لا تزال النساء والفتيات في اليمين يواجهن انتهاكات لحقوقهن يمارسها ضدهن الحوثيون، الذين ما انفكوا يضيقون الخناق عليهن بفرضهم شروطا للسفر والتنقل داخل البلد وخارجه منها وجود محرم أو الموافقة الخطية من ولي الأمر الذكر. وقد أدت تعسفات الحوثيين إلى تراجع وضع حقوق المرأة في اليمن وتدمير كل المنجزات التي حققتها قبل الحرب.
وتواصل جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن التضييق على النساء في مختلف المحافظات الواقعة تحت سيطرتها منذ نحو تسع سنوات. وتفرض الجماعة المدعومة من إيران قيودا على النساء والفتيات، بما في ذلك اشتراط وجود محرم لأي امرأة في حال قررت السفر إلى مناطق داخل البلاد أو خارجها.
وتواجه جماعة الحوثي انتقادات متكررة من منظمات حقوقية وحكومية بسبب استمرار التضييق على النساء، بما في ذلك مواصلة سجن البعض منهن. وقبل أشهر، كشف فريق الخبراء الحقوقيين التابع للأمم المتحدة المعني باليمن، عن انتهاك منهجي لحقوق النساء والفتيات يمارسه الحوثيون.
وقال الخبراء في تقرير موسع إن "الحوثيين يمارسون انتهاكات عديدة، منها زيادة القيود على حرية تنقل النساء، حيث تلزم الجماعة النساء على السفر مع محرم (قريب ذكر أو زوج) أو بموجب موافقة خطية من ولي الأمر الذكر".
وأضاف الخبراء "لم يعد يُسمح للنساء بالسفر بدون محرم إلى أي مكان داخل المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، أو إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية، أو إلى خارج البلاد".
وفي بيان سابق لمنظمة العفو الدولية، أفادت بأن "سلطات الأمر الواقع الحوثية، حظرت على النساء السفر دون محرم أو دليل على موافقته الخطية عبر المحافظات الخاضعة لسيطرة الجماعة أو إلى مناطق أخرى من اليمن".
وأضافت المنظمة الحقوقية الدولية "أعاقت القيود الحوثية المشددة النساء اليمنيات من القيام بعملهن، خاصة اللواتي تتطلب منهن طبيعة عملهن السفر".
لفتت إلى أن "القيود التي يفرضها شرط المحرم، تنطبق أيضا على العاملات اليمنيات في المجال الإنساني اللواتي يعانين من أجل القيام بعمل ميداني، ما يؤثر بشكل مباشر على وصول اليمنيين المحتاجين إلى المساعدات، وخاصة النساء والفتيات".
وشكت عدد من اليمنيات في حديث لوكالة الأنباء الألمانية من مضايقات مزعجة تنفذها جماعة الحوثي في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، بما في ذلك تقييد حق السفر والتحرك بحرية.
ومن بين هذه الفتيات، الشابة سارة (30 عاما)، تحكي للوكالة قصة كفاحها في سبيل الانتقال الفردي من صنعاء إلى السعودية من أجل أداء العمرة.
وتقول سارة "قررت مؤخرا السفر إلى المملكة العربية السعودية لزيارة أهلي هناك إضافة إلى أداء العمرة، لكن رفض الحوثيون إعطائي تصريحا بحجة أني مسافرة دون محرم رغم توفير جميع المتطلبات اللازمة مثل موافقة والدي وتذاكر الحجز وتأشيرة السفر".
وأضافت وهي تتحدث بنبرة استياء "رد الحوثيون على طلبي تصريحا بأني ممنوعة من السفر رغم إعدادي لمتطلبات الانتقال إلى السعودية".
وتابعت "يتعامل الحوثيون مع اليمنيات باستهتار دون تقدير الحاجة الماسة للمرأة إلى السفر، وأننا لم نعد في عصر التخلف".
واعتبرت الشابة سارة أن "ما يحدث في اليمن هو أن مجموعة عصابات تتحكم بتحركات المرأة وتفرض قيودا عليها.. لا يضعون أي اعتبار بأن المرأة تحتاج إلى السفر وأن ليس كل النساء لديهن محارم".
وشكت سارة من متاعب استخراج تصريح السفر، قائلة "استخرجت التصريح عن طريق الوساطة، وإلا لم يكن بوسعي السفر بتاتا سواء كان لدي عمل طارئ أو علاج أو أي أمر كان".
وتضيف "لست الوحيدة التي واجهت هذا الموقف في مناطق سيطرة الحوثيين.. هناك الكثير من النساء اليمنيات اللاتي يعانين بسبب هذه الإجراءات التعسفية".
واستطردت "هناك فساد كبير في هذا الملف الذي يتلاعب به بعض عناصر الجماعة في وزارة الداخلية وغيرها من المؤسسات بصنعاء المسؤولة عن استخراج التصاريح، والتي باتت تعين نفسها ولية أمر للمرأة".
وتشكو أم إيناس وهي معلمة في العاصمة صنعاء، من مضايقات متكررة على النساء ترتكبها جماعة الحوثي.
وتقول المعلمة وهي أم لأربعة أطفال، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية، "إن المعيشة في صنعاء أصبحت صعبة من مختلف النواحي، سواء المعيشية أو الحقوقية أو التعليمية". وأضافت أن "الحوثيين يفرضون أفكارهم وقناعاتهم بالقوة على الجميع في المناطق الخاضعة لهم، وسط حالة استياء من قبل السكان".
وأشارت إلى أن الجماعة تواصل انتهاكات خصوصيات اليمنيات، بما في ذلك حرية التنقل والسفر سواء داخل البلاد أو خارجها. وتابعت "هناك من النساء من لا تملك قريبا يسافر معها، وثمة من لديها عمل مستمر يتطلب التنقل بين المحافظات، ما يجعل شرط المحرم عائقا كبيرا في إنجاز الأعمال والمهام، وبالتالي تضرر العديد من السكان".
من ناحية حقوقية، ينظر الكثيرون إلى إجراءات الحوثيين بأنها قرارات تعسفية تفتقر للمنطق والقانون.
وتفيد المحامية البارزة هدى الصراري بأن "هذه القرارات التعسفية تجاه النساء في مناطق سيطرة جماعة الحوثي تستهدف بشكل أساسي حرية اليمنيات والانتقاص من حقوقهن التي كفلها لهن الدستور اليمني والتشريعات الدولية".
وفي حديثها لوكالة الأنباء الألمانية، أضافت الصراري، وهي رئيسة مؤسسة دفاع للحقوق والحريات، أن "هذه القرارات الحوثية أثرت بشكل كبير على النساء من حيث تقييد وصولهن إلى حقهن في العمل والتحصيل العلمي ومنعها من ممارسة نشاطات كثيرة كحضورها الفعاليات الدولية مثلا وإسماع صوتها خارج اليمن ونقل معاناة اليمنيين جراء الحرب".
وتابعت الصراري "من المعروف أن المرأة اليمنية لعبت دورا مهما جدا أثناء الصراع المسلح خلال حضورها الفعاليات والأنشطة الإقليمية والدولية على كافة الأصعدة، ونقل مأساة الحرب ومعاناة اليمنيين والانتهاكات والجرائم التي تقع عليهم من أطراف الصراع، ما يجعل منعها من السفر وتقييد حريتها يؤثر على دورها بشكل كبير".
وتابعت "حتى على مستوى الداخل، منعت جماعة الحوثي النساء من العمل في المنظمات الدولية وسفرهن إلى المدن والأرياف إلا بمحرم، وهذا أدى إلى تضرر شريحة كبيرة من النساء الريفيات وضحايا الحرب ممن يعتمدن على المساعدات الإنسانية والإغاثة والخدمات كالخدمات الصحية والصحة الإنجابية التي تقدمها المرأة العاملة في المنظمات الدولية التي تستهدف النساء في كل اليمن والمناطق المتضررة".
وحول دور المجتمع الدولي في الضغط على الحوثيين، تعلق الصراري "للأسف بالرغم من ثبوت هذه الانتهاكات في تقارير دولية تستهدف وضع حقوق الإنسان في اليمن، وآخر تقرير لفريق لجنة العقوبات الدولية نص على هذه الانتهاكات وأثرها، فإن المجتمع الدولي ما زال يقف عاجزا أمام كل هذه التجاوزات والقيود التي تفرضها جماعة الحوثي".
وذكرت أن تعسفات الحوثيين "أدت إلى تراجع وضع حقوق المرأة وتدمير كل المنجزات التي حققتها قبل الحرب، وخفض صوت المدافعات عن حقوق الإنسان في مناطق سيطرة الحوثيين، والمنظمات النسوية التي باتت مقيدة عن ممارسة أي نشاط حقوقي أو حماية النساء المعنفات وضحايا الحرب بسبب هذه القرارات التعسفية والجائرة".
وشددت المحامية اليمنية على أن قيود الحوثيين على المرأة "تحتاج منا إلى الوقوف بشجاعة ورصد آثارها والتحدث عنها ونقلها إلى العالم حتى يرى مدى الجرائم المرتكبة بحق النساء، والتي لم ترتكب في تاريخ الصراعات اليمنية بحق المرأة إلا في عهد هذه الجماعة".