7 يوليو 2024
31 مايو 2024
يمن فريدم-خاص-عدنان الراجحي
البنك المركزي اليمني- عدن


أفرز الانقسام الاقتصادي والسياسة النقدية بين الحكومة المعترف بها والحوثيين في اليمن تحديات كبيرة، جعلت هذا البلد يواجه عقبات ومنعطفات خطرة في ظل الوضع المعيشي المتردي.

وأدى الانقسام في الموارد المالية بين الطرفين إلى تضاؤل الإيرادات، مما أثر سلبًا على قدرة الحكومة للوفاء بالتزاماتها وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، بل وجعلها تخوض معركة اصلاحات اقتصادية وتنويع مصادر الداخل بالتوازي مع دعم إقليمي ودولي.

سياسات وقرارات منفصلة

في صنعاء، يسيطر الحوثيون على البنك المركزي وأصدروا سلسلة قرارات شملت طباعة عملة جديدة وأصدروا تعليمات حول السياسات النقدية التي تتماشى مع احتياجاتهم وظروفهم الاقتصادية الراهنة.

وكان هذا واحد من الأسباب التي ساهمت في تراجع قيمة العملة الوطنية وانقسام السياسات النقدية وارتفاع معدلات التضخم وتفاقم الأزمة المعيشية للمواطنين كما أضعف حتى الخدمات الأساسية كالكهرباء، المياه، الصحة، والتعليم بشكل.

في حين تسيطر الحكومة المعترف بها دولياً على البنك المركزي في عدن وتتخذ قرارات نقدية مستقلة، هذا يشمل طباعة عملات جديدة وإدارة الاحتياطات النقدية وسياسات سعر الصرف.

ونتيجة لذلك الانقسام ظهرت إلى السطح معضلة عمل البنوك والمصارف في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين والاستمرار في عملها رغم المهلة التي منحها البنك المركزي في عدن لنقل مقراتها من صنعاء واتباع التعليمات ضمن اطار مكافحة غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب كما قال البنك.

لم تستجب البنوك لتلك التعليمات ما دفع البنك لاتخاذ قرارات وصفها متخصصون في الشأن الاقتصادي بـ "الجريئة"، في مرحلة جديدة من المعركة الاقتصادية التي تخوضها الحكومة والحوثيين وهي بمثابة "كسر عظم".

سحب عملة قديمة

هذه الخطوة الجديدة من المعركة بدأها البنك المركزي من عدن، والذي دعا من خلالها كافة الأفراد والمحلات التجارية والشركات والجهات الأخرى والمؤسسات المالية والمصرفية ممن يحتفظون بنقود ورقية من الطبعة القديمة ما قبل العام 2016 ومن مختلف الفئات سرعة إيداعها خلال مدة أقصاها 60 يوماً من تاريخ صدور الإعلان يوم الخميس 30 مايو.

وبحسب البنك أنه يتعين على المواطنين والمؤسسات غير المالية والمحلات التجارية والجهات الأخرى التي لا تملك حسابات بالبنك المركزي إيداع ما لديهم من مبالغ من الطبعة المحددة في البنوك التجارية والإسلامية وفروعها المنتشرة في المحافظات المحررة.

وأهاب البنك بجميع المؤسسات المالية والمصرفية والمواطنين الذين يحتفظون بمبالغ من تلك الطبعة سرعة الإستجابة الفورية لهذا الإعلان حماية لأموالهم وخدمة للصالح العام.

وأكد البنك اعدم تحمله أي مسؤولية تترتب على عدم التعامل بجدية مع هذا الإعلان والمسارعة بتنفيذ ما ورد فيه خلال الفترة المحددة، موضحا أنه اتخذ هذا الإجراء انطلاقاً من المسؤولية الدستورية والقانونية التي أنيطت به في إدارة السياسة النقدية، واستناد اً إلى أحكام المواد (24-26) من قانون البنك المركزي اليمني رقم (14) لسنة 2000، المعدل بالقانون رقم (21) لسنة 2003.

