاوضات، أكثر من أي شيء آخر.
والآن يستخدم الحوثيون الإستراتيجية نفسها لدرء الهجمات الانتقامية من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل ولتأكيد أنفسهم كقوة إقليمية.
وإذا شنت إسرائيل والولايات المتحدة ضربات جوية ضد الحوثيين، فمن الممكن أن يصعّد الحوثيون أيضا بهجمات غير متكافئة ضد الشحن في البحر الأحمر والبنية التحتية الإقليمية للطاقة.
ويسيطر الحوثيون أيضًا على اليمن من خلال ناقلة راسية بالقرب من ميناء الحديدة، تحمل أكثر من مليون برميل من النفط. ويعتبر العديد من المتشددين داخل المنظمة أن الناقلة وحمولتها من النفط تمثل ضغطًا إضافيًا على المجتمع الدولي.
وإذا حوصروا يمكن للأعضاء الأكثر تطرفا في منظمة الحوثيين العمل على ضمان حدوث تسرب نفطي من شأنه أن يعطل حركة الشحن في البحر الأحمر ويسبب أضرارا بيئية هائلة.
ويقول هورتون "إن استغلال الحوثيين للتهديدات غير المتكافئة والتصعيد المدروس يؤتيان ثمارهما، على الأقل في الوقت الحالي".
التهديدات غير المتماثلة
إن الهجمات على السفن في البحر الأحمر، وعلى وجه الخصوص عملية اختطاف سفينة جالاكسي ليدر البارزة، تحقق مكاسب محلية ودولية للحوثيين.
زاد الدعم المحلي للحوثيين، حتى أن بعض أعداء الحوثيين، مثل أعضاء حزب الإصلاح السياسي الإسلامي، يجتمعون معهم الآن في صنعاء. والأهم من ذلك هو تعزيز الدعم للحوثيين من القبائل الشمالية المسلحة تسليحاً جيداً في اليمن.
وعلى الصعيدين الدولي والإقليمي عززت الهجمات صورة الحوثيين باعتبارهم "مدافعين عن شعب غزة" وكأعضاء في “محور المقاومة”. كما توفر الهجمات والدعاية المصاحبة لها للحوثيين الغطاء اللازم للتعبئة المستمرة.
وخلال معظم العامين الماضيين ناضل الحوثيون لتجنيد عدد كافٍ من المقاتلين. وينضم شباب من جميع أنحاء اليمن -بمن في ذلك رجال من جنوب اليمن، وهي منطقة تعارض الحوثيين إلى حد كبير- إلى الحوثيين لمحاربة إسرائيل.
وعلى الرغم من أن هناك فرصة ضئيلة لأن يشتبك المقاتلون الحوثيون مع القوات الإسرائيلية، فإن دعاية الحوثيين جيدة الصياغة حول الهجمات على إسرائيل والسفن الإسرائيلية أثارت "الفخر الوطني" بين العديد من اليمنيين.
وحول الحوثيون سفينة جالاكسي ليدر الراسية قبالة الساحل اليمني إلى منطقة جذب سياحي شهيرة ومكان لمضغ القات.
الجغرافيا السياسية
بالإضافة إلى تعزيز الدعم المحلي الضعيف يعتبر إطلاق الحوثيين للصواريخ والطائرات دون طيار بمثابة تذكير قوي للسعوديين والإماراتيين وخصوم الحوثيين المحليين بقدراتهم.
ولئن فشل الحوثيون في ضرب أهداف في إسرائيل فقد ضربوا في الماضي مواقع في السعودية والإمارات بقدر من الدقة.
وتعمل كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على ترقية وتوسيع شبكات دفاعاتهما الجوية، ولكن إذا تم الإطلاق الجماعي للطائرات دون طيار والصواريخ من اليمن فسيتم ضرب العديد من الأهداف.
ولا تستطيع الإمارات العربية المتحدة أو المملكة العربية السعودية تحمل تكاليف ضرب مواقع رفيعة المستوى أو مشاريع غاز بطائرات الحوثيين دون طيار أو صواريخهم. والأهم من ذلك أن العالم لا يستطيع تحمل تكاليف استهداف البنية التحتية الحيوية للطاقة.
كما أن الحوثيين قادرون على ضرب الناقلات وسفن الشحن التي تعبر البحر الأحمر ويمتلكون صواريخ مضادة للسفن وألغاما وطائرات مسلحة دون طيار بحرية ومحمولة جوا.
وحتى الآن كان الحوثيون واضحين في أنهم يسعون فقط إلى استهداف الشحن المرتبط بإسرائيل. وبصرف النظر عن اختطاف سفينة جالاكسي ليدر، فإن محاولات الحوثيين لاستهداف السفن الأخرى باءت بالفشل بسبب جهود الأصول البحرية الأميركية في البحر الأحمر وخليج عدن.
ويبدو أن الحوثيين منخرطون في تصعيد محسوب إذ أنهم يمتلكون القدرة على استهداف السفن الضعيفة بالصواريخ المضادة للسفن ويمكنهم نشر الألغام البحرية والطائرات المسلحة دون طيار. ومع ذلك لم يستخدموا بعد هذه الأسلحة على نطاق واسع.
ولا تزال المملكة العربية السعودية منخرطة في محادثات أحادية الجانب مع الحوثيين، وعملت على كبح الضربات الانتقامية من قبل إسرائيل والولايات المتحدة.
وبعد أن خاضت حربًا مع الحوثيين تعلم المملكة العربية السعودية أن المحادثات جنبًا إلى جنب مع وعود المساعدة أو الاستثمار، بالإضافة إلى الضغط على الحوثيين من إيران والصين وعمان وربما روسيا، أكثر قابلية للتطبيق من العودة إلى الحرب.
وبينما تدعم إيران الحوثيين وتوافق على بعض أعمالهم، فإنها مهتمة كثيرا أيضًا بتعميق علاقتها مع المملكة العربية السعودية، التي وعدت بالاستثمار في إيران.
وتأمل المملكة العربية السعودية أن تتمكن جهودها من تهدئة الحوثيين واحتوائهم، على الرغم من أن السعوديين يجهزون جيشهم في الوقت نفسه لحرب جديدة مع الجماعة.
ويمثل الحوثيون مشكلة مستعصية على المنطقة وعلى المجتمع الدولي، وهم منظمة عسكرية وسياسية هائلة تفهم القوة وتنظر إلى الضعف.
وسوف ينظر الحوثيون إلى الرد الأمريكي الحالي على أنه"بلا أسنان". ومع ذلك، فحتى السيناريو غير المرجح المتمثل في قيام الولايات المتحدة وإسرائيل بشن ضربات متواصلة على الجماعة لن يفعل الكثير لإضعاف قدرتها بشكل خطير على تنفيذ هجمات ضد أهداف في البحر الأحمر والمملكة العربية السعودية.
ولن تؤدي مثل هذه الضربات إلى تقليص قبضة الحوثيين على السلطة في اليمن ومن المرجح أن يكون للغارات الجوية تأثير عكسي، وبدلاً من ذلك ستساعد الحوثيين على تعزيز دعمهم على المدى القصير.
ولا توجد حلول جيدة لإدارة التهديد الذي يشكله الحوثيون. وقد تؤتي الجهود السعودية ثمارها، على الأقل بالنسبة إلى السعوديين أنفسهم، الذين يريدون أمن الحدود قبل كل شيء. ومع ذلك، فإن القدرات العسكرية للحوثيين ستزداد في السنوات القادمة.
ويرى الحوثيون أن إستراتيجيتهم الحالية المتمثلة في التصعيد المدروس ناجحة وخالية من العواقب قصيرة المدى. ونتيجة لذلك من شبه المؤكد أن هجماتهم ستستمر.
وكلما طال أمدها تعاظم التهديد المتمثل في أن سوء التقدير من جانب الحوثيين سوف يجبر الولايات المتحدة أو إسرائيل على التدخل وإطلاق حلقة تصعيدية قد تكون لها عواقب وخيمة على المنطقة بصفة خاصة والاقتصاد العالمي بصفة عامة.