منذ سقوط العاصمة اليمنية صنعاء في يد الحوثيين وحليفهم علي عبدالله صالح آنذاك في سبتمبر 2014، بدأت الجماعة بالتوغل داخل جهاز القضاء واحكمت السيطرة عليه، وغيرت مساره في التعامل مع آلاف القضايا بمختلف أنواعها، ليؤثر بذلك على حقوق العامة من الناس جراء تلك التدخلات التي يمارسها مشرفو الجماعة.
لم يقتصر الأمر على تلك التدخلات فحسب، بل تعدى أكثر من ذلك، وتحوّل جهاز القضاء إلى أداة لضرب وتصفية كل من يقف في وجه الحوثيين أو يعارض سلطتهم التي يصفها الكثير بالقمعية والوحشية التي تجاوزت الكثير من الحدود كما يراها خصوم الجماعة.
استراتيجية السيطرة على القضاء
كان جهاز القضاء الذي يعد أعلى سلطة في اليمن، أحد أهم أجهزة الدولة التي كانت هدف من أهدافهم الاستراتيجية منذ أن حطوا أنظارهم على العاصمة صنعاء، رغم أن هناك شريحة من القضاة هم من موالي الجماعة منذ عقود، إلا أن هذه كانت خطوة لإحكام السيطرة عليه بشكل كامل.
المحامي ورئيس منظمة "سام" للحقوق والحريات، توفيق الحميدي، تحدث في تصريح لـ " يمن فريدم" عن سيطرة الحوثيين على جهاز القضاء وقال " منذ بداية سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء في سبتمبر العام 2014 ركزت هذه الجماعة على إعادة هيكلة القضاء على مستويات متعددة ابتداء من المحكمة العليا مجلس القضاء الأعلى وزارة العادل هيئة التفتيش القضائي".
وأشار إلى أنه "بعد دراسة من منظمات كندية وحتى ضمن تقارير فريق الخبراء والذي أكد بصورة قاطعة وواضحة بأن القضاء لم يعد مستقلا، وأصبح يخضع لقيادات مثل (محمد الحوثي) الذي أصبح مشرفا على الجهاز القضائي ويعين فيه، هو وبالتالي تحول هذا القضاء إلى أداء من أدوات الانتقام والتخويف، واستخدم من قبل جماعة الحوثي في إصدار أحكام الإعدام ومصادرة أموال الخصوم".
تغيير مجرى الإجراءات القضائية
عَمد الحوثيون إلى تغيير سير الإجراءات القضائية في آلاف القضايا المنظورة بالمحاكم التي أصبحت تحت سلطته ويديرها بالطريقة التي يريد، وهو ما ألقى بتداعيات خطيرة وكبيرة على حقوق وحريات الناس القابعين تحت سلطتهم.
ووصف المحامي الحميدي في تصريحه القضاء تحت سيطرة الحوثيين بأنه "أصبح غير نزيه وغير جدير بالثقة وأحدث هزة كبيرة، غير قادر على النظر في أي قضية من القضايا السياسية المتعلقة بالتعذيب والإعدام الإخفاءات القسرية إلى غير ذلك، لأنه افتقد لأهم شروط من شروط الاستقلال المالي وشروط الاستقلال القضائي والانخراط للأسف الشديد بل بعض القضاة كما وضحنا في احد تقاريرنا المسمى (الإعدام تعزيرا) تبين لنا أن بعض القضاة كانوا عبارة عن مشرفين أو حاشدين لجماعة الحوثيين للقتال في الجبهات".
الحارس القضائي ونهب الممتلكات
يشكل الحارس القضائي الخاضع لسيطرة الحوثيين أداة نافذة لمصادرة الممتلكات العامة والخاصة بذرائع وحجج لا صلة لها بالقضاء والقوانين اليمنية المعمول بها.
ويمنح هذا الحارس صلاحيات واسعة لا يمكن لأحد الاعتراض عليها، وهي ضمن مخطط الجماعة للمصادرة والاستيلاء على ممتلكات الاشخاص والكيانات التي يعتبرها الحوثيين أعداء بل ويصفهم بـ " العملاء والخونة“.
