12 سبتمبر 2024
21 يوليو 2024
يمن فريدم-اندبندنت عربية-إسماعيل محمد علي


يمر المشهد السوداني بتطورات متلاحقة في ظل حراك إقليمي ودولي يهدف إلى إنهاء الصراع القائم بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل/ نيسان 2023، في وقت تزداد معاناة أكثر من نصف سكان البلاد البالغ عددهم قرابة الـ50 مليوناً بسبب نقص الغذاء والدواء واستمرار موجات النزوح من مناطق النزاع إلى المدن والقرى الآمنة خوفاً من الانتهاكات.

وبينما يعتقد كثير من السودانيين أن الحرب في بلادهم وصلت نهايتها بعد أن فشلت في أهدافها، كشف المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان رمطان لعمامرة عن أنه وفريقه عقدوا نحو 20 جلسة مناقشات على حدة مع وفدي الحكومة السودانية و"الدعم السريع" خلال الفترة بين الـ11 والـ19 من يوليو/ تموز في جنيف، مبيناً أن الوفدين تحدثا خلال المناقشات عن مواقفهما في شأن عدد من القضايا الرئيسة في ضوء مسؤولياتهما، بما أتاح تعميق التفاهم المشترك.

واعتبر لعمامرة أن ما تم خطوة أولية مشجعة في إطار عملية طويلة ومعقدة، فضلاً عن إبداء تفاؤله إزاء استعداد الجانبين للانخراط معه في شأن عدد من المسائل المهمة، والتعهدات التي قطعاها حول مطالب محددة قدمها إليهما في المناقشات. لكن إلى أي مدى ينظر المراقبون السياسيون والعسكريون إلى هذه التطورات وما توقعاتهم لنهايتها؟

خطوات جبارة

أرجع الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية اللواء معتصم عبدالقادر الجهود الإقليمية والدولية الجارية لوقف الحرب إلى "محاولة درء الكلفة الأخلاقية والمسؤولية الجنائية للدول الداعمة للتمرد".

وأضاف "هناك تقدم في كل المجالات للدولة السودانية، مما أجبر الدول الأخرى على التراجع، إذ تم عسكرياً سحق قيادات ميليشيات (الدعم السريع) وتدمير التسليح الثقيل وباتت هذه الميليشيات تعتمد على السيارات المدنية والأسلحة الخفيفة، ودبلوماسياً تحققت خطوات جبارة في المحافل الدولية سواء بمجلس الأمن أو الاتحاد الأفريقي أو على صعيد العلاقات الثنائية مثل روسيا، في حين تعرضت القوى السياسية الداعمة للتمرد للفشل والانكسار، مما اضطرها إلى التواصل مع القوى الوطنية التي دعمت الجيش أثناء حربه على التمرد".

واستبعد عبدالقادر أي تناقض بين مواقف القيادات العسكرية حول مسألة التفاوض أو وجود تشدد وتطرف في هذا الجانب، مؤكداً أن هناك وقائع وأدلة على الدعم الخارجي للتمرد أبرزت هذه المواقف، بيد أنه يرى أن التنسيق بين القادة العسكريين والتزام التراتبية القيادية من أهم أسس المؤسسة العسكرية السودانية وصمام أمانها.

وبين أن الدور السعودي لخفض التوتر ومعالجة الأزمة السودانية أكبر من الأدوار الأخرى وتمثل في زيارة نائب وزير الخارجية السعودي للسودان وليد الخريجي التي حدثت أخيراً، أما زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد للبلاد فركزت على دور الاتحاد الأفريقي ومنظمة "إيغاد" في حل أزمة السودان، فضلاً عن تناولها قضايا داخلية إثيوبية خشية تأثير أوضاع بلادنا فيها.

وأشار الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية إلى أن "الخطوات السابقة المتمثلة في الضغط الإعلامي على الدول الداعمة للتمرد والمرافعات الرفيعة في الأمم المتحدة أدت إلى وقف الدعم العسكري واللوجيستي للتمرد والتنصل السياسي والإعلامي عن التمرد والقوى السياسية الداعمة له". وتوقع بأن "يجري توجيه الميليشيات المتمردة بالانصياع والتنفيذ المباشر لمقررات اتفاق جدة المتخصص في الشأن المدني والإنساني. ورأى أن طليعة حاضنة الجيش السوداني ممثلة في شعبه كفيلة بإنهاء التمرد، فضلاً عن تمكن القوى السياسية الوطنية من السير في مسار سوداني خالص يفضي إلى حكم مدني متوافق عليه".

