تزايدت وتيرة الحروب البحرية خلال العام الحالي مع تنفيذ جماعة الحوثي اليمنية هجمات في البحر الأحمر، مما تسبب في حدوث اضطرابات واسعة النطاق في حركة الملاحة العالمية وتكبد شركات التأمين خسائر كبيرة.
وبدأت الجماعة المتحالفة مع إيران هجماتها في البحر الأحمر خلال أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عندما خطفت السفينة "غالاكسي ليدر".
وتزايدت هذه الهجمات خلال ديسمبر/ كانون الأول 2023، واستمرت في العام الحالي مع إطلاق كميات كبيرة من الصواريخ صوب السفن التجارية في البحر الأحمر، وأدت هذه الهجمات إلى تراجع سريع في حركة الملاحة، وهو ما استمر حتى الآن.
تراجع الملاحة في البحر الأحمر 50%
وتعليقاً على ذلك، قال رئيس اللجنة المعنية بالحقائق والأرقام في الاتحاد الدولي لشركات التأمين البحري جون لين خلال فبراير/ شباط الماضي، إن "حركة الملاحة في البحر الأحمر انخفضت 50%، وهو ما صاحبه زيادة موازية في حركة المرور عبر طريق رأس الرجاء الصالح".
جاء هذا الانخفاض في حركة الملاحة مصحوباً بارتفاع كبير في تصنيف علاوة أخطار الحرب الإضافية في البحر الأحمر.
ومن جانبها، قالت شركة "غالاغر" للخدمات التأمينية عبر نشرتها خلال فبراير الماضي، إن متوسط أسعار السوق ارتفع من مستوى ما قبل الصراع وهو 0.02 إلى 0.03% إلى متوسط 0.75% خلال ذلك الوقت.
وارتفعت الأسعار بعد ذلك إلى واحد في المئة مع مطالبات من بعض الأسواق بزيادتها إلى 1.5% بالنسبة إلى السفن المرتبطة بالمملكة المتحدة أو الولايات المتحدة، بعد أن ضرب صاروخان أطلقهما الحوثيون سفينة الشحن "روبيمار" مما أدى إلى إغراقها، وعلى رغم أن السفينة لم يكن مؤمناً عليها في سوق التأمين على هياكل السفن ضد أخطار الحرب، فإن غرقها كان مؤشراً إلى استمرار نجاح هجمات الحوثيين.
وما بين شهري مارس/ آذار إلى يوليو/ تموز الماضيين خسرت السوق البحرية السفينتين "ترو كونفيدنس" و"توتور".
وأشارت خدمة "ذا انشورار" التابعة إلى وكالة "رويترز" إلى أن شركة "أم جي أي نفيام مارين" تقود جهود تغطية التأمين على السفينة "ترو كونفيدنس" ضد أخطار الحرب بقيمة 23 مليون دولار، بينما تقود شركة "ترافيلارز" تغطية التأمين على السفينة "توتور" بقيمة 40 مليون دولار.
وقالت مصادر في مجال السمسرة البحرية إنه منذ هذه اللحظة بات من الصعب جداً العثور على شركة ترغب في التأمين على السفن، التي لها صلة بالمملكة المتحدة والولايات المتحدة وإسرائيل.
واستهدف الحوثيون أيضاً السفينة "لاكس" التي ترفع علم جزر مارشال والسفينة "سونيون"، وتقود شركة "أس آي أي تي" جهود تغطية التأمين على السفينة "لاكس" ضد أخطار الحرب بقيمة 36 مليون دولار، في حين تقود شركة "كيل كونسورتيوم" تغطية التأمين على السفينة الثانية بقيمة تزيد على 60 مليون دولار.
ارتفاع إلى 0.75%
وقبل الهجوم على السفينة "سونيون" أواخر أغسطس/ آب الماضي، انخفضت أسعار التأمين على السفن ضد أخطار الحرب إلى 0.4% تقريباً، لكن هذا الهجوم أدى إلى ارتفاعها مجدداً إلى 0.75%.
وتفاقمت هذه الخسائر مع مضي 12 شهراً على احتجاز السفينة "غالاكسي ليدر"، مما يؤكد أنها الخسارة الثالثة للسفن جراء هجمات الحوثيين، وتصل فاتورة التأمين على "غالاكسي ليدر" إلى 65 مليون دولار.
وسوف تستمر هجمات الحوثيين على الأرجح مع استمرار الوجود العسكري الإسرائيلي في غزة، الذي بدأ خلال أكتوبر 2023 بعد هجمات قادتها حركة "حماس" على بلدات إسرائيلية خلال الشهر ذاته. في غضون ذلك، بلغ إصدار سندات الكوارث مستوى قياسياً العام الحالي، ما رفع السوق الإجمالية إلى ما يقارب 50 مليار دولار، مع نقل شركات التأمين المزيد من الأخطار الناتجة من كوارث المناخ باهظة الكلفة لمستثمرين بالقطاع الخاص وفقاً لتقرير "بلومبيرغ".
وحققت مبيعات السندات المخصصة للتغطية التأمينية الإضافية للعواصف الكبرى والزلازل وغيرها من الأحداث 17.7 مليار دولار، بزيادة 7% عن الرقم القياسي السابق المسجل العام الماضي، وفق شركة "أرتميس" التي تتابع سوق الأوراق المالية المرتبطة بالتأمين، وتشمل هذه الأرقام الأخطار السيبرانية والمعاملات الخاصة.
سوق سندات الكوارث تقترب من 50 مليار دولار
وعن ذلك، قالت رئيسة إدارة محافظ سندات الكوارث في شركة "تويلف كابيتال" بزيورخ تانغا وروش "شهدت سوق سندات الكوارث عاماً آخر من النمو القوي، إذ تشكل الأسواق الأكبر والأكثر تنوعاً والأوسع المفتاح لنجاح واستدامة حلول واستراتيجيات الاستثمار في سندات الكوارث".
وفرت سندات الكوارث عوائد للمشترين مقابل تحمل أخطار سوق التأمين المرتبطة بالكوارث الطبيعية إذا وقع حدث محدد سلفاً، يمكن أن يتكبد حاملو السندات خسائر كبيرة، وإذا لم يحدث، يمكنهم تحقيق عوائد تفوق 10%.
وبحسب "بلومبيرغ" أصبحت شركات التأمين والجهات الأخرى أكثر رغبة في إصدار سندات الكوارث، ويرجع ذلك جزئياً إلى ارتفاع معدلات التضخم، ما جعل إعادة بناء الممتلكات التي دمرتها العواصف والكوارث الأخرى أكثر كلفة، في الوقت نفسه ارتفعت الخسائر المؤمن عليها مع اشتداد الظواهر الجوية بسبب تغير المناخ.
وخلال الشهر الجاري، أبرمت شركة "أولستيت" ثاني أكبر صفقة سندات كوارث في تاريخها، إذ حصلت على حماية إعادة تأمين بقيمة 650 مليون دولار ضد العواصف وحرائق الغابات والكوارث الطبيعية الأخرى، وكانت الصفقة أكبر بنسبة 86% من الهدف الأولي، وفق "أرتميس".
وتواصل سندات الكوارث تقديم عوائد أعلى من العديد من الأصول ذات الدخل الثابت، ومن المتوقع أن تصل عوائد المستثمرين العام الحالي إلى 16%، مقارنة بالرقم القياسي البالغ 20% خلال 2023.
ويتكون العائد على سند الكوارث من فروق العائد على الأخطار، إضافة إلى أسعار الفائدة لصناديق أسواق المال القائمة.
واستفاد المستثمرون من كل من فروق العائد على الأخطار الجذابة وارتفاع عائدات صناديق أسواق المال بنسبة تتراوح بين 4.5 و5%، مقارنة بـ0.25% أو أقل خلال فترة وباء كورونا.
وتتوقع "تويلف كابيتال" أن تتراوح فروق العائد على الأخطار ما بين 5 و7% العام المقبل، بعد أن بلغت 8.4% خلال 2024، وفق بيانات "أرتميس".
وأشارت وروش إلى أن مستثمري سندات الكوارث "يمكنهم توقع عوائد إجمالية تتراوح بين أرقام مرتفعة قريبة من 10 في المئة أو تتجاوز ذلك بقليل خلال 2025.
ويتوقع محللون في "بلينوم إنفستمنتس" إحدى الشركات المستثمرة في سندات الكوارث يقع مقرها في زيورخ، تحقيق مكاسب مشابهة.
سندات خسائر الأحداث المجمعة
صممت سندات الكوارث لتكون بمثابة آلية لامتصاص صدمات للأحداث النادرة لكنها مدمرة للغاية والمتعلقة بكوارث الأحوال الجوية.
في الوقت الحالي، تسعى شركات التأمين بشكل متزايد إلى استخدام هذه الأوراق المالية لدعم الخسائر المتنامية الناجمة عن أخطار أقل شدة ولكنها أكثر تكراراً مثل حرائق الغابات والعواصف الرعدية.