7 يوليو 2024
19 مارس 2024
يمن فريدم-منظمة اليونيسف


بعد أن أصبحت يتيمة ونازحة، تركت يسرى المدرسة قبل أن تتزوج في سن 12 عاما وتنجب في سن 13 عاماً. وبعد سنوات من فقدانها فرصة التعلم، تعود يسرى إلى مقاعد الدراسة مجدداً بصحبة بناتها وقد بلغت من العمر 16 عاماً وهي أم الآن لثلاثة أطفال عازمةً بذلك على تغيير وضعها ومسار حياتها.

تقول يسرى التي تحضر الآن دروساً مسائية حول مهارات القراءة والكتابة والحساب الأساسية تدعمها اليونيسف لمساعدة الأطفال غير الملتحقين بالمدارس في الوصول إلى فرص تعليمية مجدية، والعودة إلى التعليم النظامي متى ما سنحت الظروف بذلك: "أريد أن أتعلم حتى لا تتعرض بناتي للإهانة من أحد نظراً لأنني لا أملك دخلاً ثابتاً يوفر لهن حياة كريمة. أريد لبناتي أن يحصلن على تعليم جيد لا أن يكابدن ما مررت به من مصاعب".

فقدت يسرى والديها عندما كانت صغيرة عندما تعرض منزلها في تعز للقصف أثناء النزاع ولم يكن أمامها من خيار سوى الفرار مع شقيقها الذي قام بتزويجها فيما بعد وفي سن مبكرة بسبب الصعوبات المالية. ونظراً لأن زوجها يكسب دخلاً من وظائف عرضية مختلفة في أحد المصانع أو عن طريق غسل السيارات، لم يكن التعليم شيئا يمكنها تحمل تكاليفه حتى جاءت فرصة الدروس المجانية الأساسية في القراءة والكتابة والحساب في مدرسة بالقرب من مخيم النازحين الذي تقطن فيه مع أسرتها.

تقول يسرى إنها شعرت بسعادة بالغة عن العودة إلى المدرسة مع أن الأمر لم يكن سهلاً حسب وصفها.

بدورها تتذكر ماجدة أحمد، وهي معلمة بالمدرسة اليوم الأول الذي جاءت فيه يسرى لحضور الدرس بالقول: "عندما نظرت إليها، ساءني كثيراً رؤية جسدها النحيل وقصر قامتها وشحوب وجهها"، مشيرةً إلى الضغوط التي تتحملها تلك الفتاة بسبب مسؤولياتها المنزلية ورعاية زوجها وأطفالها بعد ثلاث حالات حمل متتالية خلال أربع سنوات.

في كل صباح، يتوجب على يسرى إعداد الطعام والقيام بإعمال التنظيف وغسل الملابس وفي نفس الوقت الاعتناء بأطفالها الصغار قبل أن تذهب إلى المدرسة حوالي الساعة الواحدة بعد الظهر حيث تصطحب بناتها معها إلى المدرسة لأنه لا يوجد من يعتني بهن. وعندما يؤي أطفالها إلى الفراش ليلاً، فإنها تجدها فرصة لتأخذ أخيراً قسطاً من الراحة ولتجد وقتاً لمراجعة ما تعلمته في المدرسة.

على الرغم من كل تلك التحديات فقد رأت ماجدة شغف يسرى بالتعليم وتوضح قائلةً: "إنها تبذل جهداً كبيراً لمتابعة دروسها" مضيفةً: "أوليتُ يسرى كل اهتمامي واحترامي وحبي وتقديري وتشجيعي وتحفيزي".

يسرى هي واحدة من بين أكثر من 280 طالبة يأتين لحضور دروس القراءة والكتابة والحساب الأساسية في المدرسة في تعز، حيث يتم تقديم دروس مجانية للأطفال الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف التعليم أو أولئك المتسربين من التعليم النظامي.

تعيش معظم الطالبات اللاتي يحضرن دروس القراءة والكتابة والحساب، بمن فيهن يسرى، في مخيم للنازحين وينتمين إلى أقلية عرقية تسمى بالمهمشين، والذين غالباً ما يواجهون تمييزاً اجتماعيا ضدهم. كما أن العديد من الأطفال الذين يأتون إلى المدرسة يساهمون في دعم أسرهم من خلال جمع وبيع العلب البلاستيكية أو القيام بأعمال عرضية.

أدى الصراع الذي طال أمده في اليمن والمستمر منذ تسع سنوات إلى موجات نزوح جماعي كما تسبب في تدمير اقتصاد البلد وفشل نظم تقديم الخدمات الأساسية. حيث أن طفلاً من كل أربعة أطفال لا يذهبون إلى المدرسة[i] فيما يعاني أولئك الذين يمكنهم الحضور إلى المدرسة من فصول دراسية مكتظة ومرافق تعليمية غير مجهزة، في وقت لا تزال رواتب المعلمين متوقفة منذ عام 2016 تقريباً في المحافظات الشمالية.

أكثر من 30% من الفتيات في اليمن يتزوجن قبل بلوغهن سن 18 عاماً.[ii] وبمجرد تسربهن من المدرسة تتضاءل فرص عودتهن واللحاق مجدداً بالتعليم، مما يؤدي إلى حلقة مفرغة من الأمية والفقر العابرة للأجيال.

تردف ماجدة بالقول: "(الكثير) من آباء هؤلاء الأطفال إما أميون أو ميتون أو مطلقون ولا يوجد من يدعمهم. كما أنهم يعيشون حياة صعبة وقاسية وباتوا بلا مأوى"، مضيفةً أن الأطفال الضعفاء يعيشون في ظروف قاسية بشكل خاص ."ترى ماجدة أيضاً أن البعض يتعامل معهم وكأنهم منبوذون ويتم إهمالهم تماماً، مع العلم أنه عندما تغوص أكثر في تفاصيل حياتهم وتتحدث وتتواصل معهم وترفع معنوياتهم، فسترى أنهم يتغيرون على نحوٍ ملحوظ للغاية.

تقول ماجدة، التي تشرف على فصل مليءٍ بالفتيات يرددن كلماتها بصوت عالٍ يملؤه الحيوية: "في البداية شعرت أن بعض الطالبات أموات من الداخل وكأنهن أخرجن من قبر، لكنهن الآن عدن للحياة من جديد".

أما أسامة، زوج يسرى البالغ من العمر 17 عاماً، فيوضح بالقول: " لو أنها كانت أمية مثلي، فمن سيساعد بناتنا في المدرسة؟ ومن الآن فصاعداً، ستكون هناك من أجلهن بدلاً من طلب المساعدة من الآخرين.

وأعرب أسامة عن أمله في أن يساعد تعليم الزوجة في تحسين حياة الأسرة، قائلاً: "كل ما أتمناه هو صحة أسرتي ومصدر دخل مستقر، وأضاف سأدعمها (يقصد يسرى) لإكمال دراستها. من يدري لربما بعد ذلك، في المستقبل، ستحصل على وظيفة مناسبة.

بدأت يسرى بالفعل تلحظ الفرق الذي أحدثه التعلم في حياتها حيث تقول "عندما نذهب إلى المستشفى، أستطيع الآن قراءة ملاحظات الطبيب. وإذا كان هناك شيء ينبغي قراءته، فأنني أقرأه بنفسي كما أستطيع أن أكتب أيضاً."

وعندما سألت ماجدة الطالبات في اليوم الأول من الدراسة عما يريدون أن يصبحوا عليه في المستقبل، قالت إن الطالبات اللاتي لم يستشعرن أي آفاق في البداية اعتبرن السؤال وكأنه إهانة، غير أنها ظلت تصر على أن التعلم يمكن أن يفتح الباب لمستقبل أكثر إشراقاً. وقد لاحظت أن مواقف الطالبات تتغير ببطء ولكن بثبات.

تقول يسرى: "عندما أتخرج من المدرسة، أريد أن أصبح مساعدة طبيب أو فنانة نقش بالحناء".

بتمويل من الاتحاد الأوروبي، تنفذ اليونيسف برامج التعليم غير النظامي للأطفال الذين تسربوا من المدارس وتدعم المعلمين بحوافز شهرية. وحتى الآن، دعمت اليونيسف 50.000 طفل للوصول إلى دروس القراءة والكتابة والحساب الأساسية بالإضافة إلى برامج التعلم المسرع في كلٍ من تعز ومأرب والحديدة وحجة وإب.

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI