يُعتبر العسل اليمني من أرقى أنواع العسل في العالم، يتسم بخصائصه الفريدة التي تجعله محط اهتمام على مستوى محلي ودولي. ومع ذلك، أصبح ضحية لممارسات تجارية غير قانونية تؤثر سلباً على سمعته وصحة المستهلكين. فبينما يُروج للعسل اليمني كمادة طبيعية وفعّالة لعلاج العديد من الأمراض، ظهرت ظاهرة غش العسل واستخدامه كوسيلة لبيع خلطات غير معروفة الهوية والمكونات.
إحدى أبرز الأسباب التي جعلت العسل اليمني هدفًا لهذه الممارسات التجارية المشبوهة هو الطلب المرتفع عليه في الأسواق المحلية والدولية، وخاصة في دول الخليج. هذا الطلب الكبير دفع بعض التجار إلى الاستفادة من القرب الكبير في خصائص العسل الكشميري والروسي والألماني من العسل اليمني، حيث يمكن بسهولة مزج هذه الأنواع مع العسل المحلي للحصول على منتج رخيص. بالإضافة إلى ذلك، دخلت مواد أخرى مثل السكر والشمع في عملية الغش، ما يؤدي إلى خفض جودة المنتج.
وعود صحية لأدلة عملية
يتم ترويج هذه الخلطات كعسل يمني خالص، مع تقديم وعود صحية لا تستند إلى واقع علمي، مثل تحسين الطاقة والحيوية أو معالجة بعض الأمراض. ما يعزز هذه الممارسات هو غياب الرقابة الفعالة على الإنتاج والتوزيع، مما يسمح بتداول منتجات مغشوشة بشكل واسع. وتنتشر هذه المنتجات بشكل خاص في الأسواق التي تفتقر إلى أدوات الفحص الدقيقة، مما يزيد من خطر تعرض المستهلكين لمشاكل صحية نتيجة لاستخدام هذه الخلطات الملوثة أو المعدلة.
بدأت القصة عندما نصحني البعض بشراء عسل السدر، مؤكّدين أنه علاج فعال للمعدة التي كانت تؤلمني بشكل متكرر. بعد محاولات عدة مع الأدوية والأطباء دون تحسن، قررت شراء عسل السدر بسعر مرتفع يصل إلى 40 ألف ريال يمني، ولكن، وبعد استخدامه، ازدادت حالتي سوءًا. وعندما استشرت أحد النحالين المعروفين، اكتشفت أن العسل كان مخلوطًا بمواد أخرى. شعرت بالندم، فقد خسرت المال، وزوجتي خسرت خاتمها الثمين.
د/ بندر عادل السامعي طبيب التغذية السريرية لدى مستشفى الاقصى التخصصي ورئيس مبادرة الغذاء والتغذية بالجمهورية، يؤكد أن خلط العسل بأي منشطات كيميائية، يشكل خطورة ومشاكل صحية عديدة ومتعددة ذات خطورة بالغة على الفرد والمجتمع، فعندما يخلط العسل ببعض المنشطات الكيميائية فقد تؤدي إلى الإدمان، واعتماد الجسم عليها، لأن تلك المواد التي تعمل تنشط المخ والقلب والجهاز العصبي المركزي بشكل غير طبيعي.
ويرى أصحاب محلات العسل والبهارات وبعض الزملاء في الطب كالصيادلة الذي يقومون بإضافة هذه المادة (الكرتيزون) بكميات كبيرة جدا فقد يضيف الشخص لكل نصف كيلو عسل عشرين جرام.
تزايد الاستخدام رغم المكافحة
وزارة الصحة العامة والسكان في حكومة الحوثيين، قامت بتلف كميات ضخمة من العسل المغشوش، ولكن هناك تزايد في محاولات الغش. ففي 20 فبراير 2023، تم إتلاف أكثر من أربعة أطنان من العسل المغشوش في صنعاء، بعد اكتشاف أن هذا العسل كان يحتوي على مواد غير صالحة للاستهلاك البشري. وهو ما يهدد صحة المواطنين ويحمل تداعيات اقتصادية خطيرة على مربي النحل الشرعيين.
وأصدرت الوزارة بيانا حول منع بيعها في الصيدليات أو البهارات لما لها من أضرار وتحميل من يقوم ببيعها النتائج المتعقبة من استخدامها.
أرقام تكشف ظاهرة الغش
هذه القصة ليست فريدة. فوفقًا لاستبيان شمل 31 شخصًا من الجنسين، تبين أن 93.1% من العملاء يعلمون بوجود ظاهرة غش العسل، بينما 6.9% فقط لا يعلمون بذلك. تؤكد الجمعية اليمنية لحماية المستهلك أن الطلب الكبير على العسل اليمني دفع "ضعاف النفوس" لخلط العسل اليمني مع أنواع أخرى مثل العسل الكشميري أو الروسي، وهو ما أثر على سمعة العسل اليمني في الأسواق الخليجية.
من طرق الغش الشائعة أيضًا خلط العسل مع منشطات مختلفة، مثل "خلطات ملكة النحل" التي تُستخدم في العلاجات الجنسية. هذه الممارسات انتشرت بشكل كبير في السوق، خاصة في مناطق مثل الجوف، حيث يُخلط العسل مع مواد كيميائية من أجل زيادة الفعالية، مما يضر بالجودة والمصداقية.
