قررت دول عدة على مدار اليومين الماضيين تعليق تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بعد اتهامات إسرائيلية لعدد من موظفي الوكالة التابعة للأمم المتحدة بالمشاركة في هجمات 7 أكتوبر ، ما أثار مخاوف بشأن الأوضاع الإنسانية في غزةواحتمالية الدخول في "فوضى" حال تعثر عمل الوكالة.
أوضاع كارثية ومخاوف من الأسوأ
يعتبر المجلس النرويجي للاجئين، وهو يعمل في قطاع غزة ويقدم خدمات إنسانية للفلسطينيين، أن دور منظمة الأونروا المنقذ للحياة في قطاع غزة "مهدد حاليا بفعل قرار بعض الدول المانحة تعليق المساعدات".
وأضاف، في حديث لموقع "الحرة"، أن "الأونروا بالفعل ردت على الاتهامات وأنهت عقود من يزعم أنهم انتهكوا مبدأ الحيادية في العمل".
ولفت إلى أن "الوضع الإنساني في قطاع غزة كارثي ويجب السماح بوصول المساعدات إلى الفلسطينيين الذين يعانون بالفعل وهم في أمس الحاجة لتلك المساعدات الإغاثية".
من جانبه أكد المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، أن الوكالة الأممية هي الوكالة الإنسانية الرئيسية في غزة، وقال إن الكثيرين "يشعرون بالجوع في الوقت الذي تدق فيه عقارب الساعة نحو مجاعة تلوح في الأفق".
وأضاف أن الوكالة تدير الملاجئ لأكثر من مليون شخص وتعمل على توفير الغذاء والرعاية الصحية الأولية حتى في ذروة الأعمال العدائية.
وأكد أنه "لأمر صادم أن يتم تعليق تمويل الوكالة كرد فعل على ادعاءات ضد مجموعة صغيرة من الموظفين، خاصة بالنظر إلى الإجراء الفوري الذي اتخذته الوكالة بإنهاء عقودهم وطلب إجراء تحقيق مستقل وشفاف".
وحول ذلك، قال المحلل الإسرائيلي، يوآف شتيرن، إن فكرة التعليق بسبب مجموعة صغيرة من الموظفين أمر يعود إلى الدول التي اتخذت قرار التعليق، وتحدد وفق تقديراتها ما إذا كانت المنظمة تتحمل المسؤولية بأكملها أم لا.
أعلنت الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وسويسرا وفنلندا، خلال اليومين الماضيين، تعليق مساعداتهما المخصصة للأونروا بشكل مؤقت، وهو قرار واجهه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بالتحذير من أن المنظمة التي يعتمد عليها مليوني شخص في غزة لن تكون قادرة بتمويلها الحالي على القيام بمسؤولياتها بحلول شهر فبراير المقبل.
أعلن غوتيريش في بيان، الأحد، أن تحقيقا جاريا بالفعل في الاتهامات الإسرائيلية، وقال: "إن من بين الأشخاص الاثني عشر، تسعة تم، على الفور، التعرف عليهم وإنهاء عقودهم من قبل المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني، وتأكد مصرع شخص، فيما يجري استيضاح هوية الشخصين الآخرين".
وتابع الأمين العام حديثه بالقول إن "أي موظف في الأمم المتحدة يتورط في أعمال إرهابية سيخضع للمساءلة بما في ذلك عبر المقاضاة الجنائية، والأمانة العامة للأمم المتحدة مستعدة للتعاون مع سلطة مؤهلة قادرة على مقاضاة الأفراد بما يتماشى مع إجراءات الأمانة العامة بشأن مثل هذا التعاون".
وفي البيان أشار غوتيريش إلى أن "الأعمال البغيضة المزعومة لأولئك الموظفين لابد وأن تكون لها عواقب. ولكن يجب ألا يُعاقب عشرات آلاف النساء والرجال الذين يعملون مع الأونروا، والكثيرون منهم يعملون في بعض أخطر الأوضاع لعاملي الإغاثة".
وأضاف شتيرن، في تصريحات لموقع الحرة: "حاليا قررت إسرائيل الخروج بتك المعلومات لكي تقول للدول الداعمة للمنظمة إنها ليست أممية كما تبدو وتعمل لأهداف إنسانية، لكنها أحد أدوات حماس، ولذلك يجب إعادة بنائها أو إلغاءها".
وذكر لازاريني في بيانه أن "فرض عقوبات على الوكالة وعلى سائر المجتمع الذي تخدمه، بسبب مزاعم ضد بعض الأفراد بارتكاب أعمال إجرامية، سيكون أمرا غير مسؤول للغاية خاصة في وقت الحرب والنزوح والأزمات السياسية في المنطقة".
وتدعم الأونروا نحو 6 ملايين لاجئ فلسطيني بمنطقة الشرق الأدنى في مختلف المجالات ومنها التعليم والصحة والمساعدات الإنسانية.
واعتبر المحلل الفلسطيني، أشرف العكة، أن تعليق المساعدات يأتي "للضغط على المؤسسات الإغاثية والقانونية الدولية"، مضيفا في تصريحات لموقع الحرة، أن "الحديث عن تجميد الأموال والدعم المستقبلي، وليس الموازنات الحالية. حاليا لا يمكن التأثير على مسارات الإغاثة لأن الموازنات تكون وصلتها منذ فترة".
وتابع: "هذه الدول تهدد وتبتز الوكالة مستقبلا، ويمكن للدول العربية تزويد الوكالة بتبرعات وسد هذه الفجوة المالية لإتمام عملياتها الإغاثية، وخصوصا أن ما تقدمه الآن هي مساعدات منقذة الحياة".
لا بديل
طالما اتهمت إسرائيل الأونروا بـ"إدامة الصراع" الإسرائيلي الفلسطيني، عبر توسيع وضع اللاجئين ليشمل الملايين من أحفاد الفلسطينيين الذين هربوا أو أجبروا على الفرار من منازلهم إبان تأسيس إسرائيل عام 1948، وترى أن وصف اللاجئ "يقتصر على اللاجئين الأصليين" كما يحدث مع مجموعات اللجوء حول العالم، بحسب تقرير نهاية الشهر الماضي لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
كما تزعم إسرائيل منذ فترة طويلة أن مواد التعليم في مدارس الأونروا "تمجد الإرهاب والتحريض ضد إسرائيل"، وفق الصحيفة، التي لفتت إلى أن نتانياهو طالما كرر انتقاداته للوكالة الأممية، ووصل الحد إلى تحميلها مسؤولة "إدامة محنة الفلسطينيين بدلا من تخفيفها"، ودعا الأمم المتحدة إلى حل الأونروا.
وصرح وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، السبت، أن بلاده ستسعى لمنع الأونروا من العمل في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.
وكتب كاتس عبر منصة إكس، أن وزارة الخارجية تهدف إلى ضمان "ألا تكون الأونروا جزءا من المرحلة" التي تلي الحرب، مضيفا أنه "سيسعى إلى حشد الدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأطراف مانحة أخرى رئيسية".
وتقدم الأونروا المساعدة الإنسانية وتساهم في حماية اللاجئين الفلسطينيين، من خلال تقديم الخدمات الأساسية، في المقام الأول في مجالات التعليم الأساسي والرعاية الصحية الأولية ورعاية الصحة العقلية والإغاثة والخدمات الاجتماعية والقروض الصغيرة والمساعدة الطارئة، وفق موقعها الرسمي.
من جانبه يضيف العكة، أن تهديدات إسرائيل بمنع عمل الوكالة في غزة القضاء على حماس "وهو أمر غير واقعي"، سيتسبب في عدم وجود بديل يقدم تلك الخدمات، وقال: "لا مؤسسات حماس الاجتماعية والخدماتية ولا الهيئات البلدية التي انهارت بفعل الحرب أو مؤسسات كالهلال الأحمر ووزارة التنمية الاجتماعية التابعة للسلطة الفلسطينية يمكنها ملء فراغ الأونروا".
وتابع: "الوكالة حتى اللحظة هي الوحيدة القادرة على القيام بالعمليات الإنسانية والإغاثية، وتمتلك طاقم إداري وموظفين يتميزون بالكفاءة وقادرين على الاضطلاع بتلك الخدمات سواء التعليم أو الصحة وجميع متطلبات الحياة".
فوضى ما بعد الأونروا؟
أشار تقرير إسرائيلي في نهاية ديسمبر الماضي، إلى أن هناك "محاولات من الحكومة في إسرائيل، لإخراج وكالة الأونروا من قطاع غزة"، في أعقاب الحرب الدائرة حاليا.
ونقلت القناة 12 الإسرائيلية، أن تقرير وزارة الخارجية "شديد السرية"، يشمل توصيات بأن تحدث تلك الخطوة على 3 مراحل، "الأولى تكمن في الكشف في تقرير شامل عن تعاون مزعوم بين الأونروا وحركة حماس" المدرجة على قوائم الإرهاب الأميركية.
وتشمل المرحلة الثانية "تقليص عمليات الأونروا في القطاع الفلسطيني، والبحث عن منظمات مختلفة لتقديم خدمات التعليم والرعاية الاجتماعية للفلسطينيين في غزة"، فيما المرحلة الثالثة فستكون عبارة عن "عملية نقل كل مهام وكالة الأونروا إلى الهيئة التي ستحكم غزة بعد انتهاء الحرب".
قال العكة لموقع الحرة، إنه "بافتراض انهيار حماس وحكمها، هذا القرار وتقويض الأونروا وإنهاء خدماتها، هدفه الضغط على المؤسسات الإغاثية، لأن وجود فراغ هناك سيتبعه إمكانية استحضار أي جهات أخرى دولية لسد مثل هذا الفراغ".
من جانبه أبدى الإسرائيلي شتيرن، لموقع الحرة، مخاوفه من فكرة وجود فوضى عقب خروج الأونروا وعدم وجود بديل لها، وقال: "بالتأكيد لو هناك فوضى لن تكون لمصلحة إسرائيل، لكن للأسف نرى أنه لا يصدر حتى الآن قرار رسمي من إسرائيل حول مرحلة ما بعد الحرب، بل يرفض من نتانياهو مناقشة النقطة. هو يقول إن كل من يطالب بمناقشة الموضوع معني بعودة السلطة وإقامة دولة فلسطينية وهذا مرفوض بالنسبة له".
وتابع: "لكنه لا يطرح بديل، ويبدو أنه على المدى القصير يفضل الفوضى على حماس أو إدارة السلطة للقطاع. هذا توجه غير صحيح، لكنه الموقف الحالي لنتانياهو وحكومته".
وأدى هجوم 7 أكتوبر إلى مقتل أكثر من 1140 شخصا في إسرائيل، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، بحسب تعداد أجرته وكالة فرانس برس استنادا إلى أرقام إسرائيلية رسمية.
وخُطف نحو 250 شخصا خلال الهجوم أطلق سراح 100 منهم في نهاية نوفمبر خلال هدنة مقابل إطلاق سراح سجناء فلسطينيين.
ردا على الهجوم، بدأت إسرائيل "للقضاء" على حماس عملية عسكرية واسعة النطاق خلفت أكثر من 26 ألف قتيل، الغالبية منهم من النساء والأطفال، بحسب وزارة الصحة في غزة.