اعتقلت ميليشيات الحوثي ناشطاً إعلامياً موالياً لها انتقد متاجرتها بالمبيدات الزراعية السامة، حيث اقتحم مسلحو الجماعة منزل الإعلامي خالد العراسي بالعاصمة اليمنية صنعاء، السبت، واقتادوه إلى "جهاز الأمن والمخابرات" سيئ الصيت على خلفية نشره تفاصيل مثيرة حول ما بات يعرف بـ "فضيحة وجريمة المبيدات المسرطنة الإسرائيلية المصدر منتهية الصلاحية، والمحظورة دولياً" التي تقوم قيادات حوثية بإدخالها للمناطق الخاضعة بالقوة لسيطرتها عبر ميناء الحديدة (غرب اليمن).
وقاد العراسي على مدى الأيام الماضية حملة إعلامية شعبية للتصدي لاستخدام المبيدات الحشرية السامة في الإنتاج الزراعي التي استقدمتها الجماعة الموالية لإيران على رغم رفض هيئة المقاييس الحكومية والجمارك.
توقفوا عن قتلنا
ومنذ أيام تشهد مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت الفضاء الإعلامي المتاح الوحيد لليمنيين، تصاعد الاحتجاجات ضد ما اعتبروه عمليات بالاتجار بالمبيدات القاتلة في مناطق سيطرة الميليشيات.
وعلى رغم محاولات الحوثيين التغطية على هذه القضية، استمر الرفض الشعبي الذي قاده نشطاء وإعلاميون من بينهم العراسي الذي ظل ينشر بشأن القضية ومستجداتها من خلال صفحاته عبر مواقع التواصل، كاشفاً عن سن الميليشيات الحوثية قوانين جديدة تسمح بالاستيراد من إسرائيل بعد إلغائها القوانين السابقة التي تحظر استيراد الأسمدة من إسرائيل وتم تغييرها بمادة أخرى تسمح بإدخال السموم وفقاً لقرار وزارة الزراعة الحوثية.
وانتقد الناشط العراسي في مقال حمل عنوان "توقفوا عن قتلنا... المبيدات إبادة جماعية"، سكوت المسؤولين بوزارة الزراعة والمسؤولين الداعمين".
وكشف عن وجود "جرائم حدثت" في إشارة للسماح بإدخال شحنات المبيدات التي تردد في وقت سابق رفض موظفي المقاييس إدخالها وبالتالي قيام مسلحين أمنيين يتبعون الميليشيات بإدخال الشحنات بالقوة.
واستعرض مذكرات شملت كافة المؤسسات الرسمية في سلطة الحوثيين بما فيها مكتب الرئاسة والوزراء والنواب وهيئة المواصفات وغيرها، ولكنه لم تنفذ.
وفي منشور له يعلق أن عدم التنفيذ يعني شيئين إما أن هناك سلطة خفية أعلى من سلطة الدولة، أو أن التوجيهات لم تكن إلا شكلية أمام الرأي العام لرفع اللوم ثم تمرير إدخال الشحنات بتوجيهات أخرى. مطالباً "بوقف استمرار الجرائم ومحاكمة ومعاقبة الجناة".
ممول من العدو
وقبيل اعتقاله تساءل في مقال آخر "كيف يمكن أن نصدقكم (سلطة الحوثي) بأن هناك اهتماماً على أعلى مستوى في السلطة ولم نلاحظ أي إجراء باستثناء المحاكمة في محكمة الأموال العامة بشأن قضايا قديمة منظورة منذ ستة أعوام؟".
وانتقد إسكات المعارضين لهم وسياستهم بتهم كاذبة قائلاً "لا تتهموا كل من يتناول الموضوع بأنه ممول من العدو (في إشارة للحكومة الشرعية)، فالعدو هو الذي أغرقنا بهذا الكم الهائل من المبيدات القاتلة للبشر والمدمرة للأرض والشجر والملوثة للمياه الجوفية وللبيئة".
اختتم "اخرجوا من دائرة المغالطات والتدليس والتملص واتخذوا إجراءات حازمة وصارمة لا نريد أن نسمع أعذاراً".
نهج أصيل
ولم تقتصر حملات الاعتقالات الحوثية على المناهضين لمشروعها الإيراني في اليمن بل وصل حتى إلى الموالين لها ممن حادوا عن طريق المديح والتأييد المطلق لسلوكياتها وسياساتها العامة وإن بالنقد العابر.
إذ سبق واعتقلت عدداً من الاعلاميين والناشطين الموالين لها من بينهم محمد الشهاري وعبدالرحمن المؤيد وشاعرها المبشر بقدومها محمد الجرموزي، والأخير مدحها كثيراً وعندما هجاها مرة اعتقلته بطريقة مهينة من داخل منزله، وآخرهم خالد العراسي الذي كان مؤيداً لها وعندما تحدث عن موضوع المبيدات تم اعتقاله من داخل منزله.
ولم يشفع لتلك الأسماء رصيدها المؤيد للجماعة الطائفية التي تتخذ من الدين وسيلة لفرض مشروعها الطائفي المتشدد في سلوك شبهه نشطاء بسلوك القطة مع صغارها وهو إنذار لمن بقي داخل الجماعة بملاقاة ذات المصير في حال ما فتح فمه منتقداً أي من سياساتها وإن ضمنت ولاءه.
كما تسعى لإسكات الاصوات المنتقدة وباشرت منذ سيطرتها في اعتقال عشرات الآلاف من المعارضين والمناهضين لها كان آخرهم القاضي عبدالوهاب قطران الذي انتقد سياسات التجويع التي تمارسها، فباشرت باقتحام منزله ثم نشرها صوراً لمشروبات مسكرة من داخله لتبرير تلك العملية التي قوبلت بسخط شعبي واسع. سبقه الاعتداء بالضرب المبرح على الصحافي مجلي الصمدي وتدمير سيارته وقبله نهب إذاعته المحلية ورفضها تسليمها له.
كابوس الغضبة الشعبية
وتشير الأحداث إلى أن أي نقد أو احتجاج بمثابة الكابوس الذي تخشى الميليشيات تحوله إلى غضبة شعبية عارمة يتوقع مراقبون حدوثها في أية لحظة نظراً للسياسات القمعية الرهيبة ونهجها الإقصائي وسياسات التجويع العامة والإغداق بالمقابل على السلالة وأتباعها لضمان ولائهم إلى درجة الإثراء الفاحش في حين ترفض بشكل قطعي صرف مرتبات الموظفين على رغم مضاعفة الجبايات التي توردها.
ولم يصدر عن الجماعة الحوثية تعليق رسمي على عملية اعتقال الناشط العراسي، ولكن ناشطين موالين لها راحوا في مواقع التواصل ينتقدون بشدة كل من يعارض عملية الاعتقال التي اعتبروها "إجراء أمنياً وقائياً"، ويصفون المتضامنين بـ "الطابور الخامس"، في إشارة لكونهم يقفون على الضد من الجماعة وسياساتها ويتوعدون بـ "نفس المصير" لكل من يقف في وجه الإجراءات الحكومية، على حد زعمهم.
ظلم غير مسبوق
وجاءت التعليقات الحوثية الغاضبة رداً على نشطاء يقيمون في مناطق سيطرتها من بينهم الناشط المقرب من الجماعة، مجدي عقبة الذي قال "بعدما عرفت بعض التفاصيل عن دغسان (تاجر المبيدات) وحجم تأثيره في صنع القرار بطلت (توقفت) اتكلم عن المبيدات السامة تماماً. في إشارة للخطورة المحتملة التي تواجه كل من يتحدث عن هذه القضية التي ما زالت تثير الرأي العام.
من جانبه، انتقد السياسي الموالي للحوثيين المعين سابقاً من قبلهم سفيراً لدى سوريا، نايف القانص عملية اعتقال العراسي. وقال "وفي أمة الظلم يغدو الشرع والقانون أداة الأقوى".
وأضاف أن الميليشيات بعد تمكنها من السلطة "مارست ظلماً وفساداً لم يمارسه أحد قبلها ولا أعتقد أننا سنرى في المستقبل من يصل إلى مستوى ظلمها وفسادها ودكتاتوريها".
ميدان للسرطان
وفي حين يترقب اليمنيون مستجدات هذه القضية التي تكتنفها تفاصيل مثيرة، خصوصاً وهي تتعلق بالحياة البيئية والصحية في ظل أوضاع إنسانية هي الأسوأ على مستوى العالم، أدانت الحكومة الشرعية العملية.
وكشف وزير الإعلام في الحكومة المعترف بها دولياً معمر الإرياني أن "هذه الجريمة جاءت بعد قيام ما يسمى جهاز الأمن والمخابرات التابع لميليشيات الحوثي بشن حملات تخويف وترويع طاولت إعلاميين وصحافيين ونشطاء مجتمع مدني، ووصلت حدّ التهديد بالتصفية والاعتقال والتعذيب لثنيهم عن الخوض في الملف".
وأوضح في تصريح له نشرته وكالة الأنباء الرسمية "سبأ" أن "جريمة إدخال مبيدات سامة ومسرطنة لمناطق سيطرتها، ليس تصرفاً فردياً يقوم به تجار حوثيون أو ناتجاً عن خلل أو تقصير إداري أو فساد مالي، وإنما فعل متعمد تنتهجه الميليشيات منذ انقلابها لقتل اليمنيين وإفقارهم وتجويعهم".
كما يكشف الوزير اليمني أن ميليشيات الحوثي سعت لإدخال كميات من المبيدات المسمومة والمسرطنة إلى اليمن من ضمنها مادة "المانكوزيب" و"بروميد الميثيل" ومبيد "دورسبان" ما تسبب في زيادة أعداد المصابين بأمراض السرطان.
وأضاف أن "تلك الوثائق تؤكد قيام ميليشيات الحوثي بإدخال أكثر من 90 صنفاً من المبيدات الزراعية القاتلة للأسواق في المناطق الخاضعة بالقوة لسيطرتها، وأن أكثر من 120 طناً من المبيدات المحرمة دولياً كانت محتجزة في إحدى النقاط وتم الإفراج عنها بتوجيهات مباشرة من مهدي المشاط بغرض الإثراء وتنمية الموارد لتمويل ما يسمى "المجهود الحربي".
وطالب الإرياني المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومبعوثها الخاص لليمن، بإدانة جريمة اختطاف ميليشيات الحوثي للصحافي العراسي، وجرائم إغراق اليمن بالسموم القاتلة، والتي تعرض حياة الملايين للخطر، والشروع الفوري في تصنيفها منظمة إرهابية، وتجفيف منابعها المالية والسياسية والإعلامية.
(اندبندنت عربية)