الباحث الاقتصادي عبدالواحد العوبلي سبق أن دعا البنك المركزي في عدن عام 2019 بعدما اعتمد الحوثيون العملة القديمة عملة خاصة، إلى اصدار قرار يلغي العملة القديمة ويعطي فرصة للبنوك والتجار والمواطنين لتسليم الأوراق النقدية القديمة، كما دعا في حينه إلى بيع الغاز من مأرب بالعملة القديمة بهدف سحب السيولة من الحوثيين وإلغاء الانقسام.

وقال العوبلي في تصريح لـ "يمن فريدم" إن تلك الاجراءات لو اتخذت في وقتها كان بوسعها حل المشكلة القائمة حاليا، وكانت هناك فرصة لذلك، واستدل بالوديعة التي سُلمت لليمن مليار دولار كوديعة والتي ذهب منها 200 مليون دولار مقدما إلى التجار والبنوك في مناطق سيطرة الحوثيين.

وأشار إلى أن الخطوة الحالية لم يعد لها قيمة، مرجعا السبب إلى ترسخ حالة الانقسام، معتبرا أن تأثير هذا القرار "محدود جدا".

وتساءل عما إذا البنك المركزي في عدن قادر على دفع أرصدة للبنوك التي طلب منها نقل مقراتها إلى عدن ويعوض المواطنين، وأجاب العوبلي أن البنك في عدن غير قادر على ذلك لا اقتصاديا ولا حتى من الناحية الفنية المتمثلة بدعم البنوك وتوفير مقرات وسيرفرات جديدة.

وتوقع العبولي أن قرار البنك يمكن أن يؤثر على أية مصالح مستقبلية للحوثيين ولكنها ستكون محدودة، مؤكدا أن الانقسام لن ينتهي والاقتصاد لن يتحسن.

وجهة نظر متخصصة

تأتي اجراءات البنك المركزي في عدن في سياق الأزمة التي نشبت قبل شهرين بين البنك المركزي اليمني في عدن "المعترف به دوليا" وبنك صنعاء الواقع تحت سيطرة الحوثيين عقب قيام الأخير بسك عملة جديدة فئة 100 ريال، وهو ما قاله رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر.

وأوضح رئيس المركز "أن القرارات هدفها الضغط على البنوك لنقل مراكز عملياتها الى عدن عقب انتهاء المهلة المحددة بشهرين، لاسيما وأنها حتى الآن لم تستجيب لقرارات "مركزي عدن" عقب تهديدات صريحة لها من بنك صنعاء، وفضلت عدم التضحية بأصولها ورأس مالها ومصالح ملاكها في ظل جماعة لا ترعوي عن أي تصرف أهوج في هذا الإطار".

وأشار إلى أن "نجاح هذه القرارت في النهاية يعتمد إلى حد كبير على الدعم الذي سيحصل عليه البنك المركزي في عدن من الرئاسة والمملكة العربية السعودية لاسيما إذا تصاعدت الأزمة ووصلت مرحلة ايقاف "السويفت كود" للبنوك غير الملتزمة.

ويرى مصطفى نصر أن خفض التصعيد يعتمد على التهدئة من قبل الحوثيين وجنوحهم من خلال التراجع عن الخطوات التصعيدية والسماح بنقل المراكز المالية للبنوك إلى عدن في حين يظل النشاط المصرفي محكوما بقواعد مهنية يتم الاتفاق عليها بعيدا عن الصراع، ما لم فإنها ستدخل في عزلة اقتصادية كارثية.

ويقول إن هذا التصعيد سيعمل على مزيد من الانقسام النقدي ومتاعب كبيرة للبنوك المحلية، مالم يعالج الموضوع في إطار حل شامل يوحد السياسة النقدية وعلى رأسها العملة الوطنية، أو على الأقل يوجد آلية لإدارة العملة.

وأكد مصطفى نصر أنه لن يكون هناك تأثير كبير لهذه الخطوات على تحسين سعر العملة الوطنية لأن هذا مرتبط بمعطيات أخرى.

وقف التعامل مع بنوك

حدد البنك المركزي اليمني عدد من البنوك واعتبرها غير ملتزمة بالتوجيهات التي صدرت خلال الفترة الماضية لنقل مقراتها إلى عدن، وجاء في سياق قراره الأخير وقف التعامل مع 6 بنوك لمخالفتها قواعد العمل المصرفي عدم التزامها بتعليمات البنك.

وهذه البنوك هي (بنك التضامن، بنك اليمن والكويت، مصرف اليمن والبحرين الشامل، بنك الأمر للتمويل الأصغر، بنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي، بنك اليمن الدولي).

البنك أرجع السبب إلى فشل تلك البنوك في الالتزام بأحكام القانون والتعليمات وعدم الامتثال لمتطلبات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، واستمرارها في التعامل مع جماعة مصنفة "إرهابية" وتنفيذ تعليماتها بالمخالفة لقواعد العمل المصرفي وأحكام القانون وتعليمات البنك المركزي.

ويرى البنك أن الأمر يتطلب التدخل ووضع القيود اللازمة على أنشطة البنوك المخالفة لإجبارها على الامتثال لأحكام القانون وحرصا على سلامة القطاع المصرفي.

وأبدى البنك حرصه على استمرار البنوك والمصارف بتقديم خدماتها المصرفية للجمهور والوفاء بالتزاماتها تجاه عملائها حتى أشعار آخر.

وتعليقا على ذلك قال الصحفي الاقتصادي، وفيق صالح، إن قرار البنك المركزي في عدن، "هي محاولة للضغط على هذه البنوك نقل مقراتها الرئيسة إلى العاصمة المؤقتة عدن، ولن يكون لها تداعيات خطيرة على المواطنين كونها تتعلق ببعض الأنشطة المصرفية في مناطق سيطرة الحوثيين فقط".

وذكر الصحفي وفيق في تصريح لـ " يمن فريدم" أنه "في حال التزمت هذه البنوك بقرارات النقل بيتم رفع هذه العقوبات على الفور".

ولفت إلى أن "هذه البنوك من أكبر البنوك التجارية في البلاد وليس من مصلحة أحد تعطيل نشاطها المالي والمصرفي، كون الخاسر الوحيد هو الإقتصاد الوطني بشكل عام".

ويري الصحفي وفيق صالح "أن البنك المركزي فقط أراد من خلال هذا القرارات ارسال رسائل من أجل الإسراع بعملية نقل مقراتها الرئيسة إلى العاصمة المؤقتة عدن".

الحوثيون وقرارات البنك المركزي

منذ الوهلة الأولى لصدور قرارت البنك المركزي في عدن لم يتأخر الحوثيون في الرد عليها، حيث اعتبر زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي في خطابه استهداف البنوك في صنعاء "عدوان" في المجال الاقتصادي.

وأتهم زعيم الجماعة الولايات المتحدة بتوريط السعودية في الضغط على البنوك في صنعاء، واصفا ذلك بـ "خطوة عدوانية ولعبة خطيرة". ورأى الضغط على البنوك في صنعاء يأتي ضمن الخطوات الأمريكية دعما لإسرائيل، على حد قوله.

هذا الرد سبقه قبل أيام تحذيرات من البنك المركزي الخاضع للجماعة في صنعاء والذي حذر من "استمرار التصعيد الذي يستهدف القطاع المصرفي" تنفيذاً لأوامر النظام السعودي، على حد وصفه.

وقال مسؤول في بنك صنعاء، "إن تجدد استهداف القطاع المصرفي الذي يمارسه البنك المركزي في عدن ليس إلا تنفيذاً لأوامر النظام السعودي، والتوجيهات الأمريكية والبريطانية، على خلفية موقف الجماعة من حرب غزة".

وأكد المصدر مواصلة البنك اتخاذ إجراءاته وأنه في حالة مواجهة مستمرة لكل "المؤامرات التي تسعى للإضرار بالقطاع المصرفي".

وأشار المصدر إلى أن "هذا التصعيد يستهدف الاقتصاد اليمني واليمنيين في كافة أنحاء الجمهورية اليمنية، بل إن آثاره ستضر أبناء الشعب اليمني.

إجراءات "استفزازية وتصعيدية"

جمعية البنوك اليمنية، مقرها في صنعاء، هي الأخرى كان لها ردة فعل مضادة ووصفت إجراءات الينك المركزي في عدن بـ "الاستفزازية والتصعيدية"، التي تفتقد إلى الإحساس بالمسؤولية على حد قولها.

جاء ذلك في بيان أصدرته الخميس 30 مايو، حيث أستنكر مسؤول في الجمعية القرارات التي أصدرها البنك المركزي في عدن، وأكد "أن تلك القرارات والإجراءات التصعيدية من شأنها أن تتسبب بمضاعفات خطيرة لن يقتصر ضررها وتأثيرها السلبي على القطاع المصرفي وحده بل سيمتد ليصيب كافة وحدات النشاط الاقتصادي في كل أرجاء البلاد، إضافة إلى الإضرار بالحياة المعيشية للمواطن والسلم الاجتماعي في اليمن".

المسؤول في الجمعية قال إن "معطيات الواقع الاقتصادي والجيوسياسي الذي يعيشه البلد تؤكد أن تلك القرارات وما يتبعها من خطوات وإجراءات سيكون لها تأثيراتها السلبية المدمرة للاقتصاد الوطني والنظام المالي والمصرفي اليمني برمته بما في ذلك البنك المركزي عدن ذاته.

وقال "لن يكون لتلك القرارات من مردود سوى إحداث المزيد من الشرخ ومضاعفة الانقسام المالي والنقدي في بنية السلطة النقدية وشل فاعليتها وإضعاف دورها التنظيمي والاشرافي، وعجزها التام في إدارة السياسة النقدية".

وأضاف "لن يقود التمادي والإصرار على تنفيذ هذه القرارات غير المدروسة سوى إلى المزيد من الأعباء المالية التي تثقل كاهل القطاع المصرفي اليمني والأعباء المعيشية التي تثقل كاهل الشعب في كافة أنحاء الجمهورية نتيجة ما يمكن أن تتسبب به مثل هذه القرارات من انهيار قادم وكبير للنظام المالي وللعملة الوطنية، سواء أكانت تلك المطبوعة ما قبل العام 2016 أو ما بعده".

وناشدت الجمعية المنظمات المهنية والمجتمع المدني، والجهات الدولية المهتمة بالملف الاقتصادي اليمني الوقوف "موقفا مسؤولا" من هذا التصعيد.

تحديات وآثار

ثمة تحديات تحديات وآثار متعددة ومختلفة أوجدها الانقسام في السياسة النقدية في ظل تصاعد الحرب الاقتصادية بين الحكومة والحوثيين خاصة بعد أن تراجع واردات الحكومة بشكل كبير جراء منع الحوثيين تصدير النفط من الموانئ اليمنية.

وسببت إزدواجية العملة في مناطق سيطرة الحكومة والحوثيين بمشاكل في التبادل المالي والتجاري بين المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة والحوثيين، بالاضافة إلى التضخم وانخفاض قيمة العملة الوطنية، كما أن الانقسام جعل البنوك التجارية تجد صعوبة في العمل بسبب تباين السياسات النقدية، مما يؤثر على الخدمات المصرفية والتجارية، وصعوبة التعاملات التجارية داخليا وخارجيا وتأثرت سلبا جراء هذا التعدد في ظل صعوبة التوافق على سياسة واحدة.

البحث عن حلول

هناك جهود دولية ومحلية تهدف إلى توحيد السياسات النقدية وتحقيق استقرار اقتصادي، وسبق ذلك جولات ولقاءات وجهود كان ابرزها في العاصمة الأردنية عمّان تحت اشراف المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، لكن هذه الجهود تصطدم بعوائق وتواجه تحديات كبيرة نظراً للوضع السياسي المعقد والتباينات الكبيرة بين الأطراف اليمنية.

ومع ذلك يحتاج اليمن إلى جهود موحدة من قبل الحكومة والحوثيين لإعادة ترميم هذا الشرخ وتوحيد السياسة النقدية لتجاوز هذه العقبة ووضع حد لهذه المعركة الاقتصادية المستعرة.

تطلعات

يأمل غالبية سكان اليمن أن ينتهي هذا الانقسام وهذه الحرب التي تتصاعد يوما بعد آخر، ولعل ما يجري في المرحلة الراهنة إحدى نتائج الحرب في البلاد، وهو بلا شك يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد وحياة المواطنين.

كما يتطلع اليمنيون في الداخل إلى توحيد السياسة النقدية التي يرونها خطوة أساسية نحو تحقيق الاستقرار الاقتصادي، إلا ذلك يتطلب حلاً سياسياً شاملاً للحرب بكل أشكالها.
 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI