على وقع دوي الضربات الأميركية- البريطانية على مدينة الحديدة في غرب اليمن الخاضعة لسيطرة المتمردين الحوثيين، استفاقت منال فقيرة فجر أمس الجمعة، مرعوبة وشعرت للحظة بأن المعارك عادت لبلادها.
تروي الموظفة البالغة 36 سنة أنها كانت نائمة عندما حصلت الضربات، وتقول "عندما سمعت أول انفجار ارتعبت وشعرت بأنني في حلم، عند الضربة الثانية أدركت أنه قصف، حرب. أما في المرة الثالثة، فدخلت في البطانية من خوفي وهلعي".
وتضيف أنها من شدة الخوف شعرت "كأن القيامة قامت".
خفت على بلادي
منال واحدة من سكان محافظة الحديدة الاستراتيجية المطلة على البحر الأحمر التي كانت لها حصة كبرى من الضربات التي شنتها القوات الأميركية والبريطانية فجر أمس على مواقع عسكرية تابعة للحوثيين، رداً على هجماتهم على سفن يشتبهون في أنها مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إلى موانئ إسرائيلية، تضامناً مع قطاع غزة الذي يشهد حرباً مع تل أبيب.
وتقول منال، "رحت أفكر في الأطفال والأمهات والآباء. من هم الذين تعرضوا للقصف؟ في أي مكان قصفوا؟ خفت على وطني، خفت على بلادي، خفت على أهلي واضطررت إلى الاتصال للاطمئنان عليهم على رغم أن الوقت كان متأخراً".
والحديدة التي تعتبر موانئها شريان حياة ملايين السكان في مناطق سيطرة الحوثيين، هي أحد المواقع التي يطلق منها المتمردون صواريخ ومسيّرات لاستهداف السفن في البحر الأحمر.
ويحتجزون في ميناء الصليف في محافظة الحديدة، السفينة "غالاكسي ليدر" المرتبطة برجل أعمال إسرائيلي، بعدما خطفوها في الـ19 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ورفعوا عليها أعلام اليمن وفلسطين.
ذكريات الحرب
يستعيد الصيدلاني عاصم محمد (33 سنة) اللحظات الأولى للضربات عندما استيقظ على أصوات انفجارات عند الساعة الثانية والنصف فجراً وعلى بكاء طفله.
ويقول الأب لثلاثة أبناء، "كنا في المنزل وكان الأطفال نائمين، وفي وقت القصف صحا ابني الصغير وهو يبكي خائفاً ويصرخ".
لا يتذكر الطفل البالغ ثلاث سنوات أياماً كانت فيها المعارك محتدمة في اليمن الذي يشهد منذ قرابة عامين تهدئة على إثر هدنة أعلنت في أبريل (نيسان) 2022، على رغم انتهاء مفاعيلها بعد ستة أشهر.
اندلع النزاع في اليمن عام 2014 وسيطر الحوثيون على مناطق شاسعة في شمال البلاد بينها صنعاء، وفي العام التالي تدخلت السعودية على رأس تحالف عسكري دعماً للحكومة، وخلف النزاع مئات آلاف القتلى وتسبب بإحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، وفق الأمم المتحدة.
ويضيف عاصم أن "ليس هناك مكان نختبئ فيه، لكننا اجتمعنا في غرفة واحدة"، مردفاً أنه لم يكن يتوقع أن تنفذ الدول الغربية تهديداتها للحوثيين، ظناً منه أن التحذيرات التي وجهت إليهم لم تكن سوى "حرب إعلامية".
وأحيت أصوات الغارات في ذهنه ذكريات الحرب الدامية التي شهدتها أفقر دول شبه الجزيرة العربية.
ويقول، "عندما وقعت الضربات لم نعرف أنها ستطاول مواقع عسكرية فقط، اعتقدنا بأنها قد تستهدف كل مكان كما كانت في السابق على مدى تسعة أعوام".
صنعاء تحترق
وتوضح منال أن صديق زوجها يعيش في العاصمة صنعاء، حيث استهدفت واشنطن ولندن أيضاً مواقع عسكرية، واتصل للاطمئنان عليهما، وقال لهما إن "صنعاء تحترق".
وتخشى منال عودة المعارك لليمن بعدما نعمت مثل سائر اليمنيين بحياة شبه طبيعية خلال العامين الماضيين، وتقول، "إن شاء الله لا تعود الحرب، وأملنا في هذه الدنيا أن نعيش بصحة وسلام".
لكن عاصم يبدو أكثر تشاؤماً منها، إذ يرى أن "الوضع متوتر جداً والأيام المقبلة لا تبشر بالخير"، مشيراً إلى أن الحوثيين توعدوا بالرد على الولايات المتحدة وبريطانيا.
واعتاد اليمنيون على الاستعداد للأزمات عبر تخزين المواد الغذائية والوقود والغاز خصوصاً، وتشكلت أمس طوابير من السيارات أمام محطات الوقود والغاز في الحديدة وصنعاء، لكن سرعان ما عادت الأمور لطبيعتها.
وأكدت "شركة اليمنية للغاز في صنعاء" ضمن بيان أنها "مستمرة في تزويد المواطنين بحاجاتهم"، داعية إياهم إلى "الإبلاغ عن أية محطة توقف التموين أو تزيد سعر البيع".
وفي شمال صنعاء، كان الحوثيون صباح اليوم السبت يفرضون إجراءات أمنية مشددة حول قاعدة "الديلمي" الجوية التي شن الجيش الأميركي ضربات جديدة عليها فجر اليوم، وأُغلقت المنطقة المحيطة بها ولم يسمح بالدخول إليها إلا للسكان الذين لديهم تصاريح من مسؤول الحارة. وكان زجاج نوافذ المباني المجاورة للقاعدة محطماً، فيما نزح بعض السكان إلى مناطق يعتبرونها أكثر أماناً.
لكن في سائر أرجاء المدينة كانت الحركة طبيعية.
وتقول طبيبة الأطفال يسرى سنان (30 سنة)، "لم نخَف كثيراً من الضربات لأننا معتادون على هذه الأصوات منذ أعوام عدة، لكن كثراً تحدثوا على مواقع التواصل الاجتماعي عن خوف كبير انتابهم"، وعلى رغم ذلك استدركت أنه "في الوقت الحالي نريد العيش في أمان واستقرار، ولا نريد الحروب".