في تطور يمثل انفراجاً جزئياً على مسار التسوية الاقتصادية، تستعد الحكومة اليمنية لاستئناف تصدير النفط الخام بعد قرابة عامين من التوقف الإجباري نتيجة هجمات الحوثيين على ميناءين لتصدير النفط هما الضبة بمحافظة حضرموت والنشيمة بمحافظة شبوة على البحر العربي (جنوبي شرق البلاد) في النصف الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.
وتم استئناف تصدير النفط وفقاً للاتفاق الأخير بين الحكومة والحوثيين بشأن خفض التصعيد الاقتصادي، ويتضمن الاتفاق سماح الحوثيين للحكومة باستئناف تصدير الخام مقابل إنهاء التصعيد المصرفي من قبل الحكومة وإيقاف قرارات البنك المركزي المعترف به دولياً المتعلقة بإلغاء الطبعة القديمة من النقود المتداولة في مناطق الحوثيين ووقف نقل المقرات الرئيسية للبنوك التجارية من صنعاء إلى مدينة عدن الجنوبية حيث مقر الحكومة اليمنية.
صعوبات الإنتاج في اليمن
واجهت الحكومة اليمنية صعوبات في إعادة الإنتاج إلى المستوى السابق قبل التوقف. وأوضح الباحث في هيئة إنتاج واستكشاف النفط اليمنية لبيب ناشر، لـ"العربي الجديد": "فترة التوقف الطويلة لمدة عامين ينتج عنها تضرر الآبار، وبالتالي صعوبة في العودة إلى المستوى السابق من الإنتاج قبل التوقف، لذلك تحتاج هذه الآبار إلى صيانة مكلفة".
ومثلت عائدات النفط الخام أكثر من 70% من الموازنة العامة للدولة في فترة ما قبل الحرب واستمرت الحكومة في الاعتماد الكلي على عائدات هذا القطاع، خلال سنوات الحرب، على الرغم من تراجع الإنتاج من نحو 300 ألف برميل إلى 70 ألف برميل يومياً، وفقاً لبيانات حكومية.
وبلغت عائدات النفط 700 مليون دولار في العام 2020، و998 مليون دولار في عام 2021، وحققت الحكومة قفزة في مبيعات الخام خلال عشرة أشهر من عام 2022 من خلال عائدات وصلت إلى 1.2 مليون دولار نتيجة ارتفاع الأسعار العالمية.
وتسبب توقف الخام في انهيار قيمة الريال اليمني بشكل متسارع، من 1260 ريالاً للدولار في يونيو 2022 إلى 1900 ريال للدولار خلال يوليو/ تموز الماضي، نتيجة انخفاض احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي.
واعتبر خبراء اقتصاد أن استئناف تصدير النفط قد يساهم جزئياً في معالجة الأزمة المالية للحكومة التي فقدت أهم مصادر إيراداتها منذ أن توقفت صادرات النفط بسبب هجمات الحوثيين.
خطر الفساد
يؤكد خبراء اقتصاد لـ"العربي الجديد" أن استفادة الحكومة من عائدات النفط ترتبط بالجهود الحكومية لتنفيذ إصلاحات مالية وإدارية ومكافحة الفساد. وأوضح المحلل الاقتصادي عبد الواحد العوبلي لـ"العربي الجديد" أن "فساد الحكومة يلتهم عائدات النفط المحدودة، دون تأثير واضح في تحسن مستوى الخدمات أو أجور موظفي القطاع العام، مع تدني قيمة الرواتب بسبب التضخم الناتج عن الانخفاض المستمر في قيمة العملة الوطنية".
وعلى الرغم من التوقعات الإيجابية بشأن تحقيق الاستقرار المالي للحكومة باستئناف تصدير النفط، غير أن الحكومة ستحصل على إجمالي العائدات بشكل مؤقت خلال نصف عام، بعد ذلك ستحصل على عائدات أقل وسيكون عليها تقاسم الإيرادات مع جماعة الحوثيين لتغطية رواتب موظفي القطاع العام في المناطق التي تسيطر عليها الجماعة.
هذا الوضع يؤكد أهمية إنجاز إصلاحات مالية وإدارية عاجلة ومكافحة الفساد والعمل من أجل تعزيز الإيرادات غير النفطية المتمثلة في الرسوم الجمركية والضريبية والتي يذهب جزء كبير منها إلى جماعات مسلحة في مناطق السيطرة الحكومية.
ويرى العوبلي أن تعامل الحكومة مع أزمة توقف صادرات النفط كان مخيباً للآمال بشدة، مع زيادة النفقات الحكومية بسبب وجود كيان جديد على رأس الدولة، ممثلاً في المجلس الرئاسي، الذي يضم ثمانية أعضاء يمثلون قوى ليست على توافق بينها المجلس الانتقالي الداعي لانفصال جنوب اليمن.
زيادة مكلا
في سياق تحريك ملف استئناف تصدير النفط قام رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي بالسفر إلى مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت، السبت الماضي، في زيارة وصفها مراقبون أنها تهدف لتمرير صفقة تقاسم إيرادات تصدير النفط مع جماعة الحوثي التي أوقفت تصديره منذ هجماتها على موانئ التصدير في حضرموت وشبوة في أكتوبر من عام 2022.
الزيارة وهدفها كانا محل استياء من أبرز المكونات السياسية في حضرموت، حيث أعلن مؤتمر حضرموت الجامع في بيان صادر عنه رفضه للزيارة التي قال عنها إنها خطيرة وتأتي في ظل ظروف معيشية وخدمية مزرية يعيشها المواطن الحضرمي بسبب عدم تلقي المحافظة مكانتها التي تستحقها من هذه الجهات.
بيان مؤتمر حضرموت الجامع يأتي امتداداً لمواقف معلنة سابقة من قبل أبرز المكونات السياسية في الجنوب، حيث أعلن قياديون في المجلس الانتقالي رفضهم تقاسم ما وصفوها بثروات الجنوب مع جماعة الحوثيين المسيطرة على شمال اليمن.
يأتي ذلك في ظل تخوف سعودي من تعطيل اتفاق تقاسم إيرادات النفط، خاصة أن حضرموت تسيطر على أكثر من 60% من الإنتاج حالياً، حيث تحصل هذه المحافظات منذ استئناف تصدير النفط عام 2017 على نسبة 25% من الإيرادات.
مواقف من شأنها تعقيد الملف الاقتصادي أكثر، خاصة بعد حالة الغضب الشعبي في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية من تراجعها عن القرارات الاقتصادية التي كانت اتخذتها ضد مصارف وبنوك رفضت نقل مقراتها إلى عدن، حيث تراجعت الحكومة عنها وقدمت المزيد من التنازلات لجماعة الحوثيين.
وحسب تقرير صادر عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي في عام 2016، فإن إجمالي الإيرادات النفطية، خلال العام 2014، حوالي خمسة مليارات دولار، حسب أسعار الصّرف في ذلك العام.
عدة تحديات
المحلل الاقتصادي إياد ناصر قال لـ"العربي الجديد" إن حكومة الشرعية تواجه العديد من التحديات الاقتصادية في ظل توقفها عن تصدير النفط والغاز، حيث أن جميع مواردها المالية لا تكفي لصرف 25% فقط من رواتب الموظفين الحكوميين، بالإضافة إلى العبء الكبير الذي تفرضه رواتب المسؤولين في الخارج والذين يقبضون رواتبهم بالعملة الصعبة، كما أن الحكومة تدفع شهريا مبلغ وقدره 12 مليون دولار شهريا للمسؤولين في الخارج".
وأضاف المحلل الاقتصادي أن توقف تصدير النفط تسبب بانهيار اقتصادي كبير نتيجة الفارق بين المصروفات والإيرادات، وهو ما انعكس سلباً على قيمة سعر الصرف الذي بلغ أدنى قيمة له بوصول سعر الدولار إلى 1900 ريال، وبالتالي فاستئناف التصدير يمثل أولوية للحكومة وقد تضطر لتقديم الكثير من التنازلات من أجل ذلك".
المحلل السياسي عماد شمسان قال لـ"العربي الجديد" إن الحديث عن استئناف تصدير النفط وتقاسم إيراداته سيمثل ضربة جديدة للحكومة الشرعية في حال عدم وجود التزامات من قبل جماعة الحوثيين بصرف رواتب الموظفين من عائدات النفط، في ظل ضغط الحوثيين أن تقوم السعودية أو الحكومة الشرعية بصرف رواتب الموظفين، ما يعني أن إيرادات النفط ستكون من نصيب جماعة الحوثي وسيتم توظيفها في خدمة أجندتها السياسية والعسكرية، ولن يستفيد منها المواطن.
وأشار المحلل السياسي إلى أن الاتفاق يجب أن يحدد آلية واضحة ومحددة لصرف رواتب الموظفين، كأن يتم توريد الإيرادات إلى إحدى البنوك التي تقوم بدورها بصرفها إلى الموظفين عبر التوريد إلى حساباتهم المصرفية مثلاً، بحيث لا تسلم إلى أيدي قيادات جماعة الحوثي، خاصة أن اتفاق استوكهولم كان ينص على أن تقوم الجماعة بصرف الرواتب من إيرادات ميناء الحديدة وهو ما تنصلت عنه الجماعة.
(العربي الجديد)