"رب ضارة نافعة".. تمثل هذه الحكمة الوضع الحالي فيما يتعلق بالعقوبات الغربية على روسيا التي أبعدت العلامات التجارية الغربية للسيارات عن موسكو في الوقت الذي تشهد فيه صناعة السيارات الصينية مشكلات في الأسواق الأمريكية والأوروبية بسبب التعرفات الجمركية الأعلى، وبالتالي كانت النتيجة أن روسيا أصبحت أكبر وجهة لصادرات شركات السيارات في الصين.
سجلت مبيعات السيارات الصينية في روسيا أرقاماً قياسية جديدة وهو ما قد يعني أنها وفرت بديلاً نوعاً ما للمستهلكين الروس عن منتجات الشركات الغربية، كما ساعدت تلك المبيعات شركات صناعة السيارات الصينية بعد رفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية من الصين.
وقال إيليا فرولوف، وهو مدون سيارات مقيم في موسكو: "إذا كنت تشتري سيارة، فإن اختيارك هو إما Lada (روسية الصنع) أو سيارة أوروبية باهظة الثمن للغاية يتم جلبها كاستيراد رمادي (بطرق غير رسمية)، أو سيارة صينية مجهزة تجهيزاً جيداً ورخيصة نسبياً"، بحسب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
ارتفاع حصة السيارات الصينية وانخفاض الأوروبية والآسيوية الأخرى
أدت تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية إلى انخفاض حاد في مبيعات المركبات من شركات صناعة السيارات الأوروبية والكورية واليابانية والتي كانت تسيطر في وقت سابق على سوق السيارات في موسكو.
في فبراير/ شباط 2022 مع اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، شكلت العلامات التجارية للسيارات الأوروبية والكورية واليابانية 69% من إجمالي مبيعات السيارات في روسيا، وفقاً لوكالة التحليلات Avtostat.
لكن حصة هذه العلامات انخفضت إلى 8.5% فقط من السوق في الوقت الحالي، وفي المقابل ارتفعت حصة الشركات الصينية خلال نفس الفترة من 9% إلى 57%.
أصبحت روسيا أكبر وجهة تصدير للسيارات المصنعة في الصين خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2024، بعدد 849.951 ألف مركبة، وفقاً لبيانات من جمعية سيارات الركاب الصينية. وكانت المكسيك ثاني أكبر وجهة، لكنها استوردت أقل من نصف هذا العدد.
وقال الأمين العام لجمعية سيارات الركاب الصينية، كوي دونغشو: "النمو الكبير في صادرات السيارات الصينية خلال السنوات الأخيرة يعتمد بشكل أساسي على مساهمات السوق الروسية".
وأضاف: "وفرت التقلبات والتغيرات الدراماتيكية في المشهد التنافسي لسوق السيارات في روسيا لشركات السيارات الصينية فرص بيع وفيرة وأرباحاً ضخمة".
ويشار إلى أن حوالي 90% من المركبات الصينية التي تباع في روسيا مزودة بمحركات احتراق داخلي، على الرغم من بيع أكثر من 15 ألف سيارة في روسيا في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2024 من إنتاج شركة Li Auto، وهي شركة تصنيع مركبات كهربائية ومتخصصة في سيارات الدفع الرباعي الهجينة.
الحضور الصيني يمتد للعاملين في المجال
ووفق تقرير الصحيفة، فقد كان توسع حضور الصين كبيراً لدرجة أنه لم يقتصر على العملاء فقط بل امتد إلى المهنيين في الصناعة الذين سارعوا إلى الشركات الجديدة.
إلى ذلك، قال مدير وكالة العلاقات العامة Krasnoe Slovo، مقرها موسكو وتعمل مع صناعة السيارات، فاديم جورزانكين: "كل شخص تقريباً (كان يعمل في شركات غربية) يعمل الآن لدى شركات صينية. في البداية، لم نكن نعرف شيئاً تقريباً عن هوية هؤلاء المنتجين، أو كيفية العمل معهم، أو حتى كيفية نطق أسماء علاماتهم التجارية".
كشفت بيانات الجمارك الصينية عن تصدير سيارات إلى روسيا بقيمة 1.8 مليار دولار خلال شهر سبتمبر/ أيلول، وهو أحدث شهر تتوفر عنه أرقام كاملة، مقارنة بـ 96 مليون دولار في نفس الشهر في العام 2021 (قبل الحرب).
ارتفاع أسعار العلامات التجارية الغربية
وبينما لا يزال التجار غير الرسميين يدخلون السيارات ذات العلامات التجارية الغربية المألوفة إلى روسيا من خلال طرق الاستيراد الموازية، فإن الأسعار المرتفعة قد أبطأت بشكل كبير من قدرة العملاء التقليديين على الشراء.
في ألمانيا، يمكن للأشخاص شراء سيارة BMW X5 30d بحوالي 95 ألف دولار، وفقاً للموقع الرسمي للشركة. في المقابل تتراوح أسعار نفس الطراز من 152 ألفاً إلى 203 آلاف دولار في روسيا، وفقاً لسوق Auto.ru عبر الإنترنت.
تبلغ تكلفة سيارة Exeed VX الصينية المماثلة حوالي 56 ألف دولار. تعد شركة Chery المصنعة لهذا الطراز واحدة من أكثر العلامات التجارية مبيعاً في روسيا، إلى جانب Great Wall Motor وGeely.
تكتم الشركات الصينية عن نشاطها في روسيا
كانت بعض شركات صناعة السيارات الصينية متكتمة بشأن صادراتها في روسيا، وعزت الوجود المتزايد لسياراتها في شوارع البلاد إلى سوق رمادية يديرها تجار موازون.
وقالت Zeekr، وهي علامة تجارية للسيارات الكهربائية انفصلت عن Geely، في بيان، إنها لم تعين أي تجار أو موزعين داخل الاتحاد الروسي. وأضافت الشركة المدرجة في نيويورك: "المركبات القليلة التي شوهدت في السوق الروسية هي سلوك فردي".
كتب مؤسس شركة Li Auto المدرجة في ناسداك، لي شيانغ، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، العام الماضي، أن الشركة "ليس لديها أي ممثلين في الخارج"، لكنه أضاف أن الشركة لا تستطيع الحد من "الطلب" على الصادرات الموازية الخاصة التي يتم شحنها إلى آسيا الوسطى والشرق الأوسط.
وذكر المدون في مجال السيارات، إيليا فرولوف، أن بعض السيارات الصينية تحتوي على بعض المزايا الترفيهية مثل التي تتوفر في علامات تجارية غربية شهيرة أو قد لا تتوفر بها أحياناً. وقال فرولوف إن العيب الوحيد في السيارات الصينية هو أنها أكثر عرضة للسرقة. "هناك جرائم أقل في الصين، لذلك ليس لديهم نفس معايير الأمان".
مشكلات تواجه سائقي الأجرة
اشتكى اتحاد سائقي سيارات الأجرة الروس في شهر أكتوبر/ تشرين الأول، لصحيفة كوميرسانت الروسية، من المشكلات التي واجهتها الصناعة منذ التحول إلى نماذج أرخص من السيارات الصينية.
ويزعم سائقو سيارات الأجرة أن المركبات الصينية غالباً ما يتم شطبها بعد قيادتها لمسافة 150 ألف كيلومتر، بينما كانت العلامات التجارية الأوروبية والكورية تدوم لمدة تصل إلى 300 ألف كيلومتر.
وأشار الاتحاد إلى أن الحصول على قطع الغيار اللازمة للإصلاحات قد يستغرق وقتاً طويلاً أيضاً.
غضب من بعض المنتجين المحللين
أثارت هيمنة الصين المتزايدة غضب بعض المنتجين المحليين - وخاصة أولئك الذين اضطروا إلى توجيه المزيد من مواردهم نحو إنتاج الأسلحة.
ودعا رئيس شركة Rostec الروسية لصناعة الأسلحة، سيرجي تشيميزوف، الدولة إلى فرض "تدابير وقائية" على المركبات الصينية. وتمتلك شركته حصة في أكبر شركة لتصنيع السيارات في روسيا، Avtovaz، صانعة Lada، التي قالت في سبتمبر/ أيلول، إن حصتها في السوق من المرجح أن تنخفض إلى 25% بعد ارتفاع مبيعات المركبات الصينية.
وتعرضت شركات تصنيع السيارات في البلاد لضربة شديدة بسبب العقوبات، التي حدت من الوصول إلى الأجزاء والتكنولوجيا الغربية. وللتعويض عن ذلك، لجأت هي أيضاً إلى الصين في كثير من الأحيان.
هذا العام، هاجم رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين رجلاً عرض طراز Volga الجديد في مؤتمر أعمال، بعد أن تبين أن عجلة القيادة "الدريكسيون" في السيارة صُنعت في الصين.
وقال رئيس الوزراء: "أين صُنعت عجلة القيادة الخاصة بك؟ في الصين؟" وتابع: "أريد أن تكون عجلة القيادة روسية. الأمر ليس صعباً مثل توطين علبة التروس وجميع العناصر الأخرى"، بحسب صحيفة الأعمال RBC.
علاقة تجارية غير متوازنة
تعتبر العلاقات التجارية بين روسيا والصين غير متوازنة. فوفقاً لـ Trade Data Monitor، كانت الصين بالفعل الشريك التجاري الأول لموسكو قبل الحرب الروسية الأوكرانية في العام 2022، وهي تمثل الآن أكثر من نصف جميع الصادرات الرسمية إلى روسيا. في سبتمبر/ أيلول، كانت حصة روسيا من إجمالي واردات الصين 5% فقط.
وقال الخبير في شؤون روسيا في معهد راند أوروبا للأبحاث، جون كينيدي: "إن الاتجاه العام يميل إلى حد كبير نحو اعتماد روسيا بشكل أكبر على الصين".
وقالت زميلة بارزة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إيلاريا مازوكو: "من الواضح أن هناك شراكة جيوستراتيجية بين الصين وروسيا. ولكن هناك أيضاً مصالح تجارية تتطور، ومن المحتمل أن يكون هناك جهات فاعلة من رواد الأعمال على الجانب الصيني تستفيد من كيفية تغير السوق في روسيا".
ويعتقد المحللون أن حجم التجارة المتزايد بين روسيا والصين قد يجعل من الصعب رصد واردات موسكو الخفية من السلع الخاضعة للعقوبات، والتي كانت تبرز في الماضي في بيانات التجارة الخاصة بدول عبور أخرى.
وقالت زميلة مركز كارنيغي روسيا أوراسيا، ألكسندرا بروكوبينكو، إنه بعد اندلاع الحرب مباشرة، "أدرك الجميع بسرعة أن روسيا تتهرب من العقوبات من خلال الدول السوفيتية السابقة. لكن الصين تتاجر بأحجام كبيرة وبإحصائيات غامضة لدرجة أن لا أحد يفهم أي شيء. يمكن إخفاء الكثير من الأشياء".