سجلت أسعار الذهب أكبر زيادة شهرية منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، في جلسة الخميس الماضي، بدعم من الطلب المادي المرتفع على المعدن، ورهانات خفض أسعار الفائدة الأمريكية والضعف المتوقع في الدولار الأمريكي، لتصل الأونصة في المعاملات الفورية 0.8% إلى 2212.47 دولار، في حين صعدت العقود الأمريكية الآجلة للمعدن الأصفر 0.9% إلى 2232.60 دولار.
وعلى رغم الاتفاق على أهمية مشتريات البنوك المركزية والطلب المادي على الذهب، والتوترات الجيوسياسية التي تغذي صعود المعدن، كعوامل دافعة لصعود سعر المعدن، فإن هناك شكوكاً في وجود تدفقات مضاربة وراء ارتفاع الأسعار على هذا النحو، مما يعني انفجار الفقاعة ربما واحتمالات تراجع سعر الأونصة على نحو مفاجئ.
سعر الذهب سيصل 2250 دولاراً
ويبرز بنك "لومبارد أودييه السويسري" كإحدى الجهات التي تتبنى تلك الفرضية، إذ يقدر السعر العادل للذهب عند مستوى 2070 دولاراً للأونصة، لكنه في الوقت ذاته، يتوقع وصول المعدن إلى متوسط 2250 دولاراً بنهاية العام الحالي.
وسجل الذهب مستوى قياسياً الأسبوع الماضي بعد أن توقع مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) خفض أسعار الفائدة ثلاث مرات هذا العام، وبقي منذ ذلك الحين قرب أعلى مستوى على الإطلاق مع ترقب المتعاملين لبيانات أمريكية يمكن أن تؤثر في الاستراتيجية النقدية للبنك المركزي.
ويتوقع المتعاملون حالياً بنسبة 64% أن يبدأ مجلس الاحتياط في خفض أسعار الفائدة في يونيو/ حزيران المقبل، وفقاً لأداة "فيد ووتش" التابعة لمجموعة "سي أم إي".
علاقة الذهب وأسعار الفائدة
تاريخياً، ارتفعت أسعار الذهب بسبب خفض أسعار الفائدة الحقيقية، والعكس صحيح، ولا يمكن تفسير الارتفاع الشديد الأخير في أسعار الذهب بهذه السهولة، بحسب ما يخلص استراتيجي الاستثمار الكمي في البنك السويسري، جيانوين صن، مشيراً إلى أن العامل الرئيس الذي يغذي أسعار الذهب هو التدفقات الواردة من المستثمرين الماليين المنتظمين، إذ تظهر تقارير العقود الآجلة الأسبوعية أن مديري الأموال اندفعوا إلى سوق الذهب، مما دفع صافي مراكز المضاربة في السوق إلى الاقتراب من أعلى المستويات التي شهدها عام 2023، ويعكس ذلك رهاناتهم على التخفيض الأول في أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياط الفيدرالي، على خلفية بيانات التصنيع الأضعف من المتوقع في الولايات المتحدة والتي صدرت في بداية مارس/ آذار الجاري.
ويلفت جيانوين صن إلى أن حجم وسرعة تحركات أسعار الذهب في مارس اعتمدا بصورة أكبر على التدفق، ومن المحتمل أن تكون مبالغاً فيها، مقدراً القيمة العادلة لسعر الذهب عند 2070 دولاراً، على رغم أن القفزة القياسية في سعر المعدن توضح قوة التدفقات الاستثمارية وتؤكد النظرة الإيجابية للمعدن.
ارتفاع مستدام في الأسعار
لكن لكي تكون أسعار الذهب المرتفعة مستدامة، فإنها في حاجة إلى مزيد من الدعم الأساس، بحسب ما يقول جيانوين صن، وهو ما يتضح من الأسعار الحقيقية والطلب المادي على الذهب، مضيفاً "إذا نظرنا إلى أداء الذهب على مدى العامين الماضيين، فمن الصعب أن نتجاهل أن طلب البنوك المركزية أصبح عاملاً آخر يؤثر في الأسعار، إضافة إلى المحركات التقليدية لأسعار الفائدة الحقيقية الأمريكية والدولار، فمنذ عام 2022 عوض طلب البنوك المركزية بالكامل التدفقات الخارجة من صناديق الاستثمار".
ويتحدث جيانوين صن عن أن البنوك المركزية كانت تعكس اتجاه صافي البيع الذي بدأ مع انهيار نظام "بريتون وودز" واستمر حتى الأزمة المالية الكبرى، ويرى أن الحرب الروسية - الأوكرانية كانت سبباً في مسارعة البنوك المركزية لاقتناء السبائك بهدف تنويع احتياطات العملات الأجنبية في ظل مشهد جيوسياسي متغير، موضحاً أنه بعد فرض الحكومات الغربية عقوبات على روسيا وتجميد أصولها بالدولار، عملت البنوك المركزية في الأسواق الناشئة على "التخلص من الدولار" في احتياطاتها واستبدال هذه الأصول بالذهب، ويقود بنك الشعب الصيني هذا الاتجاه، إذ ظل يضيف المعدن الأصفر إلى احتياطاته على مدى الـ 16 شهراً الماضية، مما يجعله أكبر مشتر في العالم في عام 2023، إضافة إلى دول "بريكس" والاقتصادات الناشئة الغنية مثل دول الخليج وسنغافورة كمشتر كبير للذهب.
مشتريات البنوك المركزية
ويرجح البنك السويسري استمرار هذا الاتجاه وفقاً لدراسة أجراها مجلس الذهب العالمي الذي ووجد أن 62% من البنوك المركزية تخطط لزيادة حصتها من المعدن في إجمالي الاحتياطات، مقارنة بـ 46% في عام 2022، وبما أن احتياطات الذهب لا تمثل سوى خمسة من إجمالي احتياطات البنوك المركزية، فهناك طلب استراتيجي محتمل كبير في المستقبل، وفق مذكرة البنك السويسري.
يتوقع محلل "لومبارد أودييه" تطور أسعار الذهب اعتماداً على الأسعار الحقيقية، إذ يرى أن خفض العائد الحقيقي على سندات الـ10 سنوات في الولايات المتحدة بنحو 60 نقطة أساس من أعلى مستوى له عند 2.5% في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إلى 1.9% حالياً، والاتجاه بعد عام من الآن، نحو خفض آخر بمقدار 60 نقطة أساس عن المستويات الحالية، فإن مثل هذا الخفض سيضيف نحو 180 دولاراً لأونصة الذهب.
تحييد دور الدولار الأمريكي
ويشير المحلل إلى دور الدولار الأمريكي في ارتفاع أسعار الذهب، ويرى أن العملة الأمريكية ارتفعت منذ بداية العام حتى الآن، بنحو 1.5% فقط مقابل سلة من العملات العالمية، وعلى رغم وجود علاقة سلبية بين الذهب والدولار.
تجدر الإشارة إلى أن سعر الصرف بين اليورو والدولار أقل من 1.10، وهو نفس المستوى الذي كان عليه في عام 2015، ومع ذلك ارتفع الذهب بأكثر من 80% خلال عام 2015، متوقعاً أن تظل العملة الأمريكية قوية، إذ إن تخفيضات أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياط الفيدرالي سيتبعها بسرعة تخفيضات من البنوك المركزية الأخرى، مما يعني أن الدولار لم يعد الآن أكثر من عامل محايد في اتجاه سعر الذهب، متوقعاً بلوغ سعر الذهب 2250 دولاراً للأونصة بنهاية العام الحالي.