يقول أحمد محمد، أحد العاملين في المجال الطبي في الجوف، إن العسل المغشوش يمكن أن يُباع بأسعار مرتفعة تصل إلى 15 ألف ريال للعلبة الصغيرة، مما يدفع العاملين في بعض العيادات إلى شراء كميات ضخمة من العسل المغشوش لتحقيق أرباح ضخمة.
يتم إضافة مكونات مخفية إلى العسل المغشوش، مثل مواد كيميائية ضارة، إلى جانب الأعشاب التي يتم الترويج لها على أنها "حبّة سوداء" أو "مكونات طبيعية". ومع ذلك، تحتوي هذه الخلطات على مواد منشطة جنسيًا، مثل الكورتيزون أو المنشطات الكيميائية الأخرى التي تؤثر بشكل سلبي على الصحة. قد تؤدي هذه المكونات إلى مشاكل صحية خطيرة مثل ارتفاع ضغط الدم، الفشل الكلوي، وحتى السكتات القلبية أو الدماغية.
إن ارتفاع الأسعار أصبح من الأسباب الرئيسية التي تدفع العديد من اليمنيين إلى التوجه نحو شراء أنواع عسل ذات جودة متدنية بأسعار معقولة، وهو ما يعمق أزمة الغش في السوق بشكل ملموس. في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، التي يعاني منها المواطن اليمني، يصبح اللجوء إلى العسل الرخيص خيارًا مغريًا رغم مخاطر جودته المنخفضة. وهنا تبرز العلاقة الواضحة بين السعر والجودة في ذهن الكثيرين؛ حيث يُعتقد أن العسل ذو السعر المرتفع هو حتمًا الأفضل من حيث الجودة.
وفقا لاستبيان أجري على 31 مشاركًا من الجنسين، أظهرت النتائج أن 62.1% من المستهلكين يربطون بشكل أساسي بين السعر المرتفع والجودة العالية، معتبرين أن العسل الذي يتم بيعه بأسعار مرتفعة هو عسل أصلي وعالي الجودة.
هذه القناعة تعكس نقصًا في الوعي والتوعية حيال جودة العسل الحقيقية والطرق الصحيحة لاختياره، مما يعزز من انتشار ظاهرة الغش في الأسواق. ولذلك، فإن مكافحة هذه الظاهرة لا بد أن تبدأ بتعزيز الوعي لدى المواطنين حول كيفية التمييز بين العسل الأصلي والمغشوش، بالإضافة إلى فرض رقابة صارمة على الأسواق لحماية صحة المستهلك وحفظ سمعة العسل اليمني في الأسواق المحلية والدولية.
خلطات العسل والتسمين
يستغل بعض التجار حاجة الناس للعلاجات الطبيعية ويبيعون خلطات العسل الممزوجة بمواد كيميائية ضارة، مثل الكورتيزون ومواد تسبب احتباس السوائل، التي قد تسبب أضرارًا صحية جسيمة. من بين هذه الأضرار الفشل الكلوي، السكتات القلبية والدماغية، إضافة إلى أضرار أخرى في الكبد والأوعية الدموية. وتؤكد وزارة الصحة أن الغش في العسل لا يقتصر على المواد الكيميائية فقط، بل يشمل أيضًا خلط العسل بالسعرات الزائدة أو المحاليل السكرية التي لا تحمل أي فائدة طبية.
خلود، فتاة مقبلة على الزواج، قررت استخدام خلطات التسمين لزيادة وزنها قبل الزفاف. في البداية، لاحظت زيادة سريعة في وزنها، مما أسعدها، لكن بعد فترة بدأت تشعر بتورم في جسدها واحتباس السوائل. توقفت عن استخدامها، ولكن الأضرار كانت قد بدأت تظهر. بعد زيارة الطبيب، تبين أن احتباس السوائل تسبب في تضرر بسيط للكلى، تعلمت خلود درسًا قاسيًا الجمال لا يأتي عبر خلطات مغشوشة، بل من خلال العناية الطبيعية بالجسم.
"خلطات التسمين التي يتم ترويجها في اليمن من قبل الكثير من المؤسسات على أنها طبيعية ويتم إنتاجها من عسل السدر واللوز البلدي وغيرها، وهذا كله كذب وتدليس على المواطن اليمني. والحقيقة أن هذه الخلطات يتم خلط فيها "ديكساميثازون" حب والتي تؤدي إلى احتباس السوائل في الجسم مما تؤدي إلى السمنة الكاذبة. جميع هذه الخلطات كاذبة وإياكم والانخداع بها لأنها تؤدي بالحقيقة إلى مشاكل عديدة منها على الكبد ومنها على الكلى، ولهذا نحذركم من تناولها أيما تحذير كي لا تنخدعوا بها. أنا كصيدلي منعت استيرادها وبيعها لأنني أحمل ضمير ولا يمكن أن أصبح غشاشاً للناس ولا ينبغي علينا ذلك. كفى الله المواطن اليمني شرها".
د. عبدالجليل علي الشجري
رغم الجهود المبذولة من الجهات المختصة لمكافحة غش العسل ومراقبة الأسواق، يبقى السؤال: هل هذه الحلول كافية لردع المخالفين وضمان جودة المنتجات؟ الواقع يشير إلى أن التحدي أكبر مما يظهر على السطح، مع استمرار انتشار الخلطات المغشوشة والإعلانات المضللة. قد تكون الحلول الحالية خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها تحتاج إلى تكامل أكبر بين التوعية المجتمعية، التشريعات الصارمة، والتقنيات الحديثة لضمان حماية صحة المواطنين والحفاظ على سمعة العسل اليمني المميز عالميًا.