من المفارقات المأساوية أن بلداً كاليمن يمتلك موارد طبيعية، بما فيها النفط والغاز والثروة السمكية والزراعية، يعاني ألم الجوع وسط أزمة إنسانية تتفاقم يوماً بعد آخر بفعل الصراعات الأهلية وتداعيات الحرب الدائرة في البلاد منذ قرابة عقد من الزمن.
تشير الأمم المتحدة إلى أن "أربعة ملايين نازح هم أكثر تعرضاً لخطر الجوع بأربعة أضعاف، وأن 62% من النازحين اضطروا إلى تقليل وجباتهم".
في حين كشف تقرير حديث لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR، عن أن 89% من النازحين غير قادرين على تلبية حاجاتهم اليومية من الغذاء بعد مرور تسع سنوات من الصراع.
تصعيد عسكري وكارثة إنسانية
وتفاقمت المأساة الإنسانية والاقتصادية بعد استهداف جماعة الحوثي اليمنية المتحالفة مع إيران بسلسلة من الهجمات في البحر الأحمر بدءاً من أواخر عام 2023.
وتضمنت هذه الهجمات إطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيرة مفخخة على سفن مدنية وعسكرية، وكذلك على أهداف بحرية أميركية، مما أدى على انعدام الأمان وتخفيض دعم الأمم المتحدة والمنظمات الدولية برامجها في اليمن بنسبة 50%، بينما لا يزال الوضع الإنساني كارثياً.
يشير رئيس مركز الدراسات والإعلام الإنساني محمد المقرمي، إلى أن "23 مليون يمني يحتاجون إلى المساعدات، منهم 10 ملايين بحاجة إلى مساعدات غذائية عاجلة لتجنب المجاعة التي بدأت جيوبها في عدد من المناطق اليمنية وأبرزها حجة والحديدة ولحج وتعز. لافتاً إلى أن "الانهيار الاقتصادي بعد منع الحوثي تصدير النفط ضاعف المأساة على شعب أنهكته الحروب والأزمات والصراعات".
وحذرت 67 منظمة غير حكومية محلية ودولية، من أن استمرار الصراع وتنامي الأزمة الاقتصادية "يؤثران بشدة على الأمن الغذائي، ويدفعان ملايين اليمنيين إلى هاوية الفقر والجوع". وأعلنت منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" أخيراً، عن زيادة مقلقة جداً في مستويات الجوع بعدد من الدول العربية، وذكرت ضمنها غزة والسودان وسوريا واليمن.
في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، قال مستشار وزارة الإدارة المحلية لشؤون الإغاثة في اليمن جمال محفوظ بلفقيه، إن "اليمن، إلى جانب أنه يعيش أسوأ أزمة إنسانية في العالم، يشهد أيضاً أسوأ استجابة إنسانية، فالأمم المتحدة لم تستطع تلبية حاجات الجوعى على رغم المليارات التي تدفقت على يدها لمساعدة اليمنيين".
ويضيف، "المساعدات الكبيرة كان من المفترض أنها ترفع معاناة اليمنيين، بحيث تدفع لدعم السلطات المحلية في المؤسسات الحكومية لتقوم بواجبها نحو مواطنيها، لكن سوء إدارة هذه الأموال من قبل الأمم المتحدة أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل رئيس".
ويتابع محفوظ، "وصلت الأزمة الإنسانية حداً يلامس المرحلة النهائية "الخامسة" في المناطق الوسطى من البلاد، ومناطق سيطرة الحوثيين، أو المناطق التي لا تستطيع الأمم المتحدة الوصول إليها كمحافظتي ريمة والجوف، فضلاً عن محافظة حجة التي تأكل فيها الأسر أوراق الشجر، وبعض مناطق الحديدة "التحيتا" التي شهدت عام 2017 مجاعة حقيقية، على رغم أنها لا تبعد عن ميناء الحديدة سوى 100 كيلومتر".
حلول وبدائل وإحصاءات
وطالب رئيس مركز الدراسات والإعلام الإنساني محمد المقرمي، ومقره اليمن، رجال الأعمال اليمنيين بتحمل جزء من المسؤولية تجاه شعبهم، في ظل انخفاض الدعم الأممي، من أجل تجنب انحدار الوضع الإنساني من مرحلة الطوارئ إلى مرحلة المجاعة التي لا يمكن - إن حدثت – تلافيها، وستحصد مئات الآلاف من الأرواح.
وقال المقرمي، "ندعو المجتمع الدولي إلى الضغط على الأطراف المعرقلة لتحقيق السلام لحلحلة الأزمة الاقتصادية والإنسانية وتوفير الحد الأدنى من الاستقرار لإنعاش الحركة التجارية وتفعيل الصادرات النفطية والزراعية والسمكية التي ستخفف هذه المعاناة والأزمات المركبة التي تعاقبت على اليمنيين".
ووفقاً للأمم المتحدة فإن 21.6 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية لتلبية الحاجات الأساسية مثل الغذاء والرعاية الصحية والتعليم، و11 مليوناً يعانون انعدام الأمن الغذائي، بينما يحتاج "خمسة ملايين طفل إلى الدعم الغذائي المنقذ للحياة".
وأشار برنامج الغذاء العالمي، في وقت سابق، إلى أن "17 مليون يمني يعانون انعدام الأمن الغذائي، وأن ستة ملايين من سكان البلاد على حافة المجاعة".
(اندبندنت عربية)