منذ مطلع شهر صفر، بدأت التحضيرات تتوالى للاحتفال بالمولد النبوي، الذي تنظمه جماعة الحوثي في صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرتها، ولم يستمر الوقت طويلا حتى بدأت الفعاليات وما تسمى بالأمسيات الثقافية تعم الحارات والأحياء السكنية ومؤسسات الدولة ومرافقها التي أنهكتها الاحتفالات بالمناسبات التي لا تتوقف طول العام.
لا تمر الاحتفالات على الناس بسلام، وتلقي بتبعاتها وتكاليفها المادية على المواطنين، وأصحاب المحال التجارية، ورجال المال والأعمال، وتفرض المبالغ المالية عليهم، تحت مبررات المساهمة في إحياء المناسبات.
وتعد المناسبات الطائفية التي تثقل كاهل المواطن، موسم خصب لجمع الأموال والتبرعات، تحت شعارات دينية فضفاضة تستقطب الناس البسطاء، وتعزز تقديس السلالة، وتسعى إلى غرس أفكارها ومعتقداتها داخل المجتمع، بهدف تثبيت أحقيتها في الحكم.
سجلات للمتبرعين
"رجب" صاحب إحدى المحلات التجارية الصغيرة للمواد الغذائية، لم يجد طريقة للتهرب من المساهمة بمبلغ مالي لصالح الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، بعد أن تكررت زيارات مشرف المنطقة التابع للحوثيين زياراته إلى المحل ومعه دفتر السندات، مطالبا بتقديم المساهمة المالية للاحتفال.
يقول رجب لـ "يمن فريدم": المشرف لا يأتي، ويجبر صاحب المحل على الدفع، وإنما يطالب بتبرع طوعي، لكننا نعرف أن الذي لن يدفع سيتعرض للمضايقة والابتزاز خاصة مع وجود سجلات يدون فيها المتعاونين مع حملات جمع التبرعات للمناسبات المتكررة".
ويضيف: "تبرعت بمبلغ 10 آلاف ريال، وأنا أتحسر عليها، وبحاجة ماسة لها، لكن اليد الذي ما تقدر تكسرها بوسها".
الشيء ذاته حدث مع جاره "عارف"، صاحب محل بيع الخضروات الذي يؤكد هو الآخر، انه تبرع بمبلغ 17 ألف ريال لإحياء المولد النبوي، حيث يقول: مر المشرف على المحل منتصف شهر صفر، ودفعت له التبرع على مضض، وخوفا من المضايقات في المستقبل.
لا تقتصر الفعاليات على الاحتفالات المركزية التي تنظمها جماعة الحوثي في ميدان السبعين بأمانة العاصمة وعواصم المحافظات، ووجهت الجماعة عقال الحارات بتنظيم أمسيات ثقافية، تعرف الناس بعظمة المناسبة، وتحث على التحشيد والمشاركة في الاحتفالات المركزية، إلا أن الكثير من أبناء الأحياء لم يتجاوبوا مع الدعوات.
يسخر "يحيى" من الأمسية الثقافية، التي دعا عاقل الحارة، ولم يحضرها إلا أشخاص بعدد أصابع اليد الواحدة، فعمل على استقطاب أطفال الحي للحضور بشراء أكياس "البفك والطرزان"، على نفقة المحالات والبقالات المتواجدة في الحي، وتوزيعها عليهم بينما يتم إلقاء الكلمات.
يقول "عبدالله" وهو صاحب دكان في الحارة: "الأمسية التي أقيمت بالحارة كلفتني 10 آلاف ريال، لشراء حلويات للأطفال لكني لست نادم عليها مادامت لإحياء المولد النبوي"، ويضيف: "المسيحيون يحتفلون بسخاء بعيد الميلاد، ولماذا تتحسسوا وتزعلوا من الاحتفال بمولد الرسول الكريم أو لا نساهم بالاحتفال".
أساليب مبتكرة
يبتكر الحوثيون في كل مرة أساليب جديدة، لجمع التبرعات والجبايات حتى صارت مصدر ثراء لكثير من قياداتهم، وفي المدارس التي يعاني المدرسين فيها من انقطاع المرتبات منذ سنوات، ويعيش الطلاب فيها حالة من الفقر بسبب ظروف أولياء الأمور، تقوم بعض الإدارات المدرسية بحث الطلاب على التبرع بمصروفهم للاحتفالات الطائفية الخاصة بالجماعة، وترسل بالطرود الفارغة لأولياء الأمور في المنازل لوضع مبالغ مالية وإعادتها في اليوم التالي.
يقول معين-ولي أمر-: هذه الأساليب تكثر في المدارس الخاصة على وجه الخصوص، ويقومون بالاستخفاف والسخرية بالطالب الذي لا يعود بمبلغ مالي أو يكون المبلغ صغيرا.
ويؤكد معين أنه لا يريد التبرع للمدرسة، لكنه اضطر إلى تقديم مبلغ مالي لأن ابنه الذي يدرس في الصف الخامس الأساسي رفض الذهاب إلى المدرسة دون تبرع، علاوة على أنه لا يريد أن تنكسر نفسية ابنه أمام زملائه بالفصل.
الشيء ذاته يمارسه بعض عقال الحارات في أمانة العاصمة والمحافظات التابعة لجماعة الحوثي حيث يقومون بتوزيع الطرود مع اسطوانات الغاز المنزلي، ويضعون سجلات بالمتعاونين وغير المتعاونين، مما يجعل المواطنين يتبرعون اتقاء وضعهم في قوائم سوداء، كما يقول عبد الناصر الذي يقوم بالتبرع وجمع السندات لإثبات دعمه وولائه للجماعة إذا تعرض لأي مخاطر.
انتشار اللون الأخضر
مع اقتراب موعد المولد النبوي في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، طغى اللون الأخضر المُرافق للاحتفال بالمناسبة على شوارع وأحياء صنعاء، وزين اللون والأعلام والأقمشة الخضراء المنازل ووجهات المحال، إلا أن التربوي "الضرعي" يؤكد أن الزينة إجبارية على أصحاب المحلات، ويندرج في إطار الجبايات والممارسات الإجبارية التي يفرضها الحوثيين على الناس في مناطق سيطرتهم.
ويقول الضرعي لـ "يمن فريدم" عملية جمع الأموال، وإن بدت اختيارية، إلا أنها بباطنها إجبارية، ومن سيمتنع عن الدفع سيتعرض للابتزاز، وسيوضع في خانة المناهضين لمشروع جماعة الحوثي.
ويضيف: "القليل من الناس يدفعون التبرعات بقناعة وهم المنتمين والموالين للجماعة أما الأغلبية فإن الخوف من الانتقام والمضايقات فقط هو ما يجعلهم يسيرون مع التيار ويتجنبون الاصطدام معهم، والنوع الثالث الذين يبحثون على مصالح كالحصول على ترقية وظيفية ومنصب، أو التقرب من قيادات الجماعة".
الترويج للسلالة
تحيي جماعة الحوثي منذ انقلابها على الحكم واجتياح العاصمة صنعاء نهاية العام 2014، أكثر من 14 مناسبة طائفية خاصة بها، وفي كل عام تتوسع هذه المناسبات مما جعل الكثير من المواطنين والتجار في أماكن سيطرتهم يشكون من الجبايات المتواصلة على مدار السنة.
ومنذ عقود مضت أعتاد الناس في اليمن على الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في عموم المحافظات بأسلوب بسيط وغير مُتكلف، وحلقات ذكر، وموالد صوفية إلا أن جماعة الحوثي أفرطت بطريقة الاحتفالات، وحولتها إلى مناسبات للتكسب والاسترزاق واستغلتها سياسيا في محاولة لإثبات نسبها بالرسول صلى الله عليه وسلم وعلي والحسن والحسين، وتبرير أحقيتها في الحكم من غيرها، بحسب ما يرى كثير من المراقبين.
ولا يخفى على أحد في اليمن أن جماعة الحوثي تحاول إيصال رسالة إلى الناس من خلال احتفالاتهم أن الرسول خاص بهم وهم أحفاده، وأولى الناس به، ويصورون الرسالة السماوية كأنها جاءت لتفرض سلطتهم على بقية الناس، وتؤسس لهم نظام حكم لا ينافسه عليهم أحد.
وبحسب الضرعي فان الاحتفالات تحاول إظهار الإسلام الذي جاء للمساواة والعدل إلى دين عنصري يمجد فئة بعينها، ويعطيها نوع من التقديس والتفصيل على بقية البشر، وتسوق للناس أفكار تجعلهم مجرد أتباع ومناصرين وخدم، وهم السادة والأوصياء على الخلق.