وسألنا المحامي توفيق الحميدي عن الحارس القضائي الذي يسيطر عليه الحوثيون لتنفيذ مخططاتهم ورد علينا بالقول" نحن تتبعنا هذا الأمر وأصدرنا تقرير بعنوان "الحارس القضائي" وهو تناول من زاوية واحدة فقط الأموال المنهوبة وتناولتها وسائل إعلام الحوثي فقط ليس كل الأموال، ووصلنا إلى نتيجة بأن هذه الجماعة أسست ما يسمى بالجهاز القضائي يتبع (صالح الشاعري) وهو اسم مجازي لا علاقة له بالقانون، لأن الحارس القضائي له مدلولاته وشروطه الخاصة في القانون التجاري اليمني، هذا الجهاز يتبعه ما يقارب 2000 موظف له فروع، تقريبا كانت الأموال المنهوبة بحسب ما توصلنا إليها ما يقارب 3 مليار دولار“.
وأضاف "تحوّل هذا القضاء إلى وسيلة من وسائل الانتقام والمصادرة، وجماعة الحوثي في الغالب تسعى سريعا لتنفيذ الأحكام المتعلقة بالمصادرة بعكس ربما الأحكام المتعلقة بالإعدام أصدرت إلى حد الآن من يقارب( 500) حكم بإعدام خصوم سياسيين وأكاديميين وصحفيين، ولذلك لم ينفذ منهم سوى تسعة المتعلق في قضية الصماد، لكن القرارات والأحكام الصادرة بالأموال يتم تنفيذها على وجه السرعة وهي تأخذ مستويات متعددة سواء بالتأجير والمصادرة أو تجميد الأموال إلى غير ذلك".
كما أن منظمة سام التي يرأسها المحامي الحميدي اعتبرت "استمرار الحوثيين على نهج تسييس نهب منازل الخصوم لدواعي سياسية هو نوع من النهب المنظم، والترهيب باستغلال النفوذ السياسي والقوة العسكرية بصورة تنتهك الحق المقدس للملكية المكفولة بموجب الدستور اليمني والمعاهدات الدولية".
ودعت المنظمة الحوثيين إلى ضرورة التوقف الفوري عن الانتهاكات المتعلقة بمصادرة الأموال، والكف عن استخدام مسمى الحارس القضائي الذي شُرّع أساسا لأجل ضمان حقوق المدنيين لحين صدور قرارات حقيقية وقانونية من قبل الجهات القضائية وليس استغلال نفوذ وقوة السلطات القضائية في مصادرة حقوق الأفراد.
تهم ومحاكمات صورية
يحرص الحوثيون على تلفيق تهم مُحكَمة على كل من يخالف توجهات الجماعة، وتسوق هذه التهم أصحابها إلى المشانق في ظل إجراءات غير قانونية وغير شرعية.
وقالت منظمة "سام" إنها تتبعت الأحكام الصادرة من المحاكم الاستثنائية التابعة لجماعة الحوثي في العاصمة صنعاء خلال فترات متفاوتة؛ فرصدت ما يقارب من 150 حكماً بالإعدام تعزيراً ضد خصومهم، أو المخالفين لهم من بينهم بعض أتباع الطائفة البهائية الذين تم ترحيلهم قسرا بوساطة من الأمم المتحدة.
وأشارت إلى "أن المحاكمات التي تعقدها مليشيا الحوثي للخصوم السياسيين هي في مجملها "محاكمات صورية" وقد تنوع الخصوم ما بين كبار مسؤولي الدولة على رأسهم الرئيس السابق هادي ورئيس الوزراء و(35) نائبا برلمانياً، وأكاديميون، وصحفيون، ونشطاء، وعسكريون، ومواطنون عاديون، بينهم أسماء العميسي التي اتهمها الحوثيون بالإرهاب وحرموها من كل حقوقها القانونية وحكموا عليها بالإعدام".
بحسب تقرير "سام" واجه جميع المحكوم عليهم تُهمة واحدة هي "إعانة العدوان والخيانة العظمي"، ويأتي البرلمانيون في مقدمة ضحايا أحكام الإعدام تعزيراً، ثم السياسيون وعلى رأسهم الرئيس السابق "عبدربه منصور هادي" الذي صدر بحقه ثلاثة أحكام بالإعدام تعزيراً، والعسكريون، وآخرون مدنيون".
محاكمة النساء
يُصنّف جهاز القضاء الذي يسيطر عليه أكثر من جناح داخل الحركة الحوثية وسيلة ناجعة للجماعة لاستهداف النساء اليمنيات خاصة المعارضات، حيث تعمد إلى تلفيق الكثير من التهم لهن بمبرر مواجهة من يصفونه "العدوان" وتلك الطريقة التي تمكن الحوثيون من استهداف النساء تحت هذه التهم.
ويصف الوسط الحقوقي قرارات الحوثيين عبر جهاز القضاء بالأحكام السياسية، كما تقول رئيسة مؤسسة "دفاع" للحقوق والحريات" المحامية هدى الصراري والتي تحدثت في تصريح خاص لـ " يمن فريدم"، " بالنسبة لأحكام القضاء التي تصدرها المحكمة الجزائية التابعة لمليشيات الحوثي هي محكمة سياسية بامتياز تستهدف الخصوم والناشطين والصحفيين، أضف أن القرارات الصادرة منها قرارات غير قانونية لأنها صادر من سلطة غير شرعية والأمر الأهم أنها لا توفر أي ضمانات للعدالة أو الدفاع القانوني لكل ضحاياها التي صدرت بحقهم احكام متعسفة بالقتل خارج اطار القانون ( الإعدام) أو الاعتقال.
واستشهدت المحامية الصراري بما حدث للناشطة فاطمة العرولي، التي جرى "اختطافها من نقطة أمنية في تعز أثناء سفرها ثم اخفوها قسرا لمدة عام وأخضعوها لظروف إنسانية سيئة"، وأشارت إلى أن محامي العرولي، عبدالمجيد صبرة "طُرد منذ الوهلة الأولى لتنفيذ جلسات المحكمة بالتالي لم توفر لها ضمانات عدالة كمثلها من الضحايا النساء اللاتي واجهن نفس المصير كأسماء العميسي التي حكم عليها بالإعدام، وانتصار الحمادي".
ووصفت المحامية هدى الصراري، التهم التي ينتقم من خلالها الحوثيين الضحايا بـ" تهم مطاطة وغير واضحة" يراد بها الايقاع بالخصوم وبث الرعب والخوف والقلق في مناطق سيطرة الجماعة، ألا وهي تهمة التخابر مع العدوان، هذا العدوان الذي يطلب ودّه حاليا ويخوض مفاوضات سلام قد تفضى الى عملية سياسية والاتفاق بخصوص ملفات أخرى، فهذا يدل على أنها تهم باطلة غير صحيحة لم نرَ هذا الاستهداف الممنهج ضد النساء في تاريخ الصراعات اليمنية بحيث تستهدف في حقها بالحياة والسلامة الجسدية ومصادرة حقوقها وحرياتها مثلما حدث مع الحوثيين".
الناشطة فاطمة العرولي التي أصدر الحوثيون بحقها حكما بالإعدام
استهداف الخصوم سياسيًا
لم يترك الحوثيون مجالا لجهاز القضاء للقيام بعمله على أقل تقدير لحفظ حقوق المدنيين وحرياتهم بمختلف التوجهات، بل الأمر تجاوز ذلك وأصبحت السلطة القضائية "سيف مسلط على رقاب الخصوص السياسيين والصحفيين والكتّاب والناشطين"، وحتى النساء، والهدف من ذلك الترهيب والتخويف ومحاولة تركيع الآخرين.
وكيل وزارة الشؤون القانونية وحقوق الإنسان، في الحكومة اليمنية المعترف بها، نبيل عبدالحفيظ، وصف في حديثه لـ " يمن فريدم" القضاء والجلسات والمحاكمات التي يقوم بها الحوثيون بـ " المسرحيات الهزلية" والتي قال عنها "جلسات ومحاكمات لا تمت لا للقضاء بصلة ولا هي معترف بها قانونًا لا على المستوى المحلي ولا على المستوى الدولي، بالإضافة إلى أنها تفتقد لأبسط معايير المحاكمات العادلة".
وصنّف الوكيل عبدالحفيظ في تصريحه القضاة الذين يعملون في المحاكم الخاضعة لسيطرة الحوثيين بأنهم "مجموعة من العسكريين التابعين لهذه الجماعة، وبالتالي ليس أساسا جزءًا من القضاء، أو مجموعة منهم في سلك القضاء سابقا ويعملون بالإجبار في هذا الإطار".
وأضاف أن كل الممارسات في المحاكم "ليس معترفا بها، وإنما يأتي في إطار سياسة التخويف والترهيب التي تمارسها هذه الجماعة".
كما أشار الوكيل عبدالحفيظ إلى القرارات التي أصدرها الحوثيون "تحت صيغة أحكام بالإعدام ومصادرة الأموال على كل مسؤولين الدولة والحكومة الشرعية"، إلى جانب اجراءت أيضا كانت هناك جهود كبيرة من أجل إطلاق الصحفيين الذين أيضا أصدروا بحقهم قرارات إعدام وهم الأربعة الصحفيين الذين تم تداول قضيتهم طوال التسع سنوات الماضية، بالأخير كل ذلك هم مجرد أدوات للترهيب من ناحية للتخويف للتركيع لجعل الجميع يشعر بأنه سيكون تحت طائلة أيدي هؤلاء وأنه تلفيق التهم هي أسهل ما يمكن".
لم يغفل المسؤول الحكومي قضايا النساء في سجون الحوثيين اللواتي يتعرضن لأصناف من التعذيب والترهيب والمحاكمات، وأشار عبدالحفيظ في حديثه إلى " أن هناك أعداد مهولة من النساء لم يحدث في تاريخ اليمن، هذا العدد من المختطفات واللواتي يتم اعتقالهن واختطافهن بشكل دائم، وتصل الأمور إلى حد إصدار أحكم إعدام كما صدر على الناشطة فاطمة العرولي، يعني هذا الكلام كله يعكس هذا الأسلوب الدنيء في استخدام هذه الأساليب للضغط والتخويف والترهيب للمواطن اليمني".
شواهد على المحاكمات
منذ أن أحكم الحوثيون قبضتهم على مفاصل السلطة القضائية وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من مشروعهم لمواجهة خصومهم، ثمة شواهد وقصص وثقت المهازل التي جرت في أروقة المحاكم على مرأى ومسمع من العالم ضد مواطنين لُفّقت لهم تهم خطيرة عنوانها "التخابر مع دول العدوان"، وهي التهم التي مكنت الجماعة من سهولة الوصول واستهداف من يختلفون معها أو يعارضونها".
الصحفي اليمني أكرم الوليدي، أحد الصحفيين الذين اُفرج عنهم ضمن صفقة تبادل مع الحوثيين، هو مثال وشاهد حي على تلك المحاكمات التي اُتخذت بحقه هو وزملائه، وحملت صبغة سياسية هدفها اسكات أصوات معارضي الجماعة.
تحدث أكرم لـ " يمن فريدم" عن تلك الإجراءات وقال إن الحوثيين يعملون على تلفيق وإلصاق التهم والأكاذيب بمن يختلفون معهم للتخلص منهم وإرهاب غيرهم من الأحرار على حد وصفه.
وأضاف أكرم "بعد سنوات من الخطف والإخفاء القسري والتعذيب، ولكي يكملوا مسرحية اختطافنا جاء المشهد الثاني من المسرحية وهي المحاكمة بعد أن قضينا أربع سنوات تم إحالتنا إلى محاكمة صورية ميليشيا بزي القضاء في محكمه غير قانونية، حرمنا فيها من جميع حقوقنا أمام القضاء، ورغم إبلاغ النيابة والمحكمة بما تعرضنا له إلا أنها لم تحرك ساكن، واصدرت أوامر بالقتل، لم يكن حكم إعدام إنما أوامر بالقتل بسبب عملنا الصحفي الذي لا يعتبر جريمة في كل دول العالم ولا تزال الأحكام سارية حتى الآن".
نجا أكرم ورفاقه من الصحفيين من حبل المشنقة، لكن قصة أخرى كان لها وقعًا كبيرًا على الشارع اليمني، وهي إعدام الحوثيين لتسعة مواطنين من أبناء الحديدة في 18 سبتمبر 2021، بتهمة وقوفهم وراء مقتل القيادي في الجماعة صالح الصماد في أبريل/ نيسان 2018.
أحدث هذا المشهد حالة من الاحتقان والغضب لدى عامة الناس جراء ظروف وملابسات المحاكمات التي وُصفت بالصورية، بحق الـ 9 المدنيين الذين اُعدموا وسط أحد الميادين بصنعاء أمام عدسات الكاميرات وجمع كبير من الناس وسط شعارات تعبر عن حالة النشوة في تصفية الخصوم.