وضع ملتبس

من جانبه، أوضح المتخصص في الاقتصاد السياسي حسن بشير محمد نور أن "الوضع السياسي في السودان ملتبس عند مختلف الأطراف سواء كانت أطراف الحرب أو الحركات المسلحة أو القوى السياسية المتشرذمة، ويلحظ أن جميع المؤتمرات والمسارات لم تسفر عن نتائج إيجابية سواء حول إيقاف الحرب أو إيجاد وحدة سياسية تبلور برنامجاً سياسياً يمهد لإيقاف هذا القتال والمضي في اتجاه إيجاد مشروع وطني توافقي على ثوابت الانتقال بعد الحرب، ويمكن من تحقيق درجة من الاستقرار توفر البيئة المناسبة لإعادة الإعمار".

وزاد "الأطراف السياسية تنفي بعضها بعضاً كما حدث في مؤتمر القاهرة إلا أن تحرك الاتحاد الأفريقي في مؤتمر أديس أبابا خلال يوليو/ تموز الجاري بين مدى ضبابية رؤية هذا الاتحاد وسطحية وتبسيط تصوره للنزاع في السودان والجهات التي يجب الاعتماد عليها سياسياً في ترميم الوضع المتصدع في البلاد، ومن الواضح أن الاتحاد الأفريقي وصل إلى استنتاج أن حزب المؤتمر الوطني وحلفاءه هم من يجب الاعتماد عليهم، لذا جمع الأطراف المؤيدة والمتحالفة مع الحركة الإسلامية المتخفين خلف الجيش مع إهمال الطيف الأوسع من المكونات السودانية السياسية والمهنية والعسكرية بما فيها القوى الممثلة لثورة ديسمبر/ كانون الأول 2019 من أحزاب ولجان مقاومة وأجسام مهنية، وبذلك لم يكن هذا المؤتمر فاشلاً فقط بل كارثياً لتداعياته على مستقبل المسار السياسي".

وواصل محمد نور "في نظري يبقى منبر جدة هو الأكثر واقعية كونه تتفق حوله معظم القوى السياسية وأطراف النزاع في الأقل من الناحية النظرية، إضافة إلى استقطابه أهم المكونات الفاعلة إقليمياً ودولياً".

ومضى في القول "أما بالنسبة إلى العمليات العسكرية فهي تزداد تعقيداً، فقوات (الدعم السريع) تمددت في مناطق واسعة، مما أدي إلى تعطيل الإنتاج على نطاق واسع بخاصة الإنتاج الزراعي ذي التأثير المباشر في الأمن الغذائي والصادرات، مما جعل السودان على حافة مجاعة طاحنة، فضلاً عما حدث من تدهور اقتصادي عصف بالقوى الشرائية للجنيه السوداني، وتدهور سعر الصرف إلى درك سحيق، إذ وصل إلى 2450 جنيهاً مقابل الدولار الواحد، مع توقع أن تستمر الأوضاع الاقتصادية في التدهور المستمر، وقد بدأ الناس يموتون جوعاً بشكل متصاعد".

وتابع "في ضوء مؤشرات ما يجري في جنيف من خلال المحادثات التي تنظمها الأمم المتحدة حول الوضع الإنساني ومن خلال سلوك وفد الجيش والشروط التي يضعها، فمن الواضح أن هناك انسداداً في الأفق السياسي مع الأخذ في الاعتبار تصريح مساعد القائد العام للجيش ياسر العطا الذي وسع سقف توقعاته النهائية للحرب إلى 100 عام".

ولفت المتخصص في الاقتصاد السياسي إلى أنه "ليس من المرجح أن يحقق أي من أطراف الحرب نصراً حاسماً بخاصة مع تحسن الوضع التسليحي للجيش، لذا فإن الأزمة السودانية هي من دون شك الأسوأ عالمياً من ناحية اتساع رقعتها الجغرافية وانعكاساتها الإنسانية التي أدت إلى تشريد أكثر من 10 ملايين إنسان بين نازح ولاجئ، ودمرت الاقتصاد السوداني وأدخلت البلاد في مجاعة، وتداعياتها مرشحة للتفاقم بسبب عدم الرشد الذي يميز الأطراف المتحاربة، وعدم اكتراثها لا بالوضع الإنساني والاقتصادي ولا بمصير البلاد نفسها، إذ أصبحت الحرب تشكل مشكلة وجودية للبلاد".

وأكد أنه حتى الآن لم يحقق أي من المؤتمرات أو المنابر أي اختراق يذكر حتى في الجانب الإنساني الحرج، لكن يظل الأمل ينصب حول مفاوضات جنيف التي انتهت بالتزامات أحادية من أحد طرفي التفاوض (الدعم السريع) بإيصال المساعدات الإنسانية بالتنسيق مع الوكالة السودانية للإغاثة، وبتعزيز حماية المدنيين، استجابة لمطلب الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، فعسى أن تنقذ هذه التعهدات الناس من الموت جوعاً.

نزع المشروعية

فيما يرى القيادي في حزب الأمة القومي صلاح جلال أن "الواقع العسكري في البلاد مشدود باتساع رقعة الحرب إلى أقاليم جديدة، وذلك بتمدد قوات (الدعم السريع) إلى مساحات جديدة مقابل انكماش وتراجع الجيش بخاصة في سنار ومحاصرة منطقتي النيل الأزرق حول مدينة الدمازين، والنيل الأبيض باتجاه مدينتي ربك وكوستي، فضلاً عن الحصار الطويل لمدينة الفاشر عاصمة شمال ولاية دارفور، وما يجري من مناوشات ناحية مدينتي الفاو والمناقل في محور الجزيرة. فهذا الواقع زاد من نسبة نزوح المواطنين خصوصاً الفارين من مدينتي سنجة وسنار بحثاً عن أماكن آمنة في اتجاه مدن القضارف وكسلا وبورتسودان".

وأضاف جلال "في الجانب السياسي هناك تحرك القوى المدنية في اتجاه الاحتشاد وتوسيع النطاق الشعبي الرافض للحرب لنزع المشروعية الجماهيرية عنها، إذ عقدت لقاءات عدة اثنان منها في جنيف وثالث في باريس ورابع في القاهرة وخامس بأديس أبابا دعا إليه الاتحاد الأفريقي، لكنه أي الأخير فشل في حشد كل الأطراف المدنية، إذ قاطعته تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) برئاسة عبدالله حمدوك التي تعد أكبر تكتل مدني لوقف الحرب، فضلاً عن حركتي تحرير السودان بقيادة عبدالواحد النور والحركة الشعبية بقيادة عبدالعزيز الحلو وحزبي البعث الأصل والشيوعي وبعض الشخصيات".

وتابع "نجد أنه على رغم عدم توحد القوى المدنية فإنها تحتشد وتتطور في موقفها الرافض للحرب وتكتسب أصدقاء جدداً آخرهم مصر، التي التقى رئيسها عبدالفتاح السيسي القيادات المدنية التي حضرت مؤتمر القاهرة، مؤكداً موقف بلاده الداعي إلى الحل السلمي التفاوضي والوقف الفوري للحرب".

وأردف القيادي في حزب الأمة القومي "في إطار الجهود الإقليمية التقى خلال الفترة الماضية نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي مع قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، حاملاً رسالة لمواصلة الحوار من خلال منبر جدة الذي ترعاه الوساطة السعودية - الأمريكية، كما هبط أيضاً أول قائد دولة منذ اندلاع الحرب لمطار بورتسودان ممثلاً في رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ويعتقد كثير من المراقبين أنه يحمل رسالة واضحة تعبر عن مساعي الاتحاد الأفريقي إلى وقف الحرب والدعوة إلى عقد اجتماع بين قائدي الجيش و(الدعم السريع) في ضوء ترتيبات اجتماع الرؤساء الأفارقة في مجلس الأمن والسلم الأفريقي الأخير".
 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI