25 يونيو 2024
8 أكتوبر 2022

 

كما هو معلوم للجميع فقد تعذر الوصول إلى اتفاق حول تمديد وتوسيع الهدنة في 2 أكتوبر 2022، ولا تزال الجهود متواصلة إلى الآن لمحاولة إقناع طرف صنعاء بالقبول بالمقترح المقدم من المبعوث الأممي بعد أن أعلنت الحكومة اليمنية تعاطيها الإيجابي مع المقترح.

وتشكل قضية المرتبات العائق الأساسي أمام اتفاق تمديد الهدنة. وكما ذكرت سابقاً فإن جميع النقاشات والمفاوضات خلال الفترة السابقة كانت تركز بشكل أساسي على محاولة الوصول لصيغة مقبولة للطرفين تضمن تخصيص إيرادات موانئ الحديدة لصرف مرتبات موظفي الخدمة المدنية ومعاشات المتقاعدين المدنيين مع تغطية الحكومة للفارق بين إيرادات الحديدة وفاتورة المرتبات المذكورة، وإيجاد آلية مشتركة لإدارة الحساب البنكي الذي ستودع فيه الإيرادات المشتركة ولإدارة عملية الصرف بما فيها كشوفات الرواتب التي سيتم اعتمادها للصرف. ويمكن الرجوع إلى التصريحات الرسمية الصادرة من مكتب المبعوث ومن بعض الفاعلين في المجتمع الدولي للتأكد مما طرحته أعلاه فعلى سبيل المثال:

- جاء في بيان المبعوث يوم 2 أغسطس حول تمديد الهدنة لشهرين "إنَّ مقترح الهدنة الموسّع هذا سوف يتيح المجال أمام التوصل إلى اتفاق على آلية صرف شفافة وفعّالة لسداد رواتب موظفي الخدمة المدنية والمتقاعدين المدنيين بشكل منتظم".

- كما جاء في بيان مجلس الأمن يوم 4 أغسطس دعوة " أعضاء مجلس الأمن الطرفين إلى اغتنام هذه اللحظة  لتكثيف المفاوضات على وجه السرعة للتوصل إلى اتفاق جامع وشامل بشأن مقترح الهدنة المُوَسَّع الذي قدَّمه المبعوث الأممي الخاص، والذي يمكن ترجمته إلى وقف دائم لإطلاق النَّار وزيادة المنافع التي يلمسها اليمنيون واليمنيات بما في ذلك الانتظام بسداد رواتب موظفي الخدمة المدنية والمتقاعدين المدنيين وزيادة حرية التنقل".

- وورد في إحاطة المبعوث لمجلس الأمن يوم 14 أغسطس أنه "يتضمن مقترحي بشأن اتفاق الهدنة الموسَّع 1) اتفاق على آلية شفافة وفعّالة لصرف منتظم لرواتب موظفي الخدمة المدنية ومعاشات المتقاعدين المدنيين و2) فتح طرق إضافية في تعز ومحافظات أخرى و3)  المزيد من الوجهات من وإلى مطار صنعاء الدولي و4) انتظام تدفق الوقود إلى جميع موانئ الحديدة.

- وفي 31 أغسطس غرد السفير البريطاني إلى اليمن حول لقائه مع محمد عبدالسلام في صلالة وأنها كانت “فرصة جيدة لمناقشة الهدنة، بما في ذلك إعادة فتح طرق تعز ودفع رواتب المدنيين ومعاشات التقاعد".

- وفي 12 سبتمبر صدر بيان من مجلس الأمن يحث فيه أعضاء المجلس "الطرفين على تكثيف تواصلهم مع المبعوث الخاص حول جميع جوانب المفاوضات، والامتناع عن وضع الشروط، وضمان عمل خبرائهم الاقتصاديين بشكل مقرّب مع الأمم المتحدة، تنفيذاً لتدابير معالجة الأزمات الاقتصادية والمالية، وللتوصل على وجه الخصوص إلى حلٍّ لدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية".

- وفي 29 سبتمبر، اختتم مبعوث الأمم المتحدة الخاص زيارته إلى صنعاء، وغرد عبر حسابه على التويتر أنه أجرى خلال الزيارة "مناقشات مكثفة حول القضايا المتعلقة بدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية، والمسائل المتعلقة بالموانئ والمطار والحفاظ على هدوء الجبهات الأمامية."

- وفي المقابل كانت تصريحات  صنعاء تتحدث عن مرتبات الموظفين ومعاشات المتقاعدين بشكل عام، فمثلا بعد اللقاء المذكور في النقطة السابقة يوم 29 سبتمبر كان تصريح  رئيس المجلس السياسي الأعلى في صنعاء "أن صرف مرتبات كافة موظفي الدولة ومعاشات المتقاعدين مطلب أساسي للشعب اليمني وإذا لم يتحقق ذلك وتتحسن مزايا الهدنة فلن نقبل بتوسيعها".

إذن من الواضح والمعلن بشكل متكرر من قبل المبعوث ومجلس الأمن وآخرين أن النقاشات والمفاوضات وجهود الوساطة التي تمت خلال الفترة السابقة حول قضية المرتبات تمحورت بشكل أساسي حول الوصول إلى اتفاق بين الطرفين بخصوص آلية مقبولة لتمويل وصرف رواتب موظفي الخدمة المدنية ومعاشات المتقاعدين. من المعلوم بالطبع أن أي طرف يمكن له أن يدفع المرتبات بشكل أحادي ودون اتفاق مع الطرف الآخر إذا كان قادراً على ذلك، فسلطات صنعاء تقوم بصرف راتب نصف شهر على فترات متقطعة، وتقوم الحكومة في عدن بصرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرتها بشكل شبه منتظم، كما توسعت الحكومة في عام 2019 وقامت بصرف رواتب موظفي الحديدة والقطاع الصحي والتعليم العالي في المناطق الواقعة خارج سيطرتها بشكل أحادي قبل أن تتوقف عن ذلك بعد منع الطبعة الجديدة من العملة واتساع فارق الصرف بين عدن وصنعاء.

إلا أن الوصول إلى آلية تعتمد على مساهمة مشتركة من الطرفين في تغطية تكلفة المرتبات في مناطق سيطرة سلطات صنعاء يعني ضرورة الاتفاق من قبل الطرفين على سلسلة من الإجراءات بدءا من حصة كل طرف في تغطية الفاتورة إلى مكان إيداع المبالغ إلى قوائم الصرف إلى آلية الصرف…إلخ، وهنا تأتي مهمة الوساطة الشاقة للتقريب بين مواقف الطرفين فمثلا الحكومة لا تقبل أن تشارك في دفع رواتب العسكريين من الطرف الاخر في ظل الحرب القائمة، وتكرر في تصريحاتها أنها ترغب في دفع مرتبات كافة الموظفين المدنيين ولكن ذلك يتطلب أن تورد إليها جميع الإيرادات (وبالذات إيرادات الحديدة) وكذلك يتطلب إلغاء منع تداول الطبعة الجديدة من العملية في مناطق سيطرة سلطات صنعاء وأن تقوم الحكومة بالصرف مباشرة للموظفين المدنيين بحسب كشوفات 2014.

وفي الجانب الآخر طالبت سلطات صنعاء في السابق بالاحتفاظ بإيرادات الحديدة في حسابات البنك المركزي التابعة لها (وهذا ما تم من نوفمبر 2019 إلى يونيو 2020) وأن تقوم الحكومة بتوريد حصتها أيضا لهذه الحسابات ثم تقوم سلطات صنعاء بصرف المرتبات من جانبها (وهذا ما لم يتم الوصول لاتفاق حوله وبالتالي انهارت الآلية المؤقتة لدخول سفن المشتقات إلى الحديدة في يونيو 2020).

الموقف الحالي المعلن عنه في بيان الوفد المفاوض لصنعاء هو عدم قبولهم بتمديد الهدنة دون دفع مرتبات جميع الموظفين من مدنيين وعسكريين ومتقاعدين وأن تغطى هذه المرتبات من إيرادات النفط والغاز، وتتداول بعض الأخبار أن مطالب صنعاء أن يتم احتساب فاتورة الرواتب لجميع الموظفين المدنيين والعسكريين الواقعين في مناطق سيطرة سلطات صنعاء، ثم تحولها الحكومة لحسابات سلطة صنعاء بالدولار الأمريكي خصماً من إيرادات تصدير النفط ودون احتساب أي مساهمة من إيرادات ميناء الحديدة، وتقوم سلطات صنعاء بصرفها للموظفين بحسب كشوفاتها دون تدخل من الحكومة أو الأمم المتحدة.

وفيما تطرح صنعاء أن هذه المطالب إنسانية وعادلة، تتوالى التصريحات من مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والدول الفاعلة في عملية السلام في اليمن باعتبار هذه المطالب "مطالب قصوى" وتعجيزية وبعيدة عن طبيعة الحلول الوسط التي يمكن أن يتوافق عليها الطرفين والتي عمل عليها الوسيط الأممي وتضمنها مقترحه بعد جولات عديدة ونقاشات مطولة مع الطرفين.

تستمر الجهود وندعو الله أن تثمر قريباً ويتم التوصل لاتفاق يفتح الباب لعملية سياسية شاملة تخرج اليمن من كابوس الحرب إلى السلام العادل والمستدام.

 

"من صفحة الكاتب في فيس بوك"

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI