لم يخطر ببال هدى إسماعيل (45 عاما ) أن تحتفل بتخرجها من الجامعة بعد مرور 23 عاما، كل ما تعرفه هو أنها ستشارك أبنها في حفل تخرجه بعد سنوات من المعاناة والانتظار.
أنس شجاع الدين البالغ من العمر( 23 عاما) هو الإبن الأكبر لهدى، نزح مع أسرته قبل ثلاثة أعوام من صنعاء إلى محافظة مأرب، وهناك أكمل دراسته في "كلية الحاسوب في جامعة العلوم والتكنولوجيا" تخصص تقنية معلومات، رتّب أنس مع زملائه مفاجئة في حفل تخرجه كي يعيد لوالدته (هدى) فرحة تخرجتها التي فقدتها منذ العام 1999، حين صادف تخرجها يوم ولادته.
احتفل أنس بتخرجه مؤخرا على طريقته الخاصة حين أمسك بيد والدته في ممر الخريجين، وهما يرتديان أوشحة وقبعات التخرج والفرحة بدت كبيرة على ملامحمها، هذه اللفتة كانت رد الجميل من أنس لوالدته.
تحدثت أم أنس لـ " يمن فريدم" وهي توصف شعورها في تلك اللحظة الاستثنائية والجميع حولها يهتف ويصفق لها وقالت: " الله يفرح قلبه دنيا وآخرة مثل ما أفرح قلبي بتخرجه وعوضني عن تخرجي" .
درست (هدى) في كلية التربية قسم الجغرافيا بجامعة صنعاء، وكان من المُقرر أن تتخرج مع دفعتها في التاريخ المحدد، لا سيما أنها كانت مسؤولة في الإتحاد عن قسمها، وجهزت كل شيء للحفل مع زميلاتها، لكن تاريخ تخرجها صادف يوم ولادة أنس، فما كان من زميلاتها إلأ تسلّم شهادتها نيابة عنها، وحضرن اليوم التالي لزيارتها بالشهادة، وباركن لها التخرج والمولود.
بدأ انتشار القصة على منصات التواصل الاجتماعي حين شارك أنس مقطع فيديو له مع والدته خلال حفل تخرجه وعلق عليه: "بعد ما كانت رئيسة اللجنة التحضيرية في دفعتها وجهزت كل الحفل، جيت أنا وخرّبت عليها كل شيء ولدتني وأحرمتها من حفل تخرجها، واليوم وفي يوم تخرجي أنا رئيس اللجنة التحضيرية لدفعتي قررت إني أعوضها عن زفتها بحفل تخرجها، ومهما عملت ما بقدر أعوضها".
وقبل حفل التخرج تحدث أنس عن حوارات دارت بينه وبين والدته عن حفل تخرجه، وكانت تذّكره بحفل تخرجها الذي فاتها بسبب ولادته، رغم تجهيزات الحفل حينها، فشعر أنس بنوع من تأنيب الضمير رغم أن الأمر لم يكن بإرادة أحد،فقرر تعويضها عن حفل تخرجها بتلك الطريقة،وقال أنس : "قررت تعويضها، وما كانت تعرف إني بطلعها معي، قلت لها لما أنزل تعالي لبسيني فل ونتصور، وكنت مجهز الموضوع مع مقدم الحفل والمنسق، وطبعًا كنت متوتر جدًا لأن الكل كان يشوفني، بس الحمد لله لبست أمي الوشاح والكوفية ومسكتها ومشينا، وكانت الفرحة كبيرة تغمرنا".
نجحت خطة أنس في إدخال الفرحة إلى قلب أمه وقلوب كل الأمهات، وكان التفاعل إيجابيا لدى الجميع، أما والدته فقد طغت عليها حالة شعورية فرائحية كبيرة وصفتها بالقول: " فاجئني وأفرحني، وقبلها بكم يوم يقول لي حددنا 24/9 تاريخ الحفل، قلت له سبحان الله يوم زواجي من أبوك بنفس التاريخ، إلى قبل الحفل بيوم اتصل بي اشتري لي فل وانتظريني عند أول الممر، اشتريت الفل خرجت أول الناس حتى لا أتأخر عليه".
وتضيف" نزل وأول ما شفته جريت وألبسته الفل وحضنته طبعًا فرحتي لا توصف لأن أنس أول فرحة عمري، ودموعي لا تتوقف أشوفه يسحبني من يدي اطلعي وأنا بانبهار أنس أين كيف ليش؟! ودموعي زادت لحظة لا أقدر أن أصفها كأنني فوق السحاب مش متذكرة أي تفاصيل غير دموعي، ورجفة قلبي ومسكة أنس ليدي أنا فداله طبعًا، ما سمعت أي شيء من كلام المقدم، ولا عرفت بالشعار الذي ألبسني إلا في نهاية الممر، وقتها حسيت إننا فعلًا تخرجت، ونجحت وأن ابني وروحي تخرج معي وأفرح قلبي وعوضني عن يوم كان نفسي أن أشارك فيه وأتخرج".
تذّكرت هدى الصعوبات والعوائق التي اعترضت ابنها أنس في مراحل دراسته وسردت جزءا منها وقالت " أنس دَرَس في ظروف صعبة وانحرم عام من دراسته؛ بسبب خروجهم من صنعاء؛ لأسباب أمنية، وكان وقتها في عامه الدراسي الثالث ووصلنا مأرب لا يوجد تخصصه بنفس الدفعة، فأضطر للانتظار عام دون دراسة، وبعدها ينضم ليُكمل المشوار معهم رغم ان الدراسة والامكانيات والجامعة لم توفر كل احتياجات الطالب، فاجتهد بنفسه وخبرته وفعلًا أكمل والله كان معه وكأنه أنا من خلص الدراسة مش هو".
إلا أن الفرحة التي غمرتها بحفل تخرجها مع أنس محت كل سنوات المعاناة والتعب التي كابدها ابنها في أوقات عصيبة، واستطاع تخطيها وتحقيق أولى خطوات طموحه.
أنس ووالدته في ممر الخريجين