مع إنتهاء زمالة حكمة للقيادات العامة بفعالية ختامية في مسقط والتي تعرفت خلالها على زملاء أعزاء، عُدت إلى الداخل بعد ما يقارب عقد في الشتات.
أزعم أني لم أضع في بالي تصوراً عن حال البلاد سوى ما أعرفه عبر أصوات الداخل بعيدا عن عناوين الإعلام والسرديات العامة.
عبرت الحدود من ديم إلى صرفيت فحوف بعد رحلة عانقت فيها السُحب الجبال المطلة على بحر العرب. أي مناظر خلابة تلك التي تتمتع بها هذه الجغرافيا التي يمكن أن ترف الإقتصاد الوطني.
في الطريق إلى الغيضة، أضافت الإنارات الليلية راحة ومتعة على طول الطريق من ظفار ذلك المساء، والذي انتهى بمجرد الوصول إلى المنفذ البري اليمني الذي يعكس حاله وضع البلاد بفوضاها شبه المرتبة وبساطتها الجميلة وسوء الإدارة وشحة الإمكانيات وأعباء الحرب.
ثنائي الصراع والفقر ليست نتيجة إلا لسوء الإدارة والحوكمة لفترات طويلة في بلد حباها الله بالمقدرات غير المستغلة بشكل صحيح وإحدى تبعات نهج الإدارة المركزية لا التنمية الشاملة.
فور وصولي إلى الغيضة ذهبت الى مرقدي في خيمة زجاجية مطلة على بحر العرب، على غرار الخيم الزجاجية وسط الصحراء بوادي رام الأردني، والذي يشكل معلما سياحيا بارزا يقصده زوار الأردن.
أرسلت الصورة لبعض الزملاء الذين يقصدون مخيم عائشة بوادي رام للسياحة فذهلوا من النمط. "أين هذا؟" زرت أكثر من 60 دولة في خمس قارات ويمكنني القول إن هكذا مشروع ريادي وخيالي خصوصاً في هذا الوضع.
أن تستيقظ على بحر صافٍ في خيمة زجاجية داخل اليمن لشعور مختلف يدعو للتفاؤل بما يمكن إنجازه في المحافظات الأكثر استقراراً.
أعجبتني أنماط مشروع شاليهات مارينا السياحية قيد التطوير باعتبار السفر جزء من عملي ووقت فراغي، وهو إضافة حقيقية لقطاع السياحة. ثم تجولت في المدينة، حيث أشجار الرصيف مميزة باشكالها المختلفة وانارات المدينة المحدودة تعمل بالطاقة الشمسية والدراجات النارية تكاد لا تُرى كونها ممنوعة، ناهيك عن اللهجات اليمنية المتنوعة التي تلخص قصص نزوح كبيرة من كل ربوع اليمن.
في المهرة يرفرف العلم اليمني في نقاط الأمن، وهي قليلة في الغيضة عموما، والعلم المهري الذي يجسد جزء من ثقافة هذه المحافظة الثرية والفريدة التي تستحق إهتماما أكبر.
الأمن والسلم المجتمعي في المحافظة ركيزتين لأي مشاريع إستراتيجية، بالإضافة لإدارة التوازنات السياسية والاجتماعية والدينية باقتدار للدفع بعجلة التنمية في محافظة نمت خلال الأعوام الماضية رغم هشاشة الوضع العام والتنافس الجيوسياسي.
يمكن للمهرة أن تكون منطقة خضراء بعيداً عن مسرح الحرب ووجهة سياحية لليمنيين في الداخل والمهجر والأجانب نظرا لجمالها واستقرارها النسبي وسهولة الوصول إليها عبر عُمان والسعودية خارجياً وحضرموت داخلياً.
قد يسهم هذا التوجه في إعادة رسم الصورة النمطية عن اليمن كبلد يعرف بالحرب أو المجاعة أو الإرهاب أو بالقرصنة مع استهداف الحوثيين لخطوط الملاحة الدولية من ناحية السمعة، كما أنه سيشكل رافداً مهماً للاقتصاد الوطني والمحلي، خصوصا أن الرحلات من الغيضة الى سقطرى متوفرة، ما يعني ربط السياحة في سقطرى جزئيا بالسياحة في المهرة، وتحديدا حوف حيث سحر الطبيعة فاتن في فصل الخريف والغيضة في مواسم مختلفة.
ينبغي على الدولة أن تعزز دعم السلطة المحلية في خلق ظروفٍ أكثر ملاءمة لتشجيع الاستثمار والسياحة، ناهيك عن الاستثمار في دعم ركائز الإستقرار المؤسسية والبنية التحتية، كتحسين الطرقات والطاقة النظيفة والحفاظ على البيئة والتخطيط الحضري، وتشجيع الأعمال التجارية المتوسطة والصغيرة لخلق فرص عمل جديدة، ودعم قطاعي الزراعة والصيد بشكل خاص، وتمكين المجتمع إقتصاديا.
في #المهرة ما يمكن البناء عليه وقت الحرب على كافة الأصعدة.