22 نوفمبر 2024
14 سبتمبر 2024
يمن فريدم-اندبندنت عربية


كشف تقرير حديث، عن أن الفائض التجاري المتزايد لدى الصين والعجز التجاري المتنامي للولايات المتحدة منذ الجائحة، كان سبباً في تجدد المخاوف في شأن اختلال التوازن العالمي.

المخاوف المتزايدة تشير إلى أن تكون الفوائض الخارجية لدى الصين ناتجة من تدابير السياسة الصناعية المصممة لتحفيز الصادرات ودعم النمو الاقتصادي وسط ضعف الطلب المحلي.

ويشعر البعض بالقلق حيال أن الطاقة الفائضة الناتجة من ذلك قد تؤدي إلى زيادة الصادرات التي من شأنها أن تؤدي إلى إزاحة العمال وإلحاق الضرر بالنشاط الصناعي في أماكن أخرى، وهذه النظرة إلى التوازنات الخارجية في السياسة التجارية والصناعية غير مكتملة في أفضل تقدير، ولا بد من الاستعاضة عنها بوجهة نظر كلية.

وقال صندوق النقد الدولي، إن "التوازنات الخارجية تتحدد في نهاية المطاف استناداً إلى أساسات الاقتصاد الكلي، في حين أن الارتباط بالسياسة التجارية والصناعية أكثر ضعفاً".

أضاف أنه "حتى يفهم نمط اختلال التوازن الخارجي العالمي، يجب إدراك محركات الاقتصاد الكلي للادخار المطلوب نسبة إلى الاستثمار المرغوب، ليس فحسب في الصين، بل في بقية العالم أيضاً، بما في ذلك الولايات المتحدة، وهو الأمر الأكثر أهمية".

وفي حين تسهم بلدان أخرى في اختلال التوازن العالمي، فإن الولايات المتحدة والصين تمثلان معاً نحو ثلث ميزان الحساب الجاري العالمي.

والبيانات تشير إلى أن الفائض التجاري للصين زاد بصورة كبيرة في بداية الوباء، بعدما ارتفعت صادرات المعدات الطبية وزاد المستهلكون في جميع أنحاء العالم من مشترياتهم من السلع مقارنة بالخدمات بسبب التباعد الاجتماعي آنذاك، ثم ضعف الطلب المحلي في الصين بصورة كبيرة، بدءاً من أواخر عام 2021 بعد تصحيح واسع النطاق لسوق العقارات وعمليات الإغلاق المتكررة في عام 2022، مما أضر بثقة المستهلك.

وكانت الضغوط الناجمة عن ذلك على الاقتصاد الحقيقي في الصين كبيرة مع زيادة معدلات ادخار الأسر وانكماش الاستثمار، وفي الوقت الذي ضعف فيه الطلب المحلي في الصين، تعزز الطلب العالمي بفضل الادخار الكبير، خصوصاً في الولايات المتحدة، إذ نما العجز المالي بصورة كبيرة نسبة إلى عصر ما قبل الجائحة وانخفض معدل ادخار الأسر إلى النصف.

والنتيجة هي أن الميزان التجاري الصيني يقف الآن ما بين اثنين وأربعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، اعتماداً على المنهجية، ويعكس هذا التكوين ضعف الواردات وارتفاعاً كبيراً في حصة الصادرات العالمية للصين.

وتمثل الصين الآن حصة أكبر بكثير من الاقتصاد العالمي، لدرجة أنه على رغم أن فائضها التجاري أصغر نسبة إلى اقتصادها، إلا أنها ظلت مستقرة إلى حد ما مع مرور الوقت، كحصة من الناتج العالمي، ومن ثم فإن الآثار غير المباشرة الناجمة عن التطورات التجارية في الصين لا تزال كبيرة جداً بالنسبة لبقية العالم.

وأشار صندوق النقد، إلى أن عوامل الاقتصاد الكلي هي التي تحرك هذه التطورات الخارجية، وتشمل هذه الصدمات السلبية على الطلب المحلي في الصين، بسبب تراجع سوق العقارات وانخفاض ثقة الأسر، فضلاً عن صدمة الادخار في الولايات المتحدة بسبب ارتفاع الإنفاق الحكومي والشخصي.

وتتنبأ طريقة العرض "الكلي" هذه بنتائج قريبة مما تظهره البيانات، وبسبب ضعف الطلب المحلي إلى حد كبير، تعزز فائض الحساب الجاري لدى الصين بنحو 1.5 نقطة مئوية، وهو ما يقترب من الزيادة التي شهدتها البيانات نسبة إلى مستواها قبل الوباء.

ويؤدي الارتفاع المستمر في الادخار المحلي في الصين إلى انخفاض كبير في سعر الصرف الفعلي الحقيقي، بما يتوافق مع البيانات منذ عام 2021، ويدعم هذا التعديل النسبي للأسعار نمو الصادرات ويقلل الطلب على الواردات، فيما تقدم الولايات المتحدة صورة معكوسة. وبسبب الطلب المحلي القوي إلى حد كبير، يتدهور ميزان الحساب الجاري الأميركي بنحو نقطة مئوية واحدة في النموذج وهو ما يقارب من الانخفاض الذي لوحظ في البيانات نسبة إلى مستواه قبل الجائحة.

والأهم من ذلك أن الانحدار المستمر في الادخار المحلي في الولايات المتحدة يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية في الولايات المتحدة، وهو ما يعوض على نطاق واسع التأثير السلبي الناجم عن زيادة الادخار الصيني في أسعار الفائدة العالمية.

تحفيز النمو الصيني يواجه رياحاً معاكسة

وخلافاً للعقد الأول من القرن الـ 21، أسهم الادخار الفائض في الاقتصادات الآسيوية الناشئة في اختلال التوازن العالمي وانخفاض أسعار الفائدة العالمية، لا توجد تخمة في الادخار العالمي هذه المرة، بعد أن ارتفعت أسعار الفائدة الحقيقية العالمية خارج الصين، ولم تنخفض.

وقال الصندوق، إن إسهام صدمة الادخار الصينية في التوازن الخارجي للولايات المتحدة كانت ضئيلة، وكذا الحال بالنسبة لصدمة الادخار الأميركية في الميزان التجاري الصيني، إذ إن الفوائض والعجز الخارجي في كلا البلدين يأتي في أغلبه من الداخل.

وأوضح أن الفوائض والعجز المحلي تستدعي حلولاً محلية تتطلب ضبط مؤشرات الاقتصاد الكلي على النحو المناسب، وسوف يأتي النمو المستدام في الصين من معالجة اختلالات التوازن المحلية الطويلة الأمد مثل الضغط المستمر الذي يفرضه قطاع العقارات على النشاط أو التحديات المتمثلة في الشيخوخة السكانية.

ومن المرجح أن تواجه محاولات تحفيز النمو من خلال قطاعها الخارجي رياحاً معاكسة كبيرة، فإن الاقتصاد ضخم للغاية وهي علامة على نجاحه، بحيث لا يتمكن من توليد الكثير من النمو من الصادرات، وينعكس هذا أيضاً في توقعاتنا للصين في الأمد المتوسط، إذ لم يعد نموذج النمو القائم على التصدير يشكل مخطط الاقتصاد.

والأمر الأكثر أهمية هو أن الصين تحتاج إلى إعادة التوازن إلى اقتصادها من خلال إصلاحات كلية وبنيوية شاملة.

ويتألف النهج الصحيح من استراتيجية متعددة الجوانب تتضمن تنفيذ حزمة من السياسات لجعل تعديل القطاع العقاري أقل كلفة، وتحفيز جانب الطلب الذي يركز على الأسر، والإصلاحات الرامية إلى تعزيز شبكات الأمان هيكلياً، والحد من التفاوت في الدخل، وتحسين تخصيص الموارد.

وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن الأرصدة الخارجية ستستفيد من التعديل المالي الكبير، ومن الممكن تحقيق هذه الغاية من خلال مجموعة متنوعة من السبل، بما في ذلك زيادة الضرائب غير المباشرة، وزيادة ضرائب الدخل تدريجاً، وإلغاء مجموعة من النفقات الضريبية، وإصلاح برامج الاستحقاقات.

الصين نفذت 5400 سياسة دعم منذ 2009

وبغض النظر عن التوازن الخارجي الإجمالي، فإن دعم الصين في بعض قطاعات التصدير أو المنافسة على الواردات، يمكن أن يعزز النشاط في تلك القطاعات، وقد تعمل أيضاً على تحسين القدرة التنافسية من حيث الكلفة بصورة كبيرة من خلال التعلم بالممارسة أو وفورات الحجم.

وتظهر بيانات تنبيه التجارة العالمية أن الصين نفذت نحو 5400 سياسة دعم في الفترة من 2009 إلى 2022، وهو ما يعادل ثلثي جميع التدابير التي تبنتها الاقتصادات المتقدمة لمجموعة دول العشرين مجتمعة.

وتتركز إعانات الدعم التي تقدمها الصين في القطاعات ذات الأولوية مثل البرمجيات، والسيارات، والنقل، وأشباه الموصلات، وأخيراً التكنولوجيا الخضراء.

ومع ذلك، فإن الفائض التجاري الصناعي للبلاد لا يتركز بين أي صناعات محددة، وظلت حصة المساهمين القطاعيين الرئيسين مستقرة إلى حد ما مع مرور الوقت. وحظيت إعانات دعم السيارات الكهربائية وغيرها من سلع التكنولوجيا الخضراء باهتمام واسع النطاق مع ارتفاع الصادرات.

في الواقع، كانت الصين أكبر مصنع للسيارات الكهربائية في عام 2023، إذ أنتجت 8.9 مليون سيارة كهربائية (ثلثي الإنتاج العالمي السنوي من السيارات الكهربائية) وصدرت 1.2 مليون وحدة، مما جعل الصين المصدر الرئيس للسيارات الكهربائية، لكن حتى الآن لا تمثل هذه الصادرات سوى نحو واحد في المئة من البضائع الصينية.

ويشير التحليل إلى أن هذه الإعانات تلعب دوراً ما في توليد آثار غير مباشرة على التجارة الدولية في القطاعات المعنية، وبعد تقديم الدعم، أصبحت صادرات الصين من المنتجات المدعومة أعلى بنسبة واحد في المئة من صادرات المنتجات غير المدعومة، وأن واردات المنتجات المدعومة أقل، مما يشير إلى وجود بعض البدائل المحلية. ومع ذلك، فإن التأثيرات المقدرة متواضعة، مما يشير إلى أن السياسات الصناعية لها تأثير محدود في إجمالي الأرصدة الخارجية.

ومع ذلك، فإن نقص البيانات حول الدعم القديم، والقيمة النقدية للدعم، وكيفية تمويله ونشره لا يسمح بإجراء تقييم كامل لتأثيره الإجمالي، وكما أشارت مراجعة السياسة التجارية للصين التي أجرتها منظمة التجارة العالمية أخيراً، فإن الافتقار إلى الشفافية في شأن سياسات الدعم في الصين يعوق التقييم الشامل والمستنير لعواقبها العالمية، وينبغي للسلطات أن تتخذ خطوات لمعالجة هذه الفجوات في البيانات.

فجوات قديمة ومكشوفة في قواعد التجارة الدولية

وأشار صندوق النقد إلى أن هناك جانبين إضافيين مهمين، فأولاً خارج الصين، تعمل دول عدة مثل الولايات المتحدة بسرعة على تكثيف استخدامها للسياسات الصناعية، ولا تزال الاقتصادات الناشئة، إذ كانت مثل هذه التدابير أكثر انتشاراً تاريخياً، تحتفظ بعدد كبير منها. وحتى لو لم تكن هذه العوامل هي العامل الرئيس الذي يدفع إجمالي الفوائض الخارجية لدى البلدان، فإنها تظل تشكل أهمية كبيرة، وقد يؤدي ذلك إلى آثار غير مباشرة سلبية كبيرة على الشركاء التجاريين، من خلال تقويض القدرة التنافسية والوصول إلى الأسواق في البلدان الأخرى، مما يؤدي إلى تفاقم التوترات التجارية.

ولتجنب التشوهات غير المبررة، على المستويين المحلي والدولي، ينبغي للسياسات الصناعية في كل البلدان أن تقتصر على أهداف ضيقة، حيث تمنع العوامل الخارجية أو إخفاقات السوق التوصل إلى حلول سوقية فعالة، وأن تكون متسقة مع الالتزامات الدولية.

أما عن الجانب الثاني، فبقدر ما تؤدي السياسات الصناعية إلى تشويه تكافؤ الفرص، فإن بعض التصحيح يكون مناسباً ولا بد من الحصول عليه من خلال أدوات متسقة مع منظمة التجارة العالمية، وتوفر قواعد التجارة المتعددة الأطراف بعض الحواجز التي تحول دون إعانات الدعم، مما يسمح بالعلاج إما من خلال تسوية المنازعات المتعددة الأطراف أو الرسوم التعويضية.

وفي الوقت نفسه، لا تزال هناك فجوات قديمة ومكشوفة أخيراً في قواعد التجارة الدولية، والتي شكلتها تطورات مثل ظهور سلاسل القيمة العالمية، والأهمية العالمية للاقتصادات التي تلعب فيها الدولة دوراً مركزياً، والتحدي الملح المتمثل في تغير المناخ.

إن الاستجابات الأحادية الجانب من خلال التعريفات الجمركية، والحواجز غير الجمركية، وشروط المحتوى المحلي هي الحلول الخاطئة، فهي تزيد من أخطار الانتقام، وعدم اليقين السياسي، وتقوض النظام التجاري المتعدد الأطراف، وتضعف سلاسل التوريد العالمية، وتزيد من التفتت الجغرافي الاقتصادي، وبدلاً من ذلك، ينبغي للحكومات أن تعمل معاً على تعزيز قواعد ومعايير منظمة التجارة العالمية في هذه المجالات.
 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI