أفادت دراسة حديثة بأن علاج جديد لسرطان عنق الرحم يعد أهم تقدم طبي سجل خلال العقدين الأخيرين، إذ يقلل خطر الوفاة بنسبة 40%.
وفي التفاصيل، يحث الخبراء في هيئة الخدمات الصحية البريطانية (NHS) إلى اعتماد أسلوب علاجي مبتكر يجمع بين العلاج الكيماوي والعلاج الإشعاعي لجميع المرضى، بعد أن أظهرت التجارب السريرية أن كثراً منهم لم يصابوا بالمرض لمدة 10 أعوام.
فيما أجرى باحثون من جامعة "كولدج لندن" (UCL) ومؤسسة مستشفيات كلية "لندن الجامعية دراسة متابعة طويلة الأمد للمرضى الذين خضعوا لجولة قصيرة من العلاج الكيماوي قبل الانتقال إلى العلاج المدمج، الذي يجمع بين العلاج الكيماوي والعلاج الإشعاعي.
وأظهرت النتائج التي تأتي كتكملة لما عرض للمرة الأولى خلال أكتوبر/ تشرين الأول 2023 انخفاضاً بنسبة 40 ف% في خطر الوفيات، و35 في المئة في احتمال معاودة الإصابة بالسرطان خلال خمسة أعوام في الأقل.
وعندما كشف عن النتائج الأولية وصفت "مؤسسة بحوث السرطان في المملكة المتحدة" Cancer Research UK هذا التغيير بأنه أكبر قفزة في علاج سرطان عنق الرحم خلال أكثر من 20 عاماً.
وتشير بيانات المؤسسة إلى تشخيص نحو 2700 امرأة بسرطان عنق الرحم في إنجلترا كل عام، إضافة إلى وفاة نحو 850 منهن.
وخلال العام الماضي، أكدت الرئيسة التنفيذية لهيئة الخدمات الصحية أماندا بريتشارد التزامها بالقضاء على سرطان عنق الرحم داخل المملكة المتحدة بحلول عام 2040، من خلال تعزيز برامج الفحص وتوسيع استخدام لقاح فيروس الورم الحليمي البشري (HPV)، ومجموعة من الفيروسات التي يمكن أن تنتقل من طريق الاتصال الجنسي ولا تسبب أية أعراض.
ويعد العلاج المدمج بين الكيماوي والإشعاعي الطريقة التقليدية لعلاج سرطان عنق الرحم منذ عام 1999، وعلى رغم التقدم في الرعاية الصحية فإن معاودة السرطان تحدث في نحو 30% من الحالات.
وتطرقت التجربة السريرية في المرحلة الثالثة "إنترلايس" التي تمولها مؤسسة بحوث السرطان داخل المملكة المتحدة ومركز تجارب السرطان في جامعة كولدج لندن، إلى مدى فعالية إعطاء دورة قصيرة من العلاج الكيماوي المبدئي قبل العلاج المشترك في تقليل حالات الانتكاس والوفيات بين مرضى سرطان عنق الرحم المتقدم محلياً، الذين لم ينتشر المرض لديهم إلى أعضاء أخرى.
وتظهر النتائج التي نشرت في مجلة "ذا لانسيت" The Lancet بوضوح شديد، مما دفع الخبراء إلى الدعوة لتبني هذا النظام العلاجي في جميع أنحاء المملكة المتحدة وعلى الصعيد الدولي.
وقالت الدكتورة ماري مكورماك أبرز الباحثين في التجربة من معهد السرطان التابع لجامعة كولدج لندن ومؤسسة مستشفيات كلية لندن الجامعية "يمثل هذا الأسلوب طريقة فعالة لإحداث تغيير إيجابي، باستخدام أدوية متاحة ورخيصة ومرخصة للاستخدام الطبي"، مضيفة "طُبق هذا الأسلوب في بعض مراكز علاج السرطان ولا يوجد ما يمنع من توفيره لجميع المرضى الذين يخضعون للعلاج المشترك لهذا النوع من السرطان".
فيما قام فريق البحث بتجنيد 500 مريض على مدار 10 أعوام من مستشفيات في المملكة المتحدة والمكسيك والهند وإيطاليا والبرازيل، وُزعوا بصورة عشوائية بين العلاج التقليدي أو مجموعة العلاجات الجديدة.
وبعد خمسة أعوام تبين أن 80% من المرضى الذين تلقوا دورة قصيرة من العلاج الكيماوي أولاً ما زالوا على قيد الحياة، و73% لم يشهدوا عودة أو انتشار السرطان.
وفي مجموعة العلاج التقليدي أظهرت النتائج أن 72% من المرضى ما زالوا على قيد الحياة، في حين أن 64% منهم لم يواجهوا عودة أو انتشار للسرطان، فيما أفاد الباحثون أن خمسة مرضى من المشاركين في التجربة لم تظهر عليهم أية علامات للمرض لمدة تجاوزت عشرة أعوام.
ومن جانبه، أكد المؤلف الرئيس للدراسة من معهد السرطان التابع لجامعة كولدج لندن البروفيسور جوناثان ليديرمان أن "الكلف الإضافية لاستخدام الأدوية في تجربة إنترلايس منخفضة، مما يجعل هذا العلاج الجديد قابلاً للتنفيذ بسهولة في جميع الأنظمة الصحية ويساهم بصورة كبيرة في تحسين معدلات البقاء على قيد الحياة".
"التوقيت يلعب دوراً مهماً في علاج السرطان" وفقاً للمدير التنفيذي لقسم البحوث والابتكار في "مركز بحوث السرطان في المملكة المتحدة" الدكتور إيان فولكس، مشيراً إلى أن "إضافة العلاج الكيماوي المبدئي إلى بداية العلاج المشترك لسرطان عنق الرحم حقق نتائج مذهلة في تجربة إنترلايس".
وأفاد "تزايد الأدلة يشير إلى أن إضافة العلاج الكيماوي قبل إجراءات مثل الجراحة والعلاج الإشعاعي، يمكن أن تزيد من فرص نجاح العلاج لدى المرضى".
واستطرد قائلاً "هذا العلاج لا يسهم فقط في تقليص فرص عودة المرض، بل يمكن تطبيقه بسرعة باستخدام أدوية متاحة على مستوى